الرّوائي جيلالي عمراني لـ «الشعـب»:

النّــص الجزائّــري غريّــب عـن الصّناعــة السّينمــائيّة

نور الدين لعراجي

 تأسيــس جائـزة أدبيّـــة كبــيرة غايتنـــا

تحدّث الرّوائي جيلالي عمراني عن لعبة الكتابة، وكيف خاض تجربة نقد السلطة وإسقاطاتها، وعن كيفية توظيف الشخوص في الأعمال الأدبية، وأرجع ذلك إلى تعدّد القراءات من زوايا مختلفة. وتحدّث عمراني عن الجوائز الوطنية، وقال إنّ الجزائر كانت السّباقة لمثل هذه الجوائز المحترمة على اعتبار أنّها بلد قارة، وبلد كُتبت فيه أول رواية في التاريخ، وبلد أنجب مولود فرعون، محمد ديب، كاتب ياسين، الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة، لكن للأسف لم تؤسّس وزارة الثقافة لجائزة كبيرة، ويعتقد عمراني أن هذه الوزارة، قتلت في وقت سابق، مبادرات مثل جائزة مالك حداد وجائزة الجزائر تقرأ..

 الشعب: في رواية «الغسّال» خُضتم تجربة جديدة في نقد السّلطة، استعملتم أدوات فنية، وجاء العمل الإبداعي متزامنا مع ما تعيشه الجزائر من ملامح جديدة بعد الحراك الشّعبي، غيّر الكثير من المفاهيم، حدّثونا عن هذا العمل؟
 الرّوائي جيلالي عمراني: للأمانة بدأت رواية «الغسّال» قبل الحراك الشّعبي المبارك، تحديدا أثناء الحملة الانتخابية التشريعية الأخيرة، عشت تلك الأيام على الأعصاب بفعل الإنزال الحكومي من وزراء وكتاب دولة ورؤساء أحزاب إلى الشّارع بخطاب شعبوي مقيت ومخيف في نفس الوقت، كنتُ ككل الشّعب الجزائري أترقّب تلك العنجهية في فرض منطق المال والتسلط المقيت، رأيتُ العجب العجاب في تسيير الشأن العام في إهدار مقدرات الأمة والفساد الذي عُمّم بشكل علني، أفقي وعمودي، صراحة كنت أتألّم لما آلت إليه الجزائر.
في هذه الظّروف العصيبة التي بدأت فيها تحضير الشّعب لاستقبال فكرة العهدة الخامسة، كتبت رواية «الغسّال» للتنديد وكشف لعبة السلطة الفاسدة ممثّلة في الوزير الذي استغل كل الظروف لصالحه وصالح شلّته، في البداية كان عنوان الرّواية «كنت وزيرا»، لأنّها بالفعل ترصد يوميات وزير فاسد، متسلّق، إلاّ أنّي في الأيام الأخيرة من كتابتها برز العنوان البديل «الغسّال» الذي استحسنه أصدقائي.
تناولت بعض القراءات النقدية المسكوت عنه، و»التاريخ الأسود والعمالة لفرنسا».
 هل لكم أن تحدّثونا عن سيرة الوزير، وكيف وظّفتم ثنائية الوفاء والخيانة في رواية «الغسّال»؟
 أجمل ما قيل حول هذه الرّواية كتبها الأستاذ علي بن لونيس: «الغسّال ليست أجمل ما كتبه جيلالي عمراني».
أعترف ببعض التّسرّع في أثناء الكتابة، لكن إجمالا كنت راضيا حول التجربة، إذ حاولت في رواية «الغسّال» أن أتطرّق بشكل أفضل للخيانة الوطنية وخيانة الأمانة، التي يمثلها الوزير بامتياز باعتباره ابن قايد ترعرع في جو من الخيانة والعمالة، بل العبث بتاريخ الجزائر، حتى رياح التغيير والعصف بالمستعمر والخونة الذي مثّلته ثورة التحرير استطاع والد الوزير أن يتكيّف بل يستفيد من الاستقلال، ويدفع بابنه دفعا لمزيد من التموقع وهو ما حصل بالفعل، إذ يوميات الوزير تتحدّث عن هذا التسلق الحقير ليتبوّأ المكانة غير اللائقة في جزائر الاستقلال، هو نوع من الجلد الذاتي بعدما خسر منصبه في أواخر عمره وهروب عائلته بينما هو اختار أعالي جرجرة في انتظار تعيينه مجدّدا، رغم عجزه ومرضه لم يفقد الأمل بتاتا في العودة مجدّدا إلى الوزارة، ويؤمن بقدراته ووصفاته السحرية في حلّ مشاكل المواطنين.
في المقابل شخصيات هامشية ومعدمة ممثلة في علي الغسّال وهند والصحفي «جمال»، كانوا أوفياء للبلد وهويّتهم ومبادئ ثورتهم الكبيرة. لا أعرف إن وفّقت في هذه الحبكة..

