الأستاذ بجامعة ورڤلة سليمان ناصر:

«الإنعاش الاقتصادي» مرهون بكيفية تمويل عجز الميزانية

حوار: هيام لعيون

يؤكّد الأستاذ بجامعة ورقلة سليمان ناصر، أنّ المضي نحو تجسيد خطة الإنعاش الاقتصادي، يحتاج إلى إيجاد حلول تتعلق بعجز الميزانية المتوقّع خلال السنة الجارية أن يصل إلى 21 مليار دولار، لأن المحاور الكبرى لخطة الرئيس، وإن كانت تعتمد على قطاعات أخرى بعيدا عن الريع النفطي، إلا أنّ توفر الأموال يعتبر أكبر تحدّ لتنفيذها، مشدّدا في حديث لـ «الشعب» على أنّه كلما كان التعافي الصحي العالمي أسرع، كان تنفيذ الخطة أسرع.

- الشعب: تمّ إقرار خطّة للإنعاش الاقتصادي، في رأيكم أين وصل تجسيدها على أرض الواقع؟
  الأستاذ سليمان ناصر: حتى نكون صرحاء أكثر، عندما تمّ الإعلان عن خطّة الإنعاش الاقتصادي سنة 2020، لم تكن دقيقة بما يكفي، بل كانت خطّة عامة تمتد لغاية سنة 2024، ولم تحدّد ماهية الخطة على مدار كل سنة من السنوات المتبقية، مع العلم أنه لبناء خطّة لابد من أن نحددّ لها إستراتيجية وأهداف على المدى القصير، المتوسط والطويل، وبالتالي فإنّ هناك محاور عامّة اعتمد عليها برنامج رئيس الجمهورية، مثل رقمنة الإدارة والمؤسسات العمومية، إضافة إلى الاعتماد على المؤسسات الناشئة، وتشجيعها حتى تمتصّ أكبر قدر من طاقة الشباب، فضلا عن الصّيرفة الإسلامية. وأهمّ محور في النّموذج الاقتصادي الجديد هو الابتعاد عن الاعتماد بشكل كلّي عن الرّيع النّفطي بنسبة 20 بالمائة، ورفع الصادرات خارج المحروقات إلى حدود 5 أو 6 مليار دولار، علما أنه حاليا لا تتجاوز 2 مليار في أحسن الحالات، وحتى هذا الرقم، فإنّ 75 بالمائة منه كله مشتقات نفطية، وبالتالي لابد أن تتوضّح الأمور أكثر، لذلك السؤال يبقى مطروحا، حول الخطة التفصيلية والبرنامج على المدى القصير المتوسط والطويل، وهذا حتى نحقق أهدافنا ونقيّم أنفسنا.
اليوم لا نستطيع التقييم، في ظل عدة عوامل أهمها غياب استراتيجية وأهداف محددة للسنة الأولى، والتي لم تُوضّح من قبل السلطات المعنية حتى نقول حقّقنا تقدّما أم لا، أما الأمر الآخر فهو أداء الحكومة المتفاوت باعتراف الرئيس، الذي أكد أن الحكومة «فيها وعليها»، حيث أنّ هناك وزراء أدّوا واجبهم وآخرين غير راضين عنهم، وبالتالي فإن أداء الحكومة لابد من إعادة النظر فيه.
لا نستطيع الحكم على أداء الحكومة بصفة كلية لأنّها معذورة، إذ سيكون التقييم بنسبة 70 بالمائة فقط، لأن الظروف الصحية التي خلّفها فيروس كورنا المستجد، من حجر وغلق وتوقف النقل بصفة شبه كلية، وتوقف نصف اليد العاملة أثّر بشكل كبير على آدائها، أما العامل الآخر وهو الأساسي فيتمثل في غياب الموارد المالية، فسنة 2020 شهدت انهيارا كبيرا لأسعار النفط بسبب الحجر العالمي وقلة الطلب، تصوّروا أن خام برنت وصل إلى 28 دولارا، وبترول الجزائر صحاري بلند وصل إلى 11 دولارا لأول مرة في تاريخه، معناه وصل إلى أقل من تكلفته.
أرى أنه من بين الأمور التي عطّلت برنامج الإنعاش الاقتصادي للرئيس، قلة الموارد المالية مع تهاوي أسعار النفط، في وقت يؤكد المسؤولون أن الجزائر لن تلجأ للاستدانة الخارجية بسبب الحفاظ على السيادة الوطنية، وعدم تكرار سيناريو التسعينات، والشروط القاسية التي فرضها آنذاك صندوق النقد الدولي على الجزائر، ولن تلجأ أيضا إلى التمويل غير التقليدي عن طريق طبع النقود، وبالتالي كل هذه الظروف تؤشر إلى أن برنامج الإنعاش الاقتصادي لم ينطلق انطلاقة حقيقية خلال السنة المنصرمة.
- كيف تتوقّعون المؤشّرات السنة الجارية أو خلال السداسي الأول على الأقل، في ظل بوادر أهمها ظهور لقاح الفيروس والعودة التدريجية للنقل؟
 الواقع هناك من أصبح يقرّر عالميا، هو «السيد كورونا»، فكلّما كان التعافي أسرع، كان تعافي الاقتصاد العالمي أسرع، ونحن بطبيعة الحال جزء من اقتصاد العالم، وأعطيكم مثالا فبترول الجزائر «صحراء بلند»، وهو من النوع الخفيف، يُستعمل أكثر في وقود الطائرات، وتصوّروا في وقت من الأوقات، في مارس، أفريل وماي، يعني في ذروة انتشار فيروس «كوفيد-19»، عبر العالم كانت 80 بالمائة من حركة النقل الجوي العالمي متوقفة والمطارات مغلقة، وبالتالي قلّ الطلب على بترول الجزائر.
- توقّع وزير الطاقة مؤخّرا، أن تستقرّ أسعار النفط هذه السنة في حدود 55 دولارا، هل ستكون كافية؟
 كلّما كان التعافي من الوباء أسرع، كلما كان تحسن الأسعار أسرع، وكلّما كان الانتعاش الاقتصادي أسرع، ورأيي إذا تعافى العالم من الوباء ومررنا إلى خطة أسرع في الانتعاش الاقتصادي، وحسب رأيي الشخصي فان سعر برميل البترول لن يتجاوز 60 دولارا خلال السنة.
-  ماهي الحلول التي تراها فعّالة حاليا، للمضي قدما نحو تنفيذ خطّة الإنعاش الاقتصادي؟
 أولا يجب التّنويه، بأنّ ما قيل سابقا حول الاعتماد على الفلاحة والسياحة وغيرها من القطاعات الأخرى في خطة الإنعاش، خاصة وأنّ الإنتاج الفلاحي أظهر عن قدرته الكبيرة خلال السنة الماضية، حيث أنقذ الفلاحون الجزائر خلال الأزمة الصحية، ولم نسجل تراجعا في الإنتاج، بل حافظ على مستواه بل زاد. لكن أعود وأقول، لتطوير السياحة والفلاحة أو الاعتماد على أيّ قطاع آخر، نحتاج إلى أموال، ولتنفيذ أيّ خطة لابد من أموال ومشكلتنا اليوم هي في الأموال، لذلك لابد على الحكومة أن تصارح عن مصدر جلب الأموال، لأنّ إعداد خطة نظرية لبرنامج اقتصادي يبقى تصورا نظريا، لكن الميدان يحتاج إلى المال، مع العلم أن اقتصادنا ريعي مرتبط بالبترول والغاز، حيث نعتمد كلية على اقتصاد الريع، وهو المصدر الوحيد للعملة الصعبة، خاصة وأنّنا نسجل تآكلا سريعا لاحتياطي الصرف.
- تمّ الإعلان عن قرار رفض العودة إلى الاستدانة والتمويل غير التقليدي، ماذا تقترحون لتمويل عجز الميزانية؟
 هذا هو السؤال المطروح حاليا، وننتظر إجابات من قبل الحكومة، أما عن الحلول فهي في نظري تبقى حلولا نظرية مثل الذهاب أكثر نحو سياسة شدّ الحزام، لكن بشرط أن يكون هناك توزيع عادل للأعباء التي تتطلّبها المرحلة، تقشف يمسّ الجميع وليس فئة معينة فقط، إضافة إلى استرجاع الضرائب المتراكمة التي تضاربت الأرقام حولها طيلة العقود الماضية، فهناك من يتحدث عن 6000 مليار دينار، وهناك من يتحدث عن رقم 9000 مليار دولار، وحتى إن لم نستطع تحصيل كامل المبلغ، فجزء منه سيكون كفيلا لحل جزء من الأزمة الكبيرة، لأنّ العجز المتوقّع في موازنة الدولة خلال السنة الجارية، سيصل إلى حدود 2784 مليار دينار، ما يعادل 21 مليار دولار، يعني لو حصلنا الضرائب المتأخرة ولو جزء منها فقط، أي حوالي 2000 مليار دينار أو 3000 مليار دينار، نستطيع حلّ مشكل كبير، إذا هناك حلولا صعبة وليست سهلة وتتطلب مجهودا ووقتا، وإلاّ سنلجأ إلى الاستدانة الخارجية، ليس إلى صندوق النقد الدولي، بل إلى مؤسّسات مالية أخرى افريقية، مثل البنك الإسلامي للتنمية ولو بمبالغ بسيطة التي بكل تأكيد لن تحلّ الأزمة والعجز.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024