المقايضة بالمواد الزراعية والتمور مقابل الموز والمانغا
استيراد المواد الخام يخفض تكلفة المنتجات بالجزائر
يرى الأستاذ سليمان ناصر، أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة، أن دخول الجزائر منطقة التجارة الإفريقية الحرة، مطلع جانفي الداخل، من شأنه أن يحافظ على احتياطي الصرف من العملة الصّعبة، الذي هو في تآكل حاليا، وأن تتعدى التجارة البينية بين دول القارة السمراء 50٪، في وقت لا تتجاوز حاليا 16٪، مشيرا إلى انخفاض تكلفة بعض المنتجات الخام أو المواد الزراعية، التي كانت الجزائر تستوردها من آسيا أو الصين في السوق الوطنية، وبالتالي تنعكس إيجابيا على قدرة المواطن الشرائية.
«الشعب»: أياما قليلة تفصلنا عن تفعيل منطقة التجارة الحرة الإفريقية مطلع جانفي 2021، في وقت طال الحديث عن منطقة التبادل الحر مع الأوروبيين. في رأيكم لماذا إفريقيا وليست أوروبا؟
الأستاذ ناصر سليمان: انضمام الجزائر إلى السوق الإفريقية مُفضّل بالنسبة للاقتصاد الجزائري بكثير، على الانضمام للتجارة الحرة في السوق الأوروبية التي من المفروض أن تدخل حيز التطبيق منذ سنة 2017 ثم تأجلت الى سنة 2020.
وهاهي تؤجل كذلك هذه المرّة، لأننا وجدنا أنفسنا غير مستعدين، في عدة مجالات، في القوانين، في الهياكل، في قوّة الاقتصاد وغيرها... وتكاد السنة تنقضي ونحن لانزال غير مستعدين للأمر وطلبنا التأجيل من جديد، ولا يزال ملف منطقة التجارة الحرة الأوروبية ملفا شائكا ورهن سياسات متعاقبة بين الطرفين الجزائري والأوروبي، لأن الفرق بيننا وبين دول الإتّحاد الأوروبي كبير جدا، شئنا أم أبينا. فلو يتم رفع الحواجز الجمركية، يصبح تدفق السلع الأوروبية أكثر بكثير من تدفق السلع الجزائرية بالنسبة للسوق الأوروبية، مثل صب الماء من مكان مرتفع إلى مكان منخفض.
بينما الحال لا ينطبق مع الدول الإفريقية، فاقتصادياتها تتفاوت من دولة الى دولة، مابين متخلفة ونامية وأغلبها لا يختلفون كثيرا عن المستوى الاقتصادي للجزائر، وهي نقطة مهمة جدا تمكننا من التعامل مع السوق الإفريقية بأريحية، ضف الى أننا أقرب الى الفضاء الإفريقي من الأوروبي وعلينا استغلال الأمر. لماذا نترك المجال مفتوحا أمام قوى اقتصادية أخرى تأتي من بعيد وتحاول ان تستثمر في المجال الإفريقي الخصب جدا، رغم أنها لا تنتمي إلى المجال مثل الصّين، أو ما بات يعرف بطريق الحرير، وتركيا التي تريد ان تستغل هذا السوق.
فالرئيس طيب رجب أردوغان وفي آخر زيارة قادته الى الجزائر، انطلق بعدها الى دول إفريقية من اجل بناء علاقات اقتصادية تمكّن بلده من ولوج السوق هناك، وحتى العدو الصّهيوني له أطماع توسعية في القارة السوداء، في جنوب السودان مثلا.
لذلك، وجب علينا أن نستغلّ الفضاء الإفريقي، فنحن أولى به من غيرنا.، فسوق التجارة البينية الإفريقية لو تم استغلالها ستشكل سوقا قاريا بقيمة 3 تريليونات دولار، ما يعادل 3000 مليار دولار، دون أي قيود او رسوم على الحدود، وهو مبلغ ضخم. فيما أن التجارة البينية حاليا مابين الدول الإفريقية ضعيفة جدا لا تتجاوز 16٪، لذلك فإن قادة دول الاتحاد الإفريقي يطمحون، من خلال إنشاء منطقة التجارة الحرة الأفريقية، الى رفع التجارة البينية الى أكثر 50٪.