 يقال إنّه عندما تلتقي ثلاثية الفكرة، «الكاتب والنّاشر»، يثمر اللّقاء بإصدار جيّد يصل صيته إلى القرّاء، هل حدث معكم ذلك في ثلاثيتكم «الغسال، البكّاءة والمنافي»؟
 صراحة في 2018 نشرت روايتين في مصر، رواية «البكّاءة» الفائزة بالمركز الأول في مسابقة صالون نجيب الثقافي، وهي مسابقة عربية وكبيرة شارك فيها عدد كبير من كتّاب العرب، ونشرتها دار شهرزاد المحترمة باعتبارها مموّلة الجائزة، ونشرتُ أيضا رواية «المنافي..حكايات شامية» في دار تويتة للنشر والتوزيع.
بصراحة كانت التجربة مثيرة وجميلة، يكفي أنّ الرّوايتين شاركتا في معرض القاهرة الدولي.
أما تعاملي مع دار ميم للنشر والتوزيع كان بسيطا وجميلا وسريعا وبشكل احترافيّ، ومن هذا المنبر أحيّي النّاشرة السيدة آسيا علي موسى مديرة دار ميم للنشر على ثقتها في روايتي «الغسّال»، وكان إخراجها إلى النور في حلّة مقبولة جدا، وقدّمتها للقارئ بشكل محترم. أتمنى أن لا تخيب الرواية اعتقاد وظن الناشرة والقارئ.
 يعيش النّص الأدبي الجزائري حالة تحرّر فريدة، بكمّ هائل من الإصدارات في الأجناس الأدبية، هل معنى ذلك أنّ المشهد الأدبي بلغ حالة تشبّع؟
 إلى وقت غير بعيد عاشت الساحة الأدبية الجزائرية تصحّرا رهيبا في النشر والإصدارات، باستثناء الأسماء المميّزة والمكرّسة التي غطّت على الجميع بحضورها ونشر كتبها بسهولة.
ويعود هذا التصحر إلى الحصار الثقافي الذي عاشته البلد، وإلى غياب سياسة ثقافية حقيقية ومجدية وعدم اهتمام بالكتاب والإبداع، بمعنى آخر كانت الكتابة بكل أشكالها نوعا من التحدي والنضال والصمود في وجه هذه الجماعات التي تحارب الثقافة والإبداع.
أعتقد أنّه في السنوات الأخيرة انتعشت السّاحة الإبداعية انتعاشا مقبولا، بظهور دور نشر كثيرة وموزّعة على كامل التراب الوطني حتى ولو كانت ظاهرة صحية، لكن عدم مراقبتها وتوزيع الريع بشكل عشوائي في مناسبات عديدة أحدث خللا في عملية النشر، وتشوها كبيرا لاحق العديد من المنشورات.
فعلا ازدهرت صناعة الكتاب كمّا وليس نوعا، بكمّ من الكتب في شتى مجالات الإبداع، وهذا الكمّ أفرز أيضا نصوصا رائعة بدليل الجوائز العربية التي نالتها الروايات الجزائرية، آخرها فوز رواية الصديق عبد الوهاب عيساوي بجائزة البوكر لأول مرة، إلى جانب جائزة كتارا التي تحصل عليها الروائي المتميز مرتين ناصر سالمي وجائزة الطيب صالح التي فاز بها الروائي إسماعيل يبرير.
 يُعاب على الجامعة أنّها لا تهتم بالنّص الأدبي المحلي، وعادة ما توجّه طلبتها في معاهد اللغة والآداب إلى نصوص عربية وغربية، أين الخلل هل هي دور النّشر، الكاتب، أم الجامعة؟ وكيف السّبيل لجعل مذكّرات التّخرّج تهتم بالإبداع الجزائري؟
بالتأكيد لمعاهد الأدب دور مهم في تشريح وقراءة المدوّنة الجزائرية من قصة وشعر ورواية، وهو دورها الجوهري، كما تفضّلتَ.
فعلا في السنوات الماضية كانت الجامعة الجزائرية بمعزل عن النّص الأدبي الجزائري، خاصة النصّ الذي يكتبه الجيل الجديد، لكن في عشر السنوات الأخيرة وحسب متابعتي المتواضعة فيه جيل جديد من أساتذة الجامعة هم في الأساس مبدعون يقتنون من مالهم الخاص تقريبا كلّ ما ينشر ويوجّهون الطلبة لدراسة هذه الإبداعات. بالطبع نثمّن هذه الخطوة وهذا الاهتمام المهم بالنص الجزائري قراءة واحتفاءً داخل أسوار الجامعة الجزائرية.
 ظهرت الكثير من الإصدارات السّردية في القصّة القصيرة جدّا، وحقّقت طفرة أضافت جنسا جديدا له خصوصياته عكس النّصوص القصصية المتعارف عليها، هل تتّجه القصّة نحو الاختزال الرّقمي؟
