قانون الأحزاب والانتخابات سيكون امتحانا صعبا
أرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة المسيلة محمد بوضياف، فشل أحزاب التحالف الرئاسي السابق في لملمة نفسها، إلى استمرار الفساد بداخلها رغم محاولات التجديد والتطبيع مع الحراك.
وربط بوضياف في حوار مع «الشعب»، عجز هذه الأحزاب عن التعبئة لصالح مشروع تعديل الدستور، بتورط قادتها وإطاراتها في الفساد المالي والسياسي إلى حد كبير، حيث أسسوا لعمل حزبي مشوّه أبعد كل قيمة نضالية وصار ميدانا يتنافس فيه المتطلعون بغير حق لقيادة الشأن العام واستغلاله لمبتغيات شخصية وزبائنية.
- «الشعب»: تعليقكم أولا على نتائج الاستفتاء الخاصة بمشروع تعديل الدستور، والتي زكى خلالها الشعب المشروع الذي يجسد أهم الوعود، التي قدمها الرئيس تبون في حملته الانتخابية؟
محمد بوضياف: الذين قرّروا المشاركة سواء بـ»نعم» أو بـ»لا»، كانوا يدركون أن فشل هذه الجولة ستزيد من عمق الأزمة السياسية، وتعرض البلاد إلى مزيد من الإرباك في سياقات أمنية، هي أقرب للحرب وتهديدات باتت واضحة وملموسة تتعلق بالأمن القومي للبلد.
كما أن التيار الداعي لإسقاط المشروع عزز التعددية في البلاد وأثبت أن الجزائر في وضع صحي وتعيش برئتين وتتنافس فيها المكونات السياسية بكل حرية.
وفي إطار تجربة جديدة تمت ترقية الهيئة المنظمة والمراقبة للانتخابات إلى رتبة سلطة مستقلة استطاعت أن تدير التنافس بكل جدارة، رغم حداثة تأسيسها، من حيث النتائج فقد فاز أنصار المشروع لأسباب موضوعية أولها أن الشعب بات يخاف من المغامرات غير المحسوبة التي تطرحها بعض التنظيمات التي تحمل برامج لم تختبر، ولم يسبق لها أن أدارت الشأن الحكومي ورفضت استمرار تجربة المشاركة حتى تتدرب إطاراتها على العمل في أعلى مستوى.
ثانيها، وبحسب ملاحظاتي، فإن رفض المشروع دار حول مسائل فصل فيها المشروع ذاته. فالجزائر وبنص الدستور الجديد، لازالت أرض الإسلام (المادة 2)، والعربية هي اللغة الرسمية والوطنية (المادة 3)، وجاءت المادة 4 لتحل مشكلة الجزائر التي يستثمر فيها المتربصون، فكثير من الدوائر تعمل على التأسيس لأقلية عرقية ولغوية ودينية في الجزائر ويستجيب البعض وبخفة كبيرة لهذا المطلب وجاءت المادة 4 لإنهاء هذا الجدل، فالجزائريون كلهم أمازيغ ولهجاتهم ستتطور في إطار جهد جماعي لتصبح لغة رسمية ووطنية.
والآن كذلك حق التعبّد مكفول في إطار القانون، وهو حل محترم ومقدر، رغم السقوط الذي عبرت به بعض ولايات الوطن والذي قارب الصفر وهو أمر يجب على قانون الأحزاب القادم أن يعالجه بكل صرامة وحكمة.
ثالث الأسباب التي رجحت كفة «نعم» لمشروع الدستور، تمثلت في توافقه مع قيم ومفاهيم الاتفاقيات الدولية والتي أصبحت بمثابة سلم تقييم لأداء الأنظمة السياسية، خاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات. وكما هو معلوم، فإن الاتفاقيات في الجزائر ومنذ زمن بعيد هي المصدر الأساسي والأول في التشريع، مع الاحتفاظ بالخصوصية الثقافية وكل ذلك واضح وبارز في الدستور الذي صوت له الشعب.
إن الذكاء الجماعي الذي ميّز المشاركين في هذا الاستحقاق جنّب الجزائر الكثير من المتاعب التي عانت منها دول ما بات يعرف بالشرق الأوسط الجديد، وشرف الرئيس في إنجاز التزامه الأول.
- نسبة المشاركة في الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور بلغت 23,8 بالمائة فقط، ما هي أسباب عزوف الشعب عن الممارسة الانتخابية؟
لقد شكلت السياقات السائدة والمتمثلة في انتقال النظام السياسي الجزائري من طور إلى طور جديد عاملا محددا لنتائج الاستفتاء على مشروع دستور 2020، حيث أن الشعب لا يزال يعيش حالة من الضبابية جعلته يحجم عن الانخراط بقوة في العملية السياسية ويشارك بحماسة لتأييد دستور الجزائر الجديدة، بالرغم من العربون الثمين الذي تقدمه مؤسسات الدولة الحريصة على تطهير كل مفاصل الدولة من الفساد الذي استشرى في المراحل السابقة والذي أوهن المواطن وأزهده في التفاعل بقوة مع ما تقترحه السلطة.
وموازين القوة على مستوى الدعاية يميل في كثير من الأحيان لصالح القوى المقاومة للتغيير، والمتمثلة في المنتصرين لطروحات المجلس التأسيسي والمراحل الانتقالية، وكذلك حبيسي اللحظات التاريخية والإيديولوجية والراغبين في الانتقام بأي شكل من الأشكال، إضافة إلى المغامرين المعجبين بالثورات الملونة (جماعة اوتبور)، وكل هؤلاء مناضلون لهم جمهورهم ولهم محبوهم رغم تناقضهم، لكنهم استطاعوا أن يتحالفوا ويستثمروا في ما تتيحه المنظومات الغربية من حريات لمهاجمة أي مشروع تقدمه السلطة وتهويل أي خطأ من خلال عمل ممنهج يقوم عليه الكثير من الصحفيين المتمرّسين والنشطاء على الوسائط الاجتماعية.
