البروفيسور أوريدة ڤاسم لـ «الشعب»:

الطّفل المصاب بـ «كوفيد 19» ضحيّة لا وعي واستهتار

أجرت الحوار: فتيحة كلواز

قالت البروفيسور أوريدة ڤاسم، مختصّة في طب الأطفال بمستشفى جيلالي بلخنشير (بئر طرارية) بالعاصمة، إنّ الطفل المصاب بـ «كوفيد 19» هو ضحية مجتمع غير واع اتجاه إجراءات الوقاية الموصى بها من طرف الأطباء، كاشفة أن الدراسات العلمية أثبتت أنّ نسبة إصابته لا تتعدى 2 بالمائة من مجموع الإصابات الكلية، وتأسّفت في ذات السياق على «لامسؤولية» المجتمع تجاه الدور المنوط به في محاربة انتشار هذا الوباء، خاصة وأنه ما زال مرضا مجهولا عند العلماء.
وكشفت البروفيسور أوريدة ڤاسم في حوارها مع «الشعب»، أنّ الوقاية هي أهم سلاح في حرب الجزائر ضد جائحة كورونا، لأنّها بمثابة الجدار المانع لانتشار العدوى.

 الشعب: كيف تقيّمين الوضع الوبائي في الجزائر بعد تسجيل ارتفاع في عدد الإصابات؟
 البروفيسور أوريدة ڤاسم:  تكلّمنا كثيرا عن فيروس كورونا المستجد، أعراضه، طرق انتشاره وسبل الوقاية منه، رغم ذلك لاحظنا في الفترة الأخيرة خاصة بعد عيد الفطