أستاذ العلوم السياسية، محمّد عمرون لـ«الشعب»:

قدرات الجزائر العسكرية والدبلوماسية كفيلة بتحجيم التهديدات المحيطة

حوار: إيمان كافي

 

 

 

المغرب تحوّل إلى دولة وظيفية لفائدة أطراف خارجية وعامل لا استقرار في المنطقة

 موقف الجزائر من القضية الصحراوية منسجم مع القرارات الأممية

 الاحتلال قد يسعى لربط البوليساريو بالإرهاب حتى يخرجها من دائرة الحركات التحرّرية

توقف أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو، محمد عمرون، في حوار مع «الشعب»، عند كتلة التهديدات الموّزعة على طول حدود الجزائر، بداية بالأزمتين اللّيبية والمالية، والتصعيد العسكري في الصحراء الغربية المحتلة، إضافة إلى تنامي خطر التنظيمات الإرهابية ومجموعات الجريمة المنظمة في الساحل والصحراء، وتزايَد التواجد الأجنبي العسكري في المنطقة، بكل ما يعنيه ذلك من حضور قوّي للاستخبارات الأجنبية وتصارع استراتيجيات هذه القوى لترتيب الإقليم، بحسب مصالحها.

وبالرغم من أن تأمين الحدود وتطويق هذه الأزمات يشكل عبئا دبلوماسيا وعسكريا ثقيلا على الجزائر، لكن الأستاذ عمرون يعتقد أنّ القدرات الجزائرية البشرية والمادية بكل محدداتها الجغرافية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية كفيلة بإسقاط وتحجيم تأثير هذه التهديدات على أمنها القومي، بل وتحويل كل هذه التهديدات إلى فرص حقيقية تستفيد منها.

- «الشعب»: هل يمكن القول إن الجزائر أصبحت محاطة بطوق ناري وأن جوارها مصدر تهديد أمني؟

 الأستاذ محمد عمرون: من الواضح أننا أمام تهديدات متنوعة ومتعددة، فالجزائر من بين الدول القليلة التي تتقاطع فيها تهديدات أمنية تماثلية بأخرى غير تماثلية، وباتت كل حدودنا مواجِهة لتهديد معيّن، فعلى الحدود الغربية لازال نزاع الصحراء الغربية بين المغرب والبوليساريو دون حل لأزيد من 40 سنة.
أما جنوبا وشرقا فالأزمتان اللّيبية والمالية بتعقيداتهما تلامس بشكل مباشر المجال الحيوي للجزائر، بالإضافة إلى تنامي الإرهاب والجريمة المنظمة بكل أنواعها من تجارة للمخدرات والسلاح وتجارة البشر، وهشاشة كثير من الدول المحيطة بنا جنوبا، والأخطر من ذلك فإن هذه التهديدات المختلفة باتت متحالفة ومتشابكة مع بعضها البعض، فلا يمكن فصل الأزمة اللّيبية عن ظاهرة انتشار السلاح في المنطقة، ولا الأزمة المالية عن تفشي وتنامي الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء، كما أن الجريمة المنظمة شكلت تحالفا مع الجماعات الإرهابية التي تؤمّن لها المال مقابل الأمان، ومع كل هذا، تزايَد التواجد الأجنبي العسكري في المنطقة، بكل ما يعنيه ذلك من حضور قوي للاستخبارات الأجنبية وتصارع استراتيجيات هذه القوى لترتيب الإقليم، بحسب مصالحها، وبالتالي فإن كتلة التهديدات الموزّعة على طول حدودنا تنسكب مباشرة في الإقليم الجزائري، ما يجعل من تأمين الحدود وتطويق الأزمات أمرا حتميا لدولة بحجم الجزائر «القارة»، وهو ما يشكل عبئا دبلوماسيا وعسكريا ثقيلا على الجزائر، ويجعل من تعزيز الأمن القومي أولوية قصوى لصانع القرار الجزائري.

