الدكتور محمد قروش لــ«الشعب»:

للجزائر دور استراتيجي في استقرار مالي

حوار: نور الدين لعراجي

تطرق أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، محمد قروش، إلى تحديات أمنية في دولة مالي بكثير من التفصيل، ويركز على الإفرازات الفرنسية في المنطقة، وتأثيرات الخلافات الداخلية وتمديد عمر الأزمة.
ويسلط قروش الضوء على تهديدات الجريمة المنظمة بمنطقة الساحل ومدى تأثيرها على الجزائر، مثل المتاجرة بالمخدرات والبشر والسلاح، ما جعل الجزائر تدرك خطورة الوضع وبالتالي تتحرك لتلعب دور الوسيط في الأزمة، وفق مقاربة نابعة من قناعات وأهداف ثابتة في الدبلوماسية الجزائرية.

- الشعب: دعت الجزائر إلى حوار بين الفرقاء الماليين واحتضنت المصالحة المالية..  برأيك هل هناك أطراف خارجية تحاول عرقلة ذلك؟
 الدكتور محمد قروش: نعم هذا صحيح. بالنسبة للمقاربة الجزائرية ومنذ بداية الأزمة في مالي ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وهي تلعب دور الوسيط في الأزمة، كما أن الجزائر تتبنى الطرح الأكثر عقلانية، والذي يتماشى مع ثقافتها الإستراتيجية المستمدة من تاريخها السياسي والنضالي، ومن مبادئ أول نوفمبر ومن خبراتها الطويلة في العمل الدبلوماسي، بحيث تتبنى الجزائر دبلوماسية وقائية وسياسة إستباقية تجاه ما يحدث من مشاكل ونزاعات وأزمات في إقليمها، سواء في المغرب العربي وشمال إفريقيا أو منطقة الساحل الإفريقي.
وحذرت الجزائر ولا زالت بخصوص ما يحدث في منطقة الساحل الإفريقي، ودولة مالي ورافعت مطولا ومن دون انقطاع عن الحل السلمي الداخلي، دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم المس بسيادة الدول.
من جهة أخرى، العقيدة الأمنية الجزائرية دفاعية تسير وفق خط الشرعية الدولية، وهذا الخط يحتم على الجزائر التأكيد على الحل السلمي وعلى الحوار وجلوس الفرقاء على طاولة المفاوضات، وقد لوحظ ذلك في الوساطة الجزائرية في الأزمة المالية، ولازالت نفس المبادئ والأهداف الكبرى، ثابتة في السياسة الخارجية والإقليمية للجزائر إلى يومنا هذا.
لكن ومع وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم، تم تفعيل دور الدبلوماسية الجزائرية تجاه قضايا دولية وإقليمية، مثل ما يحدث في ليبيا وكذلك الأزمة المالية الحالية، ورغم تواطئ جهات وأطراف خارجية سعت إلى إفشال المساعي الدبلوماسية الجزائرية، غير أن الدبلوماسية الجزائرية تتقدم بثقة وثبات نحو الواجهة الإقليمية والدولية.
- كيف عمّق التدخل الأجنبي المباشر وغير المباشر الأزمة  في مالي؟
 في العلاقات الدولية كما في السياسة لا مجال للصدفة، ففرنسا لن تتخلى عن مصالحها وأجندتها في المنطقة بسهولة، لكن في اعتقادي تحاول فرنسا أن تجفف المستنقع من كل الخصوم، وهي تعلم جيدا أن المطلب الرئيسي للحراك، رحيل القوات الفرنسية وحجة فرنسا في البقاء المتمثلة في مكافحة الإرهاب، أصبحت غير مقنعة، ويظهر أن لفرنسا مخاوف كبيرة، وهي تسير بخطوات حذرة خاصة وأنها خائفة على ضرب كل جهودها في مكافحة الإرهاب، لكنها حاليا تبحث عن مخرج دون أن تفقد إمتيازاتها، علما أن القوات الأممية لازالت متواجدة بمالي ويبقى على فرنسا السير في إطار الشرعية الدولية، لكن بحذر كبير جدا، وسط إحتمالات ومخاوف من طرد القوات الفرنسية، خاصة وأن الجيش المالي بدوره يقف في الحياد ويلتزم بالحل الدستوري.
وينادي الحراك في مالي بضرورة الإقتداء بالنموذج الجزائري في التملص من السيطرة الفرنسية، لكن في حقيقة الأمر فإن الوضع في الجزائر ليس هو الوضع في مالي، خاصة وأن هذه الأخيرة بها قوات فرنسية متغلغلة تحظى بالدعم الأوروبي خاصة البريطاني.

قطع الطريق أمام الأطراف الخارجية

- الغموض يخيم على مخرجات الملف المالي مع التكالب الدولي من جهة، والتهديدات الإرهابية، متى يخيم الهدوء وينعم المواطن المالي بالسلم؟
إن خصوصية الوضع في مالي، تجعل الخروج من هذه الأزمة أمرا على درجة عالية من الصعوبة، ذلك أن الوضع في مالي معقد حيث اجتمعت المصالح الدولية المتناحرة مع اختلاف الرؤى والتوجهات بالداخل وعدم انسجام المصالح مع مختلف الفواعل من منظمات وحركات وجماعات لها مصالح مختلفة.
ومع عدم تنازل أي طرف فإن الوضع سيزداد تعقيدا، وهناك نماذج كثيرة لدول تتشابه مع الوضع في مالي على غرار العراق سابقا، هذا ناهيك عن الظروف الإقتصادية والمعيشية والفقر وسوء التسيير وعدم التوزيع العادل للثروة والقيم في المجتمع.
كل هذا يضاف إليه العنصر الخارجي والضغوطات التي تتعرض لها الدولة المالية سلطة ومعارضة وشعبا، ناهيك عن شساعة الحدود والمساحة.
في الأنظمة السياسية التي بها وضع مشابه للوضع في مالي وفي ظل عجز الحكومات، لا سبيل إلا للمصالحة السياسية والتنازل من قبل جميع الفعاليات السياسية، مع تغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية والسياسية الضيقة، ولابد أن يجتمع الجميع على كلمة واحدة والالتفاف حول المواطنة المالية وإقامة حكومة ائتلافية تمثل بها كل الاتجاهات والفعاليات دون إقصاء، طبعا مع التركيز على التنمية العادلة لكل المناطق في مالي شمالها وجنوبها والاستثمار في الإمكانيات المتوفرة وقطع الطريق أمام الأطراف الخارجية، التي تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد.
وفي الأخير، نقول أنه يمكن للماليين الاستفادة من تجارب الدول التي لها خبرات في هذا الصدد وليس لها أطماع توسعية أو اقتصادية في مالي على غرار الجزائر.
لذا ينبغي على الدول الإفريقية أن تكافح من أجل التحرر من أيادي الدول الغربية الانتهازية.
هل تصل إدانة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات ضد حكومة مالي عند استخدامها للقوة خلال احتجاجات طالبت باستقالة رئيس البلاد، أم هي وسيلة لضبط النفس وسط مخاوف من استغلال إرهابيين الفرصة لشن هجمات جديدة؟
- ما هي الحلول الناجعة لطي الملف المالي؟
 أعتقد لابد من التسريع في إيجاد حلول سلمية ودستورية داخلية بشكل سريع من قبل الفرقاء ومن طرف دول الجوار، ويمكن للجزائر أن تساهم في هذا الحل بالنظر لتجاربها السابقة وخبرتها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024