الخطــر لا يرتبــط بهيكـل سـد بني هارون
تؤكد زكية علوان عضو المكتب الوطني لنقابة المهندسين المعتمدين في البناء والهندسة المدنية، أن تطبيق القانون وتمكين المهندسين المدنيين من ممارسة مهامهم بالشكل الصحيح، كفيل بضمان أمن المشاريع العمومية، وحماية المباني من الأخطار التي قد تهدّدها بسبب الكوارث الطّبيعية كالزلازل التي لا يمكننا ردّها لأنّها قوّة ربّانية قاهرة.وألحّت علوان في حوار مع «الشعب» على التقيد بالقانون المضاد للزلازل، والوثائق التنظيمية التقنية من طرف المهندسين المكلفين بالدراسات المدنية والمهندسين المراقبين ومخابر الجودة من أجل ضمان بناء صلب، متين وآمن.وقالت إنّ السّلطات المحلية تتحمّل مسؤولية الوضع الهش للمباني المشيدة التابعة للخواص، لأنّها قلّصت ملف رخصة البناء، حيث أمرت بتقديم تقرير تقني يعدّه المهندس المدني المعتمد بدل القيام بدراسة الهندسية المدنية، وهذا وضع كارثي في بلد يتميز بنشاط زلزالي قوي، كما أن إقصاء المهندس المدني المعتمد من العقود المباشرة مع أصحاب المشاريع العمومية وتسليم مهامه للمهندس المعماري، الذي لا يحوز على الصفة للقيام بالمتابعة لعدم الاختصاص يعد مخالفة صريحة للقوانين السارية، ويهدّد مشاريع الدولة لأنّها أصبحت تتابع من طرف من لا اختصاص له في الهندسة المدنية، والنتائج واضحة بنايات هشّة وبجودة رديئة.
الشعب: قدّمتم تقريرا خاصّا عن مخلّفات زلزال ميلة للسّلطات المحلية، هل لكم أن تطلعونا على مضمونه؟
المهندسة زكية علوان: قمنا بمراسلة والي ميلة في نفس يوم حدوث الزلزال، وتمّ تبليغه بدعمنا الكامل وتضامننا المطلق مع المتضرّرين من الزلزال، ووضع كافة إمكانيات مهندسينا وخبرائنا تحت تصرفه من أجل الدراسات الميدانية المتعلقة بحصر الأضرار وتحليلها، واقتراح الحلول الآنية والحلول الدائمة، أخبرناه أنّه تبين انهيار بعض المباني وضرورة إزالة الركام نهائيا وبقايا الهياكل العالقة، كما تتطلّب العديد من السّكنات التقوية والتدعيم، في انتظار نتائج التّقارير النّهائية للخبراء، الذين سيحدّدون آليات التدعيم وتحديد مدى نجاعة التقوية والترميم، واختيار القرار الحكيم في ترحيل السكان من المناطق المتضررة، والتي باتت تشكّل خطرا على حياتهم خاصة أمام الانهيارات الباطنية بسبب مياه السد المتسرّبة وارتدادات الهزّة الأرضية.
كيف تتفاقم الانهيارات الباطنية بسبب مياه السد، في وقت تؤكّد وزارة الموارد المائية أنّه لا يشكّل أي خطر ولا علاقة له بالهزّة الأرضية؟
صحيح السد بني وفق معايير تقنية، ولكن الأمر لا يتعلق بهيكل السد بل بالتأثيرات الجانبية عندما يمتلئ وتصبح الأراضي المجاورة له تحت تأثير تغيير البنية الباطنية بسبب تسرب المياه ونفاذية الطبقات السفلية، لذا وجب على السّلطات المحلية حماية الناس بمنعهم من البناء والتواجد في جوار السد، وتحديد مناطق الخطر التي تتوسّع يوما بعد يوم بسبب زيادة مياه السد والمعرّضة للانزلاقات بسبب كثرة الاجهادات.
رغم أنّ الدّراسات كانت وفقا للمعايير التقنية، إلاّ أنّه يتعين على الوزارات المعنية إجراء خبرات وتحيين الدراسات واتخاذ إجراءات من أجل أمن السكان، تجنّبا لوقوع أي هزّات أرضية قد تكون سببا في كوارث متتابعة.