المغرب يسعى لاستفزاز الجزائر بالقواعد العسكرية الأجنبية

- ما يجري في جوارنا الغربي الجنوبي لا يبدو صدفة، فتفجّر الوضع في الصحراء الغربية منتصف نوفمبر، ثم إعلان المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل في نفس وقت إعلان ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية، وقبل ذلك تسابق بعض الدول لفتح قنصليات في الإقليم المحتل، يدفع إلى الاعتقاد بأن أمرا خطيرا قد يكون بصدد التحضير، فما هذا الأمر في رأيكم؟

واضح أن انتهاك المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار باعتدائه على متظاهرين مدنيين صحراويين في معبر القرقرات لم يكن سوى خطوة تصعيدية أولى بنى عليها إستراتيجيته المستقبلية، فهو يحاول الاستفادة القصوى من أيام «ترامب» المعدودة في البيت الأبيض، حيث عَقَد صفقة خسيسة لا تختلف عن تلك التي عقدها، سنة 1975، مع إسبانيا فيما يعرف باتفاقية مدريد، فمقابل تطبيع كامل مع الكيان الصهيوني، اعترف «ترامب» بسيادة المغرب المزعومة على الصحراء الغربية، وفتح بعض الدول قنصليات لها في مدن صحراوية محتلة.
إن الخطوات اللاحقة، التي سيسعى المغرب لتحقيقها تنطلق من العمل على ربط جبهة البوليساريو بالإرهاب، ليخرجها من دائرة الحركات التحررية، وهي خطوة سعى إليها سابقا، خصوصا عندما قطع علاقاته مع إيران متهما إياها وحزب الله اللبناني بتمويل جبهة البوليساريو، وهو بذلك من جهة يريد التقرب أكثر من الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني اللذان يعتبران إيران عدوهما الأول في الشرق الأوسط.
 ومن جهة أخرى، هي محاولة منه لتوريط الجزائر وجعلها في مواجهة دبلوماسية مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ثم إن السلوك المغربي سيستمر في استفزاز الدولة الجزائرية للحد الأقصى من خلال توطيده للتعاون الاستخباراتي والتواجد العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وهي قضايا يدرك النظام المغربي مدى حساسيتها بالنسبة للطرف الجزائري الرافض لتواجد القواعد العسكرية على حدوده.

- مخاوف مشروعة في الجزائر لاعتقادها أنّها مستهدفة بكل ما يجري في المنطقة من تصعيد، فهل فعلا الجزائر مستهدفة، وإذا كان الحال كذلك فلماذا؟
 تاريخيا، الجزائر كانت دائما عرضة للاستهداف، ولطالما وجدت نفسها في مواجهة العديد من الأطماع الخارجية والقوى المعادية التي تحاول النيل من سيادتها، فالساحل الجزائري يشهد على عشرات الحملات الغربية ضد الجزائر، والاستعمار الفرنسي والاعتداء المغربي على الجزائر في حرب الرمال، سنة 1993 وتورط دول في تمويل الإرهاب بالجزائر، كلها تؤكد أننا كنا ولازلنا ضمن دوائر الاستهداف.
اليوم، أعتقد أن ما يحدث في المنطقة هو محاولة فرض أمر واقع على الجزائر ومعاقبتها على موقفها من التطبيع» مع إسرائيل، وهوالموقف الذي كان الأكثر حزما ووضوحا عربيا.
 وهنا يجب الإشارة الى أن المواقف الجزائرية الثابتة حيال القضية الفلسطينية والأزمتين الليبية واليمنية شكّلت عقبة في تنفيذ مشاريع بعض الدول في المنطقة، لذلك تم استخدام الملف الصحراوي كأحد أساليب الضغط والمساومة على الجزائر، والهدف طبعا هو دفعها للتراجع أو التغيّر عن هذه المواقف، أوفي أقل الأحوال الانكفاء على نفسها وتحجيم دورها.