 بالفعل ظهر هذا الجنس الذي يسمّى القصة الومضة أو القصة القصيرة جدا، في العالم العربي والجزائر بل له فضاءاته وملتقيات تقام هما وهناك، ربما فرضه التطور التكنولوجي والعصر الذي يتّسم بالسّرعة، وبالتالي يعتقد أنصار هذا الجنس الجديد أنّ القارئ لا يستطيع قراءة قصّة طويلة مثلما قرأها قارئ الستينيات أو السبعينيات. شخصيا لا أكتب قصّة الومضة التي تختصر الحدث والشّخصية في جملتين.
تزخر المكتبات الوطنية بإصدارات جديرة في القصّة والرّواية، لماذا لا توجّه هذه النّصوص إلى الصّناعة السّينمائيّة؟
 سؤال مهم، بالتّأكيد فيه نصوص راقية بإمكانها صناعة أفلام راقية ومحترمة، أعتقد أنّ كتّاب السيناريو في الجزائر على قلّتهم لم تستهوهم هذه الإبداعات الجيدة جدا، وأيضا حتى وزارة الثقافة لم تشجّع هكذا تعاون بين الكتّاب والسينمائيين، وربما فيه كما قلت تهميش مقصود أو غير بريء تجاه النص الجزائري، بدليل فيه صناعة سينمائية وتلفزية رديئة جدا.
 الجوائز الأدبية في الجزائر تسير بخطى محتشمة، عكس ما نراه في بلدان عربية أخرى تهتم بالتّنافس على مستوى النّصوص، أين الخلل؟
 كان من المفروض أن تكون الجزائر هي السّباقة لمثل هذه الجوائز المحترمة باعتبارها قارّة كبيرة، وباعتبارها البلد الذي كتبت فيه أول رواية في التاريخ، باعتبارها البلد التي أنجبت مولود فرعون، محمد ديب، كاتب ياسين، الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة، لكن للأسف الشّديد لم تقدر الدولة ممثّلة في وزارة الثّقافة تأسيس جائزة كبيرة بل قتلت كل المبادرات السابقة مثل جائزة مالك حداد وجائزة الجزائر تقرأ، حتى جائزة علي معاشي الموجّهة للشباب ولدت ميتة تقريبا، بتسقيف السّن وعدم الترويج لها كما تفعل كل الدول المحترمة. في المقابل نلوم أيضا رجال الأعمال الذين لم يستثمروا في الثقافة في يوم من الأيام، نحلم أن تكون لنا جائزة كبيرة تحمل اسما لروّادنا الكبار في جزائر جديدة.
المجايلة لم يعد لها أي مكانة في المشهد الأدبي اليوم عكس الفترات السابقة، لكن ظهر مصطلح الأدب الاستعجالي والنّصوص الومضة.
 بدأت صراعات تطفو على السّطح، هل هي تراكمات أم رؤى إبداعيّة؟
 بخصوص صراع الأجيال لا أظن أن فيه هكذا صراع في وقتنا الراهن، حتى ولو فيه بين الحين والآخر تصادما ما، يبقى ظرفيا وهامشيا ولا يرقى إلى فكرة صراع أجيال، بالعكس في تكامل وتبادل خبرات وتفهم في نهاية الأمر هو تنافس بين النصوص والرؤى.
أما ما يتعلق بالأدب الاستعجالي، بالفعل فيه هذا النمط خاصة في بداية التسعينيات في أوج صعود الجماعات الإسلامية وفرض منطقها وعنفها ضد المجتمع، ظهرت أعمال إبداعية صنّفت كأدب استعجالي أو أدب الأزمة، شخصيا كتبت نصّين «المشاهد العارية» ورواية «عيون اللّيل»، اعتبرها النقاد أدبا استعجاليا وهذا ليست شتيمة أو انتقاص من قيمة العمل، لأنّي كتبت العملين تحت ضغط رهيب وخوف من المصير الأسود الذي ينتظرني كلّ ليلة قادمة، كوننا نسكن في الأرياف والمناطق السّاخنة، وتسمى حينها»بمثلث الموت»، كيف لا أكتب يوميات هذه القرى ويوميات أشخاص مهددون في حياتهم وأعراضهم؟ كنتُ أكتب أكبر عدد ممكن من الكلمات كلّ ليلة.
ما هي الأسماء الجزائرية التي تستفزّك نصوصها الأدبيّة؟
 سؤال ملغّم ومحرج في نفس الوقت، أكيد فيه أسماء جزائرية أقرأ لها باعتزاز وبفرح، وأنتظر بفارغ الصّبر كل جديد تصدره. أما الفارق صنعوه من قبل في كتارا والبوكر وفي محافل أخرى.
 لو تركنا لك كلمة أخيرة، ماذا تقول؟
 كلمتي الأخيرة، شكرا لك على هذه الالتفاتة في زمن العزلة والخوف، وبالتالي أتمنّى أن يرفع الله عنّا هذا الوباء القاتل. تحيّاتي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024