الجمهورية الصحراوية عضو في الاتحاد الافريقي وعليه معالجة قضيتها
تتوقّف «الشعب» في حوارها مع السيد فؤاد جدو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر ببسكرة عند التطوّرات الخطيرة التي تشهدها القضية الصحراوية، في محاولة للإحاطة بأبعاد وتداعيات الصفقة التي عقدها الثلاثي ترامب ومحمد السادس ونتنياهو للإجهاز على الحق الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال.
وبعد أن أكّد عدم شرعية الاعتراف الأمريكي بمغربة الصحراء الغربية، وعبثية التطبيع مع الكيان الصهيوني أعرب الأستاذ جدو عن قلقه ومخاوفه من تأثير هذه المستجدّات على الجزائر، قائلا «حدودنا الغربية تعتبر عمقا استراتيجيا للأمن الوطني وهي اليوم في خطر»، وشدّد على إلزامية تدخّل الاتحاد الإفريقي لإعادة القضية الصحراوية إلى مسار الحلّ الصحيح لكونها قضية تصفية استعار.
- الشعب: أين موقع الاتحاد الأفريقي من التطورات التي تعرفها القضية الصحراوية والأخطار التي تستهدفها خاصة بعد إعلان القمة القارية الاستثنائية ال 14 المنعقدة الأسبوع الماضي عودة هذه القضية إلى الحاضنة الإفريقية؟
الأستاذ فؤاد جدو: بالنسبة للقضية الصحراوية فهي تعتبر قضية تصفية استعمار بالمقام الأول، غير أن التحولات التي جاءت مع نهاية القرن الماضي ودخول الطرف المغربي في عهد الملك الحسن الثاني في مرحلة جديدة لمعالجة هذه المسألة وفق المفاوضات على أساس مبدأ تقرير المصير، نقل القضية إلى مساق آخر وهو البعد الأممي ولا يزال إلى يومنا هذا، لكن ما يحدث في الوقت الراهن جعل القضية الصحراوية تعرف تحولات من حيث نوعية اللاعبين الجدد في المنطقة، ونتحدث هنا عن التدخل الإماراتي في القضايا المغاربية، الأمر الذي يعني أن طرح القضية الصحراوية في الاتحاد الإفريقي بات إلزاميا لسببين أساسيين وهما: أولا اعتبار الجمهورية الصحراوية عضوا مؤسسا للاتحاد، وبالتالي أولوية معالجة المشاكل الإفريقية ضمن المنتظم القاري، وثانيا استغلال عودة المغرب للاتحاد والتزامه بالمبادئ والأسس التي تأسس عليها ممّا يجعله يتفاعل مع الطرف الصحراوي من خلال الهياكل الموجودة في الاتحاد الإفريقي كمجلس الأمن والسلم، وبهذا يمكن القول أن الاتحاد الافريقي مجبر على التعامل مع القضية الصحراوية وفق هذين النقطتين لتحريكها، ودفعها نحو الحل بعيدا عن القراءات التي جاء بها ترامب حاليا.
- هل للمنتظم الافريقي آلية لإجهاض تآمر ترامب والمغرب على القضية الصحراوية؟
بالنسبة للاتحاد الافريقي فهو يتعامل مع القضية الصحراوية بشكل كلي على أنها قضية تصفية استعمار، إلا أننا نجد أيضا دولا إفريقية تقف إلى صف المغرب وتؤيد المقاربة التي يطرحها، خاصة دول غرب إفريقيا كالسينغال مثلا ولكن عددها قليل مقارنة بالسياق العام
للاتحاد القاري والمواقف الثابتة للدول المساندة لحق الشعوب في تقرير مصيرها كالجزائر وجنوب افريقيا ونيجيريا، وبالتالي الآلية حسب رأيي تبقي الدفع بالطرفين عبر مجلس الأمن والسلم الافريقي للحوار بين جبهة البوليساريو والمغرب، دون ذلك لا توجد آليات رادعة ما عدا فرض عقوبات أو تجميد عضوية المغرب في الاتحاد نتيجة لانتهاكاته ضد حقوق الصحراويين والشرعية الدولية.
