أستاذ العلوم السياسية، د. محمد حسان دواجي لـ «الشعب ويكاند»:

مواجهة المشروع الصهيوني بوحدة الشعب بعيدا عن الفصائل

حوار: فضيلة دفوس

 التعويل على إدارة بايدن لإنصاف القضية خطأ كبير

 نجاح الانتخابات يمنح الموقف الداخلي شرعية خارجية

ثمّن الدكتور محمد حسان دواجي، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة مستغانم، في حواره مع «الشعب ويكاند»، اللقاء الذي جمع الأسبوع الماضي، بالعاصمة المصرية القاهرة، الفصائل الفلسطينية، لأنّه سمح بإذابة جليد الخلافات التي ظلّت تنسف وحدة الصّف الفلسطيني الداخلي وتضعف أسس قضية العرب الأولى حتى باتت اليوم تواجه تحديات صعبة وتتلقى ضربات موجعة، ليس فقط من طرف الاحتلال ومؤيّديه، بل ومن جانب الدول العربية التي دخل بعضها في رحلة تطبيع مخزية مع الكيان الصهيوني الغاصب.
لقاء القاهرة – كما قال – الدكتور دواجي وضع القيادات الفلسطينية بمختلف حساسياتها وتوّجهاتها أمام حتمية رصّ الصف الداخلي وإنجاح الاستحقاقات القادمة التي ستقوّي الموقف الفلسطيني وتعطيه سندا شعبيا وشرعية داخلية وخارجية قد تسهم في فك الحصار المفروض على الفلسطينيين، منذ سنوات.
-  « الشعب» : احتضنت القاهرة، بحر الأسبوع الماضي، الحوار الوطني الفلسطيني، الذي شارك فيه ممثلون عن 14  فصيلا ومستقلون بهدف وضع آليات متّفق عليها لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة، شهري ماي وجويلية القادمين، ما تعليقكم على هذا الحدث؟
 د- محمد حسان دواجي: أوّل ملاحظة أو تعليق يمكن وضعه حول لقاء الفصائل الفلسطينية في القاهرة مؤخرا، هو أنه جاء متأخرا وفي ظروف صعبة ومعقدة يمر بها الوطن العربي والمنطقة بصفة عامة ووسط تراجع الاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية التي تعد قضية الأمة الأولى والأساسية، وبسبب التسارع نحو التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني الذي يزيد من إضعاف الموقف الفلسطيني في مواجهة الإحتلال المتغطرس.
إلا أن اللقاء يعدّ مهما وضروريا بحيث أن الفلسطينيين بمختلف مشاربهم وتوّجهاتهم ملزمون بتحمل مسؤولياتهم الكاملة ورصّ الصف الداخلي والسعي نحو وحدة وطنية للتمكن من الدفاع عن قضيتهم، بعد التراجع الرهيب للدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي عن التزاماتهم تجاه مسألة الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إجرام وظلم.
لقد استثمر الكيان الصهيوني كثيرا في الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية وحتى الأطراف الدولية والإقليمية لعبت على هذا الوتر لتعطيل أي حل عادل للقضية الفلسطينية رغم كل التعهدات الدولية من مفاوضات مدريد الى أوسلو وواي ريفر وكامب ديفيد 2 و3.

البيان الختامي لاجتماع القاهرة تضمّن اتّفاقا بين معظم الفصائل على إجراء الانتخابات الفلسطينية، وفق الجداول التي تضمنها مرسوم الرئيس محمود عبّاس والتعهد باحترام وقبول نتائجها، وقد أشادت حماس بنتائج حوار القاهرة، فهل يعني هذا أن الفلسطينيين تمكّنوا من طيّ صفحة الانقسام ليعيدوا ترتيب البيت على أسس من الوحدة والتوافق على رؤية وطنية تضمن استعادة الحقّ الفلسطيني المغتصب؟
 إنّ ما خلص إليه اجتماع القاهرة مهم من حيث الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية المختلفة وخاصة فتح وحماس على ضرورة تحمل المسؤولية وتبني خارطة طريق للوحدة بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية والتعهد باحترام نتائجها.
لكن ما يلاحظ أن مثل هكذا اتفاق سبق طرحه بين مختلف هذه الفصائل، لكن عند بلورته إلى خطة عملية على الأرض، تبرز الخلافات والتدخلات الإقليمية والدولية لتعيد المسار إلى نقطة الصفر، لكن الظروف التي تمر بها المنطقة وخاصة بعض الفصائل الفلسطينية يجعلها ربما هذه المرة مجبرة على تقديم تنازلات لصالح إمكانية استمرارها في لعب دور أساسي داخل فلسطين وأخص بالذكر حركة حماس وتأثرها بما يحدث في المنطقة.
لقد كانت الفصائل الفلسطينية سابقا في تنافس داخلي وصل إلى درجة الاقتتال، وهذا بتغذية من أطراف خارجية كان هدفها إضعاف الموقف الفلسطيني الموحد وخلق الأسباب والظروف لحصار الشعب الفلسطيني وإضفاء نوع من الشرعية على السياسات الصهيونية تجاه الفلسطينيين، لكن اليوم أصبح ترتيب البيت الداخلي أكثر من ضروري، ولعل تعطل جولات الحوار السابقة فشلت بسبب التدخلات الخارجية والإقليمية التي كانت تستخدم تفاعلات الداخل الفلسطيني فيما يخدم مصالحها ومواقفها الدولية على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني، اليوم وبعد الأزمات التي تشهدها العديد من الدول العربية وخاصة بعد أزمة الخليج و»صفقة القرن «، أدرك الفلسطينيون أكثر من أي وقت مضى أهمية وضع خلافاتهم واختلافاتهم جانبا ورصّ صفهم، بعدما وجدوا أنفسهم في مواجهة الكيان الصهيوني وإدارة ترامب مقابل تملص العديد من الأطراف العربية من التزاماتها، ولم تبق إلاّ بعض الدول ملتزمة بدعم الفلسطينيين وقضيتهم بعد حملات التطبيع المتسارعة والمجانية مؤخرا.