كما أن كتلة كبيرة من المقاطعين، أو ما يسمى بالكتلة الصامتة، اعتادت على المقاطعة. فلو رجعنا إلى الوراء، سنجد أن هذه الكتلة قاطعت في أول انتخابات مع بداية التعددية الحزبية والتي جرت مطلع التسعينيات، حيث وصل عدد الذين عزفوا عن التصويت ما يفوق تسعة ملايين، وفاز وقتها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحل بحوالي ثلاثة ملايين، واستمرت هذه الكتلة بالمقاطعة إلى يومنا هذا لأسباب قد تتعلق بفشل برامج التنمية المختلفة. مما يكون قد شكل عندهم قناعة بأن الوضع ميؤوس منه.
ورغم المعالجات المختلفة التي قدمتها السلطة لجلبهم إلى المشهد السياسي، إلا أنهم استمروا في المقاطعة. كما أن غياب ما يعرف بأحزاب السلطة التي كانت تؤطر العملية السياسية ودأبت على تجنيد مناطق الريف الجزائري وخارج المدن، كان له تأثير معتبر في عزوف الشعب.
- ما كانت تسمى «أحزاب الموالاة» مثل»الأفلان» و»الأرندي» و»تاج» في رأيك هل بإمكانها تصدر المشهد السياسي مستقبلا؟
تعيش أحزاب جبهة التحرير الوطني، التجمع الديمقراطي، تاج والحركة الشعبية أزمات داخلية سببها لها حراك 22 فيفري. فالحزب العتيد تقطعه الاختلافات والاختراقات والتناقضات ولم يفلح في لملمة جسمه رغم ما يحوزه من إطارات وهياكل وتجربة.
وكذلك هو الحال بالنسبة لـ»الأرندي»، الذي يحاول أن يغير ثوبه الذي دنسته الممارسات المشبوهة والفساد المستشري داخله. فالقيادة الجديدة تنقصها الخبرة السياسية ويعوزها الحضور، فلم تستطع أن تعي شخصية للحزب الذي لايزال عشّا لمحترفي السياسة والمتاجرين بهموم المواطن.
إن قانون الأحزاب والانتخابات سيكون امتحانا صعبا على هذه التنظيمات التي تحمل إرثا معقدا يرفضه الشعب ولا يريد أن يطبّع معها وقد تضطر مؤسسات الدولة المختلفة إلى عزل هذه التنظيمات وإبعادها نهائيا من المشهد السياسي.
وقد يعاقبها قانون الانتخابات على تكاسلها وعدم قدرتها على التعبئة، خاصة مع وجود إرادة سياسية قوية في إبعاد المال الفاسد عن السياسة، والذي يمثل عصب الحياة لهذه التشكيلات شبه الميتة.
- شاركت هذه الأحزاب في حملة الاستفتاء الداعمة لمشروع الدستور، لكنها فشلت في التعبئة. لماذا في رأيك؟
لقد تورط قادة هذه الأحزاب وإطاراتها في الفساد المالي والسياسي إلى حد كبير وأسسوا لعمل حزبي مشوه أبعد كل قيمة نضالية وصار ميدانا يتنافس فيه المتطلعون، بغير حق، لقيادة الشأن العام واستغلاله لمبتغيات شخصية وزبائنية. كما أن هذه القيادات ارتبطت بأجندات السلطة والقوى النافذة، مما كرس فكرة الجهاز، رغم أننا نعيش زمن التعددية. وقد انعكس ذلك على مستويات أدنى فأصبح النضال انتفاعا وسعيا مستمرا للارتباط بالادارة.
هذه القيادات نست أن الشعب يراقب ويرفض هذا الاستغلال لإرادته فيعاقبهم بالمقاطعة في كل مرة بل ويدعو، إلى معاقبتهم بعزلهم وقد شكلت هتافات «ديقاج» شعارا لغضب الشعب على هذه الأحزاب غير الأمينة.
- إن هذه الأحزاب كانت أمام فرصة كبيرة للملمة نفسها ولكن حدث العكس، لماذا؟
يعود ذلك لرسوخ واستمرار الفساد داخل هذه التنظيمات، رغم محاولات التجديد والتطبيع مع الحراك. فقد شاركت هذه الأحزاب في منظومة خيانة الأمانة واعتلى إطاراتها مناصب حكومية طيلة سنوات كثيرة ولم يكن منهم للشعب سوى الخيبات والأسى لتفاجئ العدالة تورط هؤلاء في فساد مالي وسياسي كسر كل ثقة وأسس للرفض في التعاطي معهم.
وقد لازمت هذه الصورة السيئة هذه التنظيمات، رغم محاولات التجديد شبه الفاشلة داخل الأفلان والباهتة بالنسبة للأرندي، فقد فشلت رغم الامكانات التي تحوزها في تنظيم تجمعات تليق بتاريخها وتعكس حجم التمثيل البرلماني الذي بحوزتها.
لقد بات واضحا ومن خلال النتائج، التي كشفت عجز هذه التنظيمات في التعبئة والتجنيد، أن السلطة ابتعدت عنها ولا تريد التورط معها، بل ومن المنتظر أن تشكل منظمات وتنسيقيات المجتمع المدني تمهيدا جديا لهندسة خارطة سياسية جديدة على أنقاض هذا الركام شبه المشلول والمرفوض شعبيا.