وعلى هذا الأساس وجب على وزارة الموارد المائية مراجعة الدراسات الخاصة بالسد وعرضها على خبراء مختصّين، ودراسة كل الاحتمالات التي من شأنها تهديد حياة السكان في القرى والمدن المحيطة بالسد ووضع التدابير اللازمة لمقاومة شدة الزلازل المحتملة والتي نخشى أن تكون مدمّرة، فالسدود لا يستأمن جانبها، وخطرها يتضاعف بقوة تحملها وثقل المياه فيها والاجهادات التي تنتج بسببها في الأراضي المجاورة.
الزلزال لم يكن بالقوّة المدمّرة، ومع ذلك تمّ للأسف تسجيل انهيار كلي لمباني تابعة للخواص، إلى ماذا يعود ذلك؟
يعود إلى أنّ أغلب البنايات قديمة، وأنّ عمرها الافتراضي يستوجب إزالتها وإقامة مباني جديدة، كما أن الجديدة منها لم تنجز وفق الشروط والمعايير التقنية المضادة للزلازل، ويفترض أن تلك البنايات قد أنجزت دون وجود مخطّطات للهندسة المدنية، ناهيك عن قرب السكنات من مركز الهزة والاجهادات الكبيرة التي تتحملها التربة بجوار السد.
كذلك من بين الأسباب، استثناء مباني الخواص من الرقابة التقنية، أي أنّ المخطّطات والانجاز لا تخضع لرقابة CTC، ولا لمتابعة المهندس المدني المعتمد.
وبالمناسبة هذه الملاحظة هي عامة تخص كل بنايات الخواص على المستوى الوطني، وتنذر بخطر داهم لا قدّر الله.
توجد بعض البنايات تحصّلت على رخص بناء يغيب فيها عقد إدارة المشروع بين المهندس المدني المعتمد وصاحب المشروع من جهة وبين المعماري وصاحب المشروع من جهة أخرى، وهذا العقد يكتسي أهمية بالغة في تحديد المسؤولية المدنية لكل متدخل، عدا أن المتابعة التي هي شرط ضروري وأكيد لإتمام إنجاز المشروع.
إنّ التّساهل في مثل هكذا إجراء وعدم اشتراط العقد من طرف المصالح التقنية للبلديات عند إيداع الملفات لإنجاز السكنات يفوّت على صاحب المشروع تحديد المسؤولية، كما يفوت على المهندس المدني والمعماري المعتمدين القيام بمتابعة المشروع، وإلزام المقاول باحترام المخططات المسلمة والمصادق عليها.
بعد زلزال بومرداس أصدرت السّلطات العمومية قوانين تلزم ببناء مساكن مقاومة للزّلازل حتى لا تتكرر الكارثة؟ إلى أيّ مدى تمّ الالتزام بتنفيذ هذه القوانين، خاصة وأنّكم المسؤول والضّامن الأول لسلامة المباني؟
بالفعل، عقب زلزال بومرداس 2003 وبعد فاجعة مقتل أكثر من 3000 شخص وجرح عشرات الآلاف من الأشخاص تحت ركام الخرسانة المسلّحة وبقايا دمار زلزال بدرجة 6.7 على سلم ريشتر، قامت الجزائر باستنفار كافة الخبراء للبحث في الكارثة على أساس أن النتيجة أثقل بكثير من قوة زلزال لا يصنف بالمدمر.
وقام آنذاك الخبير الدولي فيكتور دافيدو فيتشي بتحليل الوضع وتقديم تقرير يتواجد لحد الآن بوزارة السكن، حدّد فيه أن الخلل كان في دائرة المتدخّلين في مشاريع البناء، ووضع ثلاثة نقاط أساسية لإصلاح الوضع، أولها إشراك المهندس المدني المعتمد (حيث ما زال مقصي الى يومنا هذا من دفاتر الشروط الخاصة بالإشراف على الانجاز)، ومراجعة قانون الزلازل الجزائري (تمّت مراجعته في 2003)، وقد استغرب في تقريره عدد المتداخلين في مشاريع البناء وهم ثلاثة أطراف حسب الواقع الذي لامسه ويتعلق الأمر بالمهندس المعماري + مكتب مراقبة + مقاولة (مجرّد عمّال بلا تكوين).