- قرّرت حركة الجهاد الاسلامي عدم المشاركة في الاستحقاقات القادمة، لأنّ سقفها اتّفاق أوسلو الذي أهدر – بحسبها- حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته، في حين تحفّظت الجبهة الشعبية على البيان الختامي، لأنّه لم يتحّلل من اتفاق أوسلو، فهل يمكن لموقف هذين الفصيلين عرقلة مسار الانتخابات؟.
 إن اتفاق أوسلو هو محور وأساس إنشاء السلطة الفلسطينية الحالية، ورغم تنصّل الكيان الصهيوني من كل التزاماته في الاتفاق، إلا أن الطرف الفلسطيني بقي متشبثا به.
  دعت الكثير من الفصائل الفلسطينية السلطة الى التراجع عن هذا الاتفاق، خاصة حركتي «الجهاد الإسلامي» و»الحركة الشعبية «و حتى «حركة حماس» في وقت سابق، بل وصل الأمر بالرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه، أن هدد بالتراجع عن اتفاق أوسلو وحل السلطة الفلسطينية بعد ما سمي بـ «صفقة القرن « و قرار إدارة ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة.
وبالتالي فهذا المطلب بقي حيا، وفي اعتقادي أن تمسك بعض الفصائل الفلسطينية به أمر إيجابي ويقوّي الموقف الفلسطيني تجاه القوى الدولية والإقليمية التي تريد الضغط من أجل تنازلات فلسطينية مجانية.
إن بقاء هذا المطلب حي يمكن أن يؤسس في مرحلة أخرى لأرضية جديدة في حال وصول الفلسطينيين ككل مرة لطريق مسدود في مواجهة السياسات الاستيطانية الصهيونية والجرائم المختلفة ضد الفلسطينيين العزّل، وكذلك رفض الكيان الصهيوني الوفاء بتعهداته المختلفة في كل الاتفاقات التي أبرمها مع الفلسطينيين برعاية دولية.

- برأيكم ما الإضافة التي تقدّمها الانتخابات العامة للفلسطينيين ولقضيتم خاصّة مع ما تتعرّض له من ضربات وتحدّيات؟
 يمكن للانتخابات الفلسطينية إذا نجحت، أن تقوّي الموقف الفلسطيني وتعطيه سندا شعبيا وشرعية داخلية وخارجية قد تسهم في فك الحصار المزدوج على الفلسطينيين سلطة وشعبا، وقد تبدّد الادعاءات المختلفة من قبل الكيان الصهيوني والدول الداعمة له في ما يتعلق بضعف السلطة الفلسطينية والتي يتحجج بها الاحتلال في كل مرة لتنفيذ عملياته الإجرامية بحق الفلسطينيين ومصادرة الأراضي. كما أن التوافق الفلسطيني الداخلي ونجاح الاستحقاقات من شأنه أن يحرج المجتمع الدولي ويجعله يتحمل مسؤولياته الأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية العادلة، ويجعل كذلك حتى الأطراف العربية لا تتحجج بالاصطفاف الأيديولوجي داخل الصف الفلسطيني الذي أضعف القضية وأثر عليها سلبا.

- نتذكّر جميعا مآل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، مطلع عام 2006، التي فازت بها حماس وما أنتجته من توتّر وصل حدّ الاقتتال، ثمّ الانقسام، فكيف السبيل إلى عدم تكرار هذه المأساة؟
 أضن أن انتخابات 2006 كانت ضمن سياق مغاير وظروف مختلفة، ففي تلك المرحلة لم يكن حال المنطقة والعالم على ما هو عليه، أما اليوم فالظروف مختلفة وتفرض تنازلات من قبل كل الفصائل والفعاليات.
 الفلسطينيون يواجهون ظرفا خاصا يجعلهم أمام مسؤولية تاريخية لحل خلافاتهم ومواجهة قضيتهم كشعب واحد لا كحركات وفصائل أمام الخذلان العربي والتملص الدولي خاصة بعد الهرولة نحو التطبيع المجاني دون أي حد أدنى من الالتزامات الأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال قضية مقدّسة لدى الشعوب والدول الصادقة مع الشعب الفلسطيني.