- برأيكم هل الجزائر قادرة وجاهزة لمواجهة التحدّيات الأمنية التي تتربّص بها؟

لطالما أثبت الجزائريون صلابة وقوة كبيرتين في مواجهة كل التهديدات والتحديات التي تواجههم، اليوم، حتى وإن كانت الأوضاع معقدة ومتأزمة على كامل جبهاتنا الحدودية، كما سبق ذكره، فإن القدرات الجزائرية البشرية والمادية بكل محدداتها الجغرافية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية كفيلة بإسقاط وتحجيم تأثير هذه التهديدات على أمننا القومي، لكن تبقى الجاهزية مرتبطة بثلاث نقاط أساسية: الأولى ضرورة اليقظة المستمرة والدائمة للجيش الشعبي الوطني، من أجل تأمين الحدود الوطنية، وإحباط كل محاولات ضرب استقرار البلد، الثانية مرتبطة بتنشيط الدبلوماسية الجزائرية والعمل المتعدد الأطراف سواء بين الدول أو مع المنظمات الإقليمية والعالمية، وفي هذا الإطار يتعين على الدبلوماسية الجزائرية أن تصوغ تصورا جديدا يحافظ على المبادئ الصلبة للدبلوماسية الجزائرية ويتكيف مع الواقع الجديد، بما يحفظ المصالح الحيوية والإستراتيجية للجزائر.
النقطة الثالثة مرتبطة بتعزيز التماسك والانسجام المجتمعي، فأي تهديد مهما كان ذو إنذار عال فإنه يتحطم أمام الجبهة الاجتماعية الصلبة، وعكسه صحيح، فالجبهة الاجتماعية الهشة تخترقها تهديدات بدرجة متدنية، والشعب الجزائري أثبت لعديد المرات أنه لحمة يصعب اختراقها، بل إن التجارب السابقة أثبتت أن اللحمة الوطنية تتعزز أثناء الأزمات والتهديدات، لذا، فهذا العامل عنصر داعم للنقطتين السابقتين فالمؤسسة العسكرية والدبلوماسية الجزائرية بحاجة إلى سند شعبي قوي يعزز تواجدهما ويفعّل أدوارهما.
- لم تدّخر الجزائر جهدا ولا فرصة لتطويق المعضلة الليبية، ونفس الشيء فعلته لمساعدة دولة مالي على تجاوز أزماتها السياسية والأمنية. ماذا عن القضية الصحراوية؟

 لقد عُرفت الجزائر بدولة «الوساطات الناجحة»، فمن أزمة الرهائن الأمريكية، مرورا بالوساطة بين إيران والعراق ثم بين إثيوبيا وإريتيريا، فاتفاق السلام في مالي، كلها أدوار تؤكد الفعالية والمصداقية التي تتمتع بهما الدبلوماسية الجزائرية، وقد فعلت الجزائر الأمر نفسه في الأزمة الليبية، فبالإضافة إلى مواقفها الواضحة المتعلقة بأولوية التسوية السياسية بين الليبيين بعيدا عن التدخلات الأجنبية والإستقطابات الإقليمية، حاولت اختراق الجمود الحاصل في هذا الملف، من خلال مبادرة دول الجوار الليبي، واستقبال جميع أطراف الأزمة الليبية دون إقصاء، وإبداء استعدادها الدائم لاحتضان أي اجتماع لحوار الليبيين على أرضها، مع حرصها على الحضور في أي لقاء إقليمي أو دولي يعالج الأزمة الليبية، كان آخره اجتماع برلين في بداية 2019، وهي أدوار حتى وإن لم تستطع اختراق الأزمة إلا أن أحد أهم نتائجها هو إبقاء الجزائر على صلة بأي حل ليبي مرتقب، إما كوسيط أو مشارك في هذا الحل.
بالنسبة لنزاع الصحراء الغربية، منذ بدايته، حرصت الجزائر -باعتبارها دولة ملاحظة رفقة موريتانيا- على الاستناد على القانون الدولي في معالجته، فكان موقف الجزائر منسجم مع الشرعية الدولية والقرارات الأممية، وتحمّلت به الجزائر مسؤولية سياسية وأخلاقية وقانونية اتجاه مئات الآلاف من اللاجئين الصحراويين، وهو عبء مرهق حتى على الدول كبرى، وما أزمة اللاجئين السوريين في أوروبا إلا دليل على ذلك، وبالتالي فإن أي محاولة لتحريف أو تغيير الطابع القانوني للنزاع أو محاولة تجاوز الشرعية الدولية بمنع الشعب الصحراوي من تقرير مصيره، ستكون الجزائر رافضة ومقاومة له، أكثر من هذا، فإن تمسك الجزائر بهذا المبدأ المرتبط بحق الشعوب في تقرير مصيرها هو ليس دفاعا عن الشعب الصحراوي فقط، وإنما هو دفاع عن مبادئ القانون الدولي التي يجب أن تسمو على الحسابات الضيقة للدول أو النزوات الشخصية لقادة منتهيي الصلاحية.