وعلى إثر تقرير الخبرة عمدت الدولة الجزائرية إلى تحديث قانون التهيئة والتعمير 90-29 وتعديله بالقانون 04-05، غير أن هذا التعديل ورغم أهميته لم يطبق على أرض الواقع سواء بالنسبة لمشاريع الخواص أو المشاريع العمومية، رغم صدور المرسوم التنفيذي 06-03 الذي يُفعّل القانون 04-05، وكذا المرسوم التنفيذي 15-19 المتعلق بعقود التعمير.
فبالنسبة للخواص تمّ إدراج إيداع مخططات الهندسة المدنية لدى المصالح البلدية دون مرورها عبر الرقابة التقنية لمصالح CTC (سي تي سي)، والحال أن المصالح التقنية للبلدية غير مؤهّلة لمراقبة تلك المخططات سواء من ناحية المؤهلات أو الوسائل الموضوعة تحت تصرفها، ومن جهة أخرى فقد حدثت ردة فعل ضد تطبيق هذه الآلية ابتداءً من سنة 2014 بالنسبة للمشاريع ذات الطبيعة السكنية، وتم الاكتفاء فقط بتقديم تقرير تقني يعدّه المهندس المدني المعتمد بدل القيام بدراسة الهندسية المدنية، وهذا وضع كارثي في بلد يتميز بنشاط زلزالي قوي.
بالنسبة للمشاريع العمومية، فقد تمّ إلزام الادارات العمومية بإرفاق المخططات للهندسة المدنية مع بقية المخططات وايداعها لدى هيئة الرقابة التقنية، غير أنّ المتتبّع للعلاقات الإدارية يتبين دون لبس وفي خرق واضح للقانون، إقصاء المهندس المدني المعتمد من العقود المباشرة مع أصحاب المشاريع، في مخالفة صريحة للقوانين السارية المفعول وللتعليمة الوزارية لسنة 1998، والتي تنص صراحة على وجود عقد يربط المهندس المدني المعتمد مع صاحب المشروع، علاوة على النص التأسيسي لاعتماد المهندس المدني وهو المرسوم 68-652، هذا القصور ينعكس على إقصاء المهندس المدني المعتمد من متابعة ملفه في مرحلة الانجاز وتسليم مهامه إلى المهندس المعماري المعتمد، الذي لا يحوز على الصفة للقيام بتلك المتابعة لعدم الاختصاص، وهكذا تتم متابعة مشاريع الدولة من طرف من لا اختصاص له في الهندسة المدنية والنتائج واضحة في ما أنجز من هشاشة في البنايات ورداءتها.
من جانب آخر، فإنّ نقابتنا تهيب بالوزير الأول للإسراع في الافراج عن قانون الهيئة الذي ظل حبيس أدراج الادارة، وهذا أمر لا يساعد إطلاقا في ترقية مهنة المهندس المدني الضامن الأول لمتانة الهياكل والمنشآت.
الجزائر تقع في منطقة نشاط زلزالي تفرض التّكيّف مع هذا الوضع، بماذا تنصحون أصحاب البناء الذاتي والمقاولين والسّلطات على حد سواء لضمان بناء آمن يحترم معايير الجودة والسّلامة؟
الزلازل هي قوى ربانية قاهرة لا نملك ردّها، ولكن نملك حماية أنفسنا ومنشآتنا من آثارها، وهذا كله قد تمّ تحديده في قانون مضاد للزلازل ووثائق تنظيمية تقنية عديدة يتقيد بها المهندسون المكلفون بالدراسات المدنية والمهندسون المراقبون ومخابر الجودة..كلهم من أجل ضمان بناء صلب متين وآمن.
إنّ تطبيق القانون وتمكين المهندس المدني المعتمد في قطاع البناء من ممارسة مهامه بالشكل الصحيح والقانوني يكفل لأصحاب المشاريع العمومية أمن واستقرار المباني، ويكفل للمقاولات العمل بسلاسة ويخفّض من نسبة الأخطاء والخسائر ويسرع في وتيرة الإنجاز، ويكفل لأصحاب المشاريع الخواص مساكن آمنة في ظل وجود عقود تضبط العلاقة بين الأطراف، وتحدد بوضوح المسؤوليات وتكفل بتقديم كل الضمانات.
لكن وجب على السلطات تحميل كل طرف مسؤوليته، وتطبيق العقوبات على الأخطاء المهنية، وفرض العقود اللازمة حتى لا يشيع الاستهتار بحياة السّاكنة وتبلغ الرّداءة سقفا لا يحتمل.