- ما هي انعكاسات التطورات الخطيرة التي تشهدها القضية الصحراوية على الجزائر؟ وهل من دور تلعبه هذه الأخيرة لإعادة النزاع الصحراوي المغربي إلى مسار الحل الصحيح، أي المفاوضات بهدف تقرير المصير؟
الجزائر جار للدولتين المغرب والصحراء الغربية، وطبعا أي حدث أو تطورات في العلاقات البينية سيؤثر عليها خاصة في الجانب الأمني لأن حدودنا الغربية تعتبر عمقا استراتيجيا للأمن الوطني أو ما يعرف بالحدود الآمنة، ومن مبادئ الجزائر ومصلحة الشعوب أن تتمتع المنطقة بالاستقرار وعدم الدخول في متاهات تعود على الجميع بنتائج كارثية، وهذا لا يتعارض مع موقف الجزائر الثابت في دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وخاصة الشعب الصحراوي، كما أن تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني سيؤدي طبعا إلى تشابك المصالح خاصة مع موقف الجزائر الثابت اتجاه القضية الفلسطينية، وبالتالي يمكن القول بأن عودة الأطراف إلى طاولة الحوار يعتبر خيارا عقلانيا مع إبقاء الكفاح المسلح كباب للقضية الصحراوية، لأن التحالفات مع الأطراف الدولية على حساب شعوب المنطقة يكلف الكثير.
- حل القضية الصحراوية حلا عادلا يضع المنطقة أمام تحديات أمنية صعبة، ما قولكم؟
قد يعتبر الكثير أن القضية الصحراوية قضية هامشية أو لا تهم لكنها في الأساس قضية أساسية وجوهرية في المنطقة ككل وللجزائر خاصة،فعدم حلها ينعكس سلبا أولا على الشعب الصحراوي سواء في الأراضي المحررة أو الذي يعيش في الأراضي المحتلة ، لأن الأمر سيدفع إلى استمرار الحرب بين المغرب وجبهة البوليساريو في إطار الكفاح المسلح ممّا يكلف الكثير من الأرواح، وهي خطوة يمكن تجنبها من خلال تحقيق استفتاء تقرير المصير هذا من جانب، ومن جانب آخر استمرار المعاناة الإنسانية في مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف في ظل استمرار استنزاف ثروات الشعب الصحراوي من طرف المحتل المغربي يعد انتهاكا لحقوق الانسان داخل الأراضي المحتلة، هذا إلى جانب تعطيل مسارات التنمية في المنطقة التي من المفروض أن تبني قواعد للتعاون والأمن للأسف تتحول بسبب انتهاك الحق الصحراوي إلى مجال للحرب، فالأمر معقد جدا وليس سهلا، فهو مصير شعب وأرض.
التطبيع سيزيد التّفرقة بين الدول العربية
- لاشك أن القضيتين الصّحراوية والفلسطينية ستعانيان الكثير من مسار التطبيع الذي تنهجه دول عربية، ما تعليقكم؟
أعتقد أن التطبيع أصبح العملة التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مع الدول العربية من أجل تمرير صفقات على حساب الشعوب والتطبيع إن كان يتم بشكل ثنائي بين إسرائيل وبعض الدول العربية، فإنه لن يغير من قانونية القضايا وعدالتها أمام الشعوب والمنظمات الدولية وغير الحكومية، وبالتالي إعادة هندسة العلاقات العربية والإسرائيلية لمرحلة ما بعد التطبيع سيغير من مشهد طبيعة التعاملات ويزيد التفرقة بين الدول العربية.
- الصّحراويون وأمام وعد بلفور الجديد مصمّمون على الخيار العسكري أكثر من أي وقت مضى، فكيف تتصوّرون مستقبل الحرب التي تجدّدت قبل شهر؟
ما قدّمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمغرب هو بمثابة وعد بلفور آخر فعلا لأنه قدّم ما لا يملك لمن لا يمتلك، الرئيس الأمريكي قدّم قرارا يعترف فيه بالجولان السوري كجزء من الكيان الصهيوني، وقدم أيضا اعترافا بالقدس كعاصمة لإسرائيل وغيرها من الاعترافات التي يقدّمها للمحتل على حساب شعوب المنطقة وخاصة التي تناضل من أجل تحقيق استقلالها، وبالتالي هذا القرار سيجعل من الطرف الصحراوي أمام موقف قوة لأنه أثبت مرة أخرى أن ما اعترف به الطرف الأمريكي كان مقابل التطبيع مع الطرف الإسرائيلي وبالتالي انتهاك للشعب الصحراوي والفلسطيني، رغم ذلك فهذا القرار لن يغير من الموقف القانوني والشعبي للقضية الصحراوية بأي حال من الأحوال، ويبقي الكفاح المسلح خيارا لا مفر منه إن بقي الوضع على ما هو عليه بالنسبة للصحراويين.
- كلمة أخيرة.
في الأخير يجب أن نؤكّد دائما على أن التحولات السريعة نحو التطبيع لا يمكن أن تكون على حساب قضايا مصيرية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال المراهنة على قوى استعمارية كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي تثبت في كل مرة أن ما يهمها مصلحتها في المقام الأول ولو على حساب مبادئها، لهذا يتوجب استحكام العقل وإعادة توظيف القدرات الموجودة لإعادة هندسة العلاقات الدولية وفق المتغيرات الحالية.