- مع جنوح الفلسطينيين إلى طيّ خلافاتهم وفتح صفحة جديدة تعبّد الطريق لوحدة وطنية متينة، تبقى التحديات الخارجية فارضة نفسها على القضية الفلسطينية خاصّة ما تعلّق بالقرارات المجحفة التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق .. ما تعليقكم؟
 إن وحدة الصف لأي شعب أو مدافع عن قضية حرّة هو أمر ضروري ومحوري وجدّي، وفي وضع كالذي يعيشه الشعب الفلسطيني خاصة بعد ما حدث في عهد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا بد من أن يكون الفلسطينيون في صف واحد، وأن يكون لهم صوت واحد لإعادة قضيتهم إلى محور الاهتمام الدولي والإقليمي، وكذلك لتجنب أي انتكاسة أخرى خاصة في ظل مواجهة كيان صهيوني لا يؤمن بالالتزامات والاتفاقات وفي ظل مواجهة سياسته المعروفة، منذ 1948 بتشتيت المشتت وتجزيء المجزأ وهي نفس السياسة التي يمارسها مع الدول العربية، اليوم، للأسف.

- هل تتوّقّعون بأن إدارة بايدن بإمكانها إنصاف الفلسطينيين، لتتراجع عن قرار اعتبار القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني وتسحب سفارة واشنطن من هناك؟
 التعويل عن إدارة بايدن لأنصاف الفلسطينيين خطأ كبير، فبايدن كما بقية الرؤساء الأمريكيين وإداراتهم أصدقاء وحلفاء استراتيجيين للكيان الصهيوني.
 فقط، ربما يكون هناك نوع من اللين والتهدئة قد تصل لتجميد قرار تحويل السفارة الى وقت لاحق لأن اللوبي الصهيوني لن يسمح بهذا، وكذلك الموقف الفلسطيني والعربي ليس بالقوة التي تجعل الإدارة الأمريكية تتراجع عن قراراتها وسياساتها، وبالتالي بايدن لن يمارس نفس الوقاحة السياسية التي كان عليها ترامب فيما تعلق بالقضية الفلسطينية، لكنه يمكن أن يلعب على وتر إطلاق جولة مفاوضات جدية بين قوسين وفي هكذا أمر، فإن وحدة الصف الفلسطيني ضرورية لتقوية الموقف التفاوضي للفلسطينيين.

- كيف تقيّمون قرار المحكمة الجنائية الدولية القاضي باختصاصها القضائي للتحقيق في جرائم حرب إسرائيل في غزة والضفة، منذ 1967؟
 إن الجرائم الصهيونية تجاه الفلسطينيين فريدة من نوعها في العصر الحديث وربما تذكرنا ببربرية العصور الغابرة، وللأسف كان المجتمع الدولي لعقود متواطئا معها، ولكن قرار المحكمة الجنائية الدولية جاء متأخرا بسبب الكيل بمكيالين في العشر سنوات الأخيرة تجاه بعض القضايا المشابهة في المنطقة، مما جعل مصداقية هذه المؤسسة على المحك، ولعلّ أمرا مثل هذا يمكن أن يزيد في قوّة الموقف التفاوضي للطرف الفلسطيني لاحقا.

-  كيف تنظرون الى مستقبل القضية الفلسطينية وما السبيل أمام الفلسطينيين في زمن التطبيع العربي لانتزاع حقوقهم؟
 إن مستقبل القضية الفلسطينية لا بد ان يكون بيد الفلسطينيين، وأظن أن الشعب الفلسطيني بصموده وتحدّيه لأكبر كيان مجرم في العصر الحديث، قادر على رفع التحدي وتحصيل حقوقه الكاملة بعيدا عن التجاذبات الإقليمية والمتاجرة بقضيته من أطراف عديدة.
اليوم، الفلسطينيون مدعوون أكثر من أي وقت مضى للاستلهام من تجربة الشعب الجزائري في تحصيل حقه بسواعد أبنائه خاصة بعد الخذلان العربي والإقليمي لقضيتهم إثر حملة التطبيع الأخيرة لعدة دول عربية، خاصة تلك التي كانت تتاجر بالقضية وكان حكامها يترأسون مؤسسات ولجان تدعي الاهتمام بالقضية الفلسطينية وخير مثال على هذا المغرب الذي يدّعي ملكه أنه رئيس للجنة القدس العالمية.

 كلمة أخيرة

إن كفاح الشعب الفلسطيني وصموده لعقود في وجه المحتل الصهيوني لا بد له من الانتصار يوما، ولعلّ قدر القضايا العادلة هو دائما النصر وإن مرّت بأوقات صعبة حينما يدرك أصحاب الحق ما يجب عليهم القيام به، وما هي المسؤولية الملقاة على عاتقهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024