- بدخول الجزائر منطقة التجارة الإفريقية، ماذا ستستفيد السوق الجزائرية؟
بدخول وبداية تفعيل منطقة التبادل الإفريقية الحرّة، العام المقبل ، فإن السوق الجزائرية ستستفيد من المواد الخام أو المواد الطبيعية والزراعية، لأن الكثير من الدول الإفريقية لم تصبح بعد دولا مصنعة، بصورة عامة دون تخصيص، لأن هناك دول لها صناعة متطورة مثل جنوب إفريقيا ومصر اثيوبيا ورواندا وغيرها... لكن الغالبية العظمى، أي حتى 70٪ منها سنعتمد عليها في توفير المادة الخام التي كنا في السابق نستوردها من أماكن بعيدة. أما الجزء الباقي، أي 30٪، ممكن نعتمد على سلع مصنعة او منتجات تامة الصنع بالنسبة للدول الإفريقية المتطورة صناعيا، فيما ستتوفر فاكهة المانغا التي تحتاج رطوبة وحرارة عالية في السوق الجزائرية مستقبلا، عوض استقدامها من دول جنوب شرق آسيا لتشابه المناخ، حيث نستطيع جلبها من مالي، حيث يتم زراعتها بصفة كبيرة.
ونستطيع جلب مثل تلك المواد الزراعية عن طريق المقايضة أيضا، أولا نستفيد من المواد الخام والمنتجات الزراعية. والأمر الثاني دون صرف العملة الصعبة، في وقت تعاني الجزائر حاليا من تآكل احتياطي الصرف، مثلا نقايض التمور بالمانغا أو الموز أو الفواكه الإستوائية، اي نعمل بمنطق رابح رابح وليس بمنطق رابح خاسر، كما سيكون الحال لو دخلنا إلى منطقة التجارة الأوروبية الحرة بنفس المعطيات الحالية أو السابقة، وهذا بدون استهلاك دولار واحد من العملة الأجنبية في إطار فكرة المقايضة.
- ما هي سلبيات الدخول إلى المنطقة الحرة الإفريقية؟
لا أرى سلبيات كثيرة، فقط لابد من حسن اختيار بعض الدول التي سنتعامل معها، لأن الاتفاقية لا تجبرك على التعامل مع كل الدول، إنما التعامل يكون مع الدول التي أمضت على الاتفاقية. مثلا، لو نتعامل مع دولة لها نظام مصرفي متخلف، يجد رجال أعمالنا عوائق وصعوبات في التعامل مع البنوك هناك، ما يجبرهم على التخلي عن تصدير منتجاتنا إلى تلك الدول. ومهما كان النظام المصرفي الجزائري، فهناك دول أضعف منّا، لذلك فإن انضمامنا لهذه الاتفاقية يلزمنا اختيار التعامل مع دول معينة.
كما أن هناك نية صادقة من الحكومة، عندما أعلن وزير المالية خلال الأيام الماضية عن فتح فروع لبنوك عمومية في إفريقيا خلال سنة 2021، حيث تشجع هذه الخطوة أكثر، وتحلّ مشكل التبادل التجاري في شقه المالي، يعني التحويلات المالية.
- كيف ستُنعش منطقة التبادل التجاري الحر اقتصاد البلاد؟
نستورد المواد الخام والمواد الزراعية التي كنا نستوردها من دول أخرى بعيدة من الصين، وربح آلاف الكيلومترات التي نقطعها في البحر مع ارتفاع التكلفة مع احتساب الضرائب والرسوم الجمركية وغيرها من الصعوبات، التي ترفع تكلفتها في السوق الوطنية، ما ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطن، بينما أنّ نزع الحواجز الجمركية في إفريقيا، سيجعل الكثير من المواد المستوردة من قبل رجال الأعمال لا تخضع للضرائب الجمركية أو المنخفضة، وبالتالي تنعكس على تكلفتها وفي النهاية هي في صالح المواطن.