نأمل في رؤية شركات جزائرية تساهم في إعمار لبنان
أكد سفير دولة لبنان بالجزائر محمد حسن، في حوار خص به جريدة «الشعب»، أن بلاده تمر حاليا بأسوأ أزمة مالية لم يعرف لها مثيل في تاريخها الحديث، نظرا لتراجع الناتج المحلي بما لا يقل عن 40 بالمائة بسبب جائحة كورونا، مشيدا بالمساعدات التضامنية التي قدمتها الجزائر لأشقائها في لبنان جراء كارثة انفجار المرفأ ببيروت، والتاريخ يشهد على مواقف الجزائر منذ القدم، آملا في رؤية شركات جزائرية تساهم في إعمار لبنان.
الشعب: ما هي آخر تطورات الوضع في لبنان؟
سفير لبنان بالجزائر محمد حسن: في البداية أتقدم من هذا المنبر، ومن خلال جريدتكم الموقرة إلى كافة أبناء الجالية اللبنانية المقيمين ببلدهم الثاني الجزائر بأحر التعازي وصادق المواساة على إثر هذا المصاب الجلل الذي ألم ببيروت، عروس الشرق وخلّف خسائر بشرية ومادية جسيمة، ومن خلالهم إلى الأسر المنكوبة وإلى جميع أهلنا في لبنان الحبيب، سائلا المولى أن يتغمد الضحايا بواسع رحمته ويلهم ذويهم جميل الصبر وحسن العزاء، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل، وأن يحفظ الجميع ويجنب بلدي لبنان أي مكروه.
كما تعلمون وسبق وشاهدتم عبر مختلف القنوات العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن الفاجعة كانت عظيمة وحجم الإنفجار كان هائلا ومروعا وبيروت صارت في رمشة عين مدينة منكوبة، ناهيك عن الخسائر البشرية والمادية، للأسف التي نجمت عن هذه الكارثة غير المسبوقة، ولحد الساعة ما تزال فرق الإنقاذ تواصل عمليات البحث عن المفقودين.
شرع العديد من المتطوعين في تنظيف الشوارع وإزالة ما خلفه الانفجار من دمار هائل، والذي ألحق أضرارا جسيمة بالممتلكات العامة والخاصة في المرفأ الذي دمر بالكامل وفي محيطه، حيث تحولت المنازل والبنايات والمؤسسات والشركات إلى ركام، وهو ما يتطلب من كل أبناء لبنان، في هذه المرحلة الحساسة بالضبط، التكاتف ونبذ الفرقة وجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
- كيف ترون المساعدات التضامنية الجزائرية للبنان، وهل المساعدات الدولية كافية لسد حاجياتكم؟
هبّت الجزائر الشقيقة كعادتها للوقوف بجانب لبنان في هذه المحنة التي ألمت به، حيث وعقب الاتصال الأخوي الذي جمع الرئيسين اللبناني العماد ميشال عون بالجزائري عبد المجيد تبون، والذي تلاه اتصال آخر جمع بين قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون برئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، وهما الاتصالين الذين تم التأكيد من خلالها على تضامن الجزائر العميق مع لبنان في هذه المحنة الأليمة.
هذا التضامن، الذي ترجم مباشرة على أرض الواقع من خلال إرسال أربع طائرات محملة بمختلف المساعدات الإنسانية إلى لبنان والمعونات الغذائية والطبية والكوادر الطبية ومواد البناء، التي نحن بحاجتها اليوم بإشراف من الوزير الأول عبد العزيز جراد، ومن المنتظر أن تلحق بها باخرة محملة بشحنات مواد البناء للمساعدة في إعادة بناء وتعمير ما دمره الإنفجار، وهذا ليس بجديد وغريب عن الجزائر، لبنان والعالم العربي كله يعرف سياسة الجزائر المتزنة التي تدعو إلى السلم والحوار وفض النزاعات بالطرق السلمية.