- برأيكم لماذا يعقد المغرب صفقة لشراء سلاح أمريكي بقيمة تتجاوز مليار دولار، مع أن أوضاعه الاقتصادية صعبة، فقبل أسابيع أقرضه البنك الدولي 400 مليون دولار؟

 بالفعل، فبالرغم الاقتراض المتكرر والمستمر للمغرب من البنك الدولي وارتفاع حجم مديونيته الخارجية لمستويات غير مسبوقة، لازال هذا الأخير مصرا على سباق التسلح مع الجزائر، فليست المرة الأولى التي يحاول فيها النظام المغربي مجاراة الجزائر في مجال القوة العسكرية، ولطالما سعى لخلق نوع من توازن القوة في المنطقة، مع التفوق الجزائري، ولذلك هو يسوّق دائما لفكرة أن الجزائر «عدو»، علّه يحظى بدعم من حلفائه التقليديين من جهة،ومن أجل التبرير الداخلي، هذا الداخل الذي يطالب بالتنمية بدل التسلح في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة في هذا البلد.
والحقيقة التي يريد النظام المغربي تغييبها هي أن الجزائر كقوة إقليمية في المنطقة، واقع جغرافيتها الشاسعة ومختلف التهديدات الكبيرة التي تواجهها يبرر بقوة حجم التسلح الجزائري، ثم إن صفقات السلاح المغربية غالبا ما تكون مدعومة ماليا من قوى إقليمية ودولية نظير خدمات قدمها ويقدمها لها النظام المغربي، فإعلان عزم المغرب شراء أسلحة أمريكية بقيمة مليار دولار تدخل ضمن مخرجات عملية التطبيع الأخيرة، وهو ما يؤكد مرة أخرى أن النظام المغربي لم يتحوّل إلى دولة وظيفية لفائدة أطراف خارجية فقط، وإنما أصبح عامل لا استقرار في المنطقة.

- كيف تتوقّعون تطوّر الأوضاع في الجوار، خاصّة ما تعلّق بالقضية الصحراوية، هل قضى إعلان ترامب على حظوظ حلّها بشكل عادل، أم أن القرار الأمريكي الأحادي سيرحل مع الرئيس المودّع؟

 إن التطوّرات الأخيرة في القضية الصحراوية أكدت للصحراويين بأن انتهاك المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار في 13 نوفمبر الماضي، كان ضمن مسار محاولة تصفية القضية وتجاوز الحق المشروع للصحراويين الذين وعدوا به، منذ اتفاق وقف اطلاق النار مع المغرب، سنة 1991، وبالتالي فإن قرار جبهة البوليساريو العودة للكفاح المسلح أسقط هذه المحاولة، كما أن إعلان الرئيس المنتهية ولايته «ترامب» اعترافه بمغربية الصحراء، لا يعدو إلا أن يكون بنفس قيمة اعترافه بالقدس والجولان لإسرائيل، وردود الفعل الدولية المنددة والرافضة لهذا القرار، جعلت الإدارة الأمريكية معزولة حتى مع أقرب حلفائها، وهذا ما ظهر جليا في اجتماع مجلس الأمن الأخير حول الصحراء الغربية، ثم إن الانتقادات الكبيرة الصادرة من شخصيات أمريكية وازنة عملت لسنوات في هذا الملف مثل «جيمس بيكر» و»جون بولتون» و»كريستوفر روس»، إضافة إلى أعضاء الكونغرس الأمريكي، كلها تؤكد أن القرار «الصفقة» مضر بصورة الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى من المفترض أنها تعمل وفق الشرعية الدولية وتعزيز القانون الدولي وليس تجاوزه.
وحتى وإن كنا نعتقد بأن الشعب الصحراوي هو الوحيد الذي يملك قرار مصيره، ولا يمكن لأي دولة ولو كانت بحجم الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون بديلا عنه، فإننا نعتقد أيضا أن «إدارة جو بايدن» الجديدة ستعمل سريعا على محو الآثار السيئة التي خلفها ترامب على المستوى الخارجي سواء بالعودة إلى اتفاقية المناخ واتفاق إيران النووي، مرورا إلى إعادتها لنوع من التوازن في مواقفها من القضيتين الفلسطينية والصحراوية.

- كلمة أخيرة..

مع اعترافنا بصعوبة الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة على عديد المستويات، فإن الجزائر لها من الإمكانيات والقدرات من تحويل كل هذه التهديدات إلى فرص حقيقية نستفيد منها، فقد استطاعت الجزائر أن تتحوّل إلى قوة تحررية مشهود لها عالميا من الظاهرة الاستعمارية، وأن تصبح مرجعا دوليا لمكافحة الإرهاب، بعدما كان الإرهاب مصدر تهديد حقيقي للأمن القومي الجزائري، لذا فإن هذه الأزمات المتتالية على الحدود ودائرة المخاطر العالية المحيطة بنا بقدر ما هي منهكة للقدرات الوطنية بقدر ما هي فرصة لتقوية المناعة الداخلية وتطوير القدرات الذاتية وتعزيز المكانة الدولية للجزائر.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024