ومنذ الوهلة الأولى للانفجار تلقت السفارة عددا لا يحصى من الإتصالات ومن برقيات التعازي والمواساة من كل ربوع الجزائر الحبيبة، مقدمين التعازي لأسر الضحايا ولكافة إخوانهم اللبنانيين في هذا المصاب الجلل، ومعربين عن تضامنهم التام واستعدادهم لتقديم المساعدة بأية طريقة ممكنة.
وهنا ننوه بالموقف المشرف الذي سجله رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري سليمان شنين، حيث نجح في تمرير اقتراح تقديم مساعدات إغاثة دولية والوقوف إلى جانب لبنان على المستوى الدولي خلال قمة الإتحاد البرلماني الدولي المزمع عقدها في النمسا من 19 إلى 21 أوت 2020.
خالص عبارات الشكر والعرفان والامتنان موصولة من خلالكم جريدتكم الكريمة إلى كل إخواننا الجزائريين على وقفتهم هذه، وعلى عظيم جودهم وكرمهم المعهود، لدي رغبة شديدة بأن تقوم شركات جزائرية بالتعاون والتنسيق مع الحكومة الجزائرية بإعادة بناء ما تدمر في المرفأ أو عنابر القمح، إعادة الإعمار من أبنية سكنية أو مرافق تجارية أخرى، وهذا إن دل على شيء يدل على حسن وطيب العلاقات بين لبنان والجزائر، ومحبة لبنان لأشقائها.
وأطمح في أن تكون كل شوارع بيروت وفي كل زاوية علم جزائري يرفرف تحت عنوان»هذه مساعدات الجزائر، هذه الشركات جزائرية، هذه يد الخير من الجزائر إلى أشقائه في لبنان».
وفيما يتعلق بالمساعدات الدولية، فكما شاهدتم لقي لبنان موجة تضامن كبيرة من مختلف الدول الشقيقة والصديقة، وكل حسب إمكانياته، حيث تلقينا مساعدات عينية ومالية، لكن وللأسف الشديد هذا الإنفجار المدمر جاء في وقت يمر فيه الإقتصاد اللبناني بأشد أزمة مالية وأسوئها على الإطلاق في تاريخه الحديث.
وهو ما من شأنه مضاعفة الآثار الكارثية له، وهو ما يستدعي من المجتمع الدولي الوقوف بجد بجنب لبنان في هذه المحنة لإعادة وضعه على سكة الإزدهار بتأمين عودة التوازن المالي كحاضن أساسي للنهوض الإقتصادي، وهو ما تجلى ولله الحمد يوم الأحد 09 أوت الجاري من خلال مؤتمر باريس لدعم بيروت الذي ضم 36 دولة ومؤسسة من شتى قارات العالم، والذي خرج باتفاق على حشد موارد مهمة والعمل بحزم لتلبية احتياجات الشعب اللبناني ومساعدته على تجاوز مأساة انفجار بيروت تحت الرعاية المباشرة للأمم المتحدة، حيث تعهدت فرنسا بتقديم 50 مليون يورو، ألمانيا 20 مليون دولار، الكويت 41 مليون دولار، قطر 50 مليون دولار والمفوضية الأوروبية 63 مليون يورو.
- هل استقبلتم بالسفارة الجالية اللبنانية للاطمئنان على عائلاتها؟
أبواب السفارة مفتوحة دائما أمام أبناء الجالية الأعزاء في كل الأوقات، ولكن بسبب الظرف الراهن الذي تمر به الجزائر مثل باقي دول العالم بسبب جائحة فيروس كورونا، فإن الأمر يستدعي من الجميع الالتزام بالإجراءات الموصى بها واتخاذ الحيطة والحذر، وبناء عليه عملت السفارة منذ الوهلة الأولى للكارثة على التواصل مباشرة مع أبناء الجالية المتواجدين بالجزائر عبر صفحتها الرسمية على فايسبوك وعبر وسائلها الخاصة للإطمئنان عليهم وعلى ذويهم في لبنان، كما وضعت تحت تصرفهم رقما ساخنا يشتغل طوال أيام الأسبوع و 24/24 سا.
هناك جمعيات خيرية جزائرية توافدت إلى السفارة لتتساءل كيف السبيل لمساعدة أبنائنا وأهلنا في لبنان، وأعطيناهم الأجوبة عبر الهلال الأحمر الجزائري ووزارة التجارة، هناك لجنة مخصصة لهذا الموضوع، هذه الحالة نشهدها يوميا، كما تلقت السفارة البرقيات والاتصالات.
- ماذا تنتظرون من الأشقاء العرب والجزائر في هذه المحنة؟ وكيف ترون مستقبل العلاقات بين البلدين؟
مصاب لبنان هو مصاب كل عربي، والدعم العربي للبنان كان سريعا ومميزا منذ اللحظات الأولى للانفجار، حيث سارع مختلف الأشقاء العرب إلى تقديم مختلف المساعدات الطبية والمستشفيات الميدانية، وفرق من الأطباء والدفاع المدني، بالإضافة إلى أطنان من المساعدات الغذائية ومختلف الحاجيات الضرورية من أغطية وخيام ومستلزمات حيوية، وأكيد كانت الجزائر الشقيقة في الطليعة كعادتها، فسجلها التضامني مع لبنان يشهد عليه التاريخ منذ القدم وعلى مر مختلف الأزمات التي عاشها لبنان.
وبالرد على سؤالك فيما يتعلق بالعلاقات بين لبنان والجزائر، أفيدكم أن هناك علاقات تاريخية ومتجذرة تعود إلى ما قبل الاستقلال والتاريخ يشهد على ذلك، وهي قائمة على الاحترام المتبادل والتشاور والتنسيق وتتسم بالكثير من الود والتفاهم، ويجمع البلدين التاريخ النضالي المشرف للشعبين الشقيقين في محاربة الإستعمار والكفاح من أجل نيل الاستقلال، حيث كانت لبنان من أوائل الدول التي اعترفت بالحكومة المؤقتة الجزائرية، كما كان للشقيقة الجزائر دور كبير في إحلال السلام في لبنان عبر مساعيها في توقيع اتفاقية الطائف، وكذا دورها المشهود به.
أما حاليا، فهناك مستقبل واعد للعلاقات الثنائية بين بلدينا الشقيقين وطموح كبير لدينا للرفع بها إلى مستوى أسمى، وفي كل المجالات سواء السياسية، الإقتصادية، الثقافية أو السياحية.
- حدثنا عن الوضع الاقتصادي الحالي بلبنان بعد «انفجار بيروت» الذي تزامن مع كوفيد-19؟
يعاني لبنان، وللأسف من وضع إقتصادي صعب للغاية، فهو يمر حاليا بأسوأ أزمة مالية لم يعرف لها مثيل خلال تاريخه الحديث، جراء تراكم العديد من المعطيات أهمها تراجع إحتياطات البنك المركزي، تقلص تحويلات المغتربين، عدم إيفاء المانحين الدوليين بإلتزاماتهم وربطها بالإصلاحات التي كانت تسير في الطريق الصحيح لولا جائحة فيروس كورونا التي ساهمت بشكل كبير في إنكماش القطاع السياحي، وإنحساره بسبب الإغلاق المفروض على البلاد والذي نجم عنه إقفال الفنادق والمطاعم والأسواق التجارية، وكذا المصانع وخطوط الإنتاج جراء عدم التمكن من إستيراد المواد الأولية.
كل هذه الأمور، إضافة إلى أمور أخرى، ساهمت من قريب أو من بعيد في تأزم الأوضاع وتفاقم الأزمة المالية التي برزت إرتداداتها السلبية بشكل واضح على الإقتصاد الوطني اللبناني، حيث تراجع الناتج المحلي بسبب كورونا بما لا يقل عن 40 بالمائة.
- ما تعليقكم على تصريح مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا المتعلق بحث السلطات على إصلاحات لإنقاذ الاقتصاد اللبناني؟
كما سبق وقلت، عمد لبنان إلى اتخاذ حزمة من الإصلاحات الجادة والفعلية على جميع المستويات وفي كافة المجالات، لكن كما يقال «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»، فالأحداث الأخيرة التي شهدها العالم ولبنان على حد سواء ساهمت في تعطيل سكة هذه الإصلاحات وفي بطء سيرها.
- آخر إحصائيات عدد القتلى والجرحى؟ وأين وصلت عملية رفع الأنقاض والبحث عن المفقودين؟
حسب آخر المعطيات، بلغ عدد الضحايا ما يقارب 200 شهيد، وبلغ عدد الجرحى 5 آلاف مصاب، 20 بالمائة منهم تطلبت حالاتهم دخول المستشفى، وهناك 120 حالة حرجة وتواصل فرق الإنقاذ بمساعدة العديد من المتطوعين المدنيين المسح تحت الأنقاض بحثا عن بقية المفقودين، ورفع الركام من الشوارع والمنازل المتضررة.
- ما تعليقكم على زيارة الرئيس الفرنسي للبنان وتصريحاته التي أثارت ضجة إعلامية؟
فرنسا بلد صديق ومحب، داعم ومساند للبنان تربطنا به علاقات تاريخية طيبة جدا، قائمة على التعاون والتبادل المشترك في كافة المجالات، وهناك جالية لبنانية كبيرة في فرنسا وكذلك يعيش الآلاف من الفرنسيين في لبنان.
ونحن نقدر جدا وقفة فرنسا مع لبنان في هذه المحنة من خلال رئيسها إيمانويل ماكرون الذي دعا المجتمع الدولي إلى التحرك سريعا لمساعدة لبنان بعد هذا الحادث الأليم، كما أنه أول رئيس دولة أجنبية يزور لبنان ووعد بتقديم مساعدات سريعة وكبيرة من الأسرة الدولية، ولبنان يعول دائما على دعم فرنسا في عملية إعادة البناء.
وللإشارة فقط سيكون الرئيس ماكرون ضيفا على لبنان شهر سبتمبر القادم للمشاركة في احتفالات الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير.
- تجددت اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن في محيط البرلمان، هناك من يرى أنها مفتعلة من الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الحكومة اللبنانية والقبول بإقتراحات الرئيس الفرنسي والمجتمع الدولي؟
من جانبنا نرى أن الاحتجاج والتظاهر رد فعل طبيعي سلكه اللبنانيون من هول ما حدث بعد الانفجار المدمر، كما كان نتيجة تراكم معطيات سابقة يعاني منها لبنان نتيجة وضعه الاقتصادي خصوصا في ظل جائحة كورونا، ونحن نتفهم جدا عمق الوجع والألم الذي يعتصر قلوب اللبنانيين خصوصا في ظل هذه الظروف الحساسة.
أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، فعلاقاتنا بها جيدة على الصعيدين الشعبي والرسمي، وتتسم بالندية والاحترام المتبادل ولبنان يتلقى مساعدات أمريكية في عدة مجالات عسكرية ومدنية، وهناك جالية لبنانية كبيرة بأمريكا تتبوأ أعلى المراكز وتنشط في العديد من المجالات الحيوية، وسبق للرئيس دونالد ترامب أن قدم تعازيه للرئيس عون، كما أكد وقوف الولايات المتحدة الأمريكية بجنب لبنان في هذا الظرف الصعب، كما سبق للمساعدات الأمريكية أن تحركت بإتجاه لبنان.
- هل ستكون هناك انتخابات مسبقة في لبنان؟
تبعا للأحداث المتسارعة التي يعيشها لبنان، نرى أن كل الإحتمالات واردة ولقد سبق لرئيس الحكومة حسان دياب أن أعلن بأنه سيطرح على مجلس الوزراء إمكانية إجراء إنتخابات نيابية مبكرة، لأن الوضع الراهن في لبنان حساس ودقيق للغاية، وكل ما نأمله أن تمر الأمور بكل خير وسلام على بلاد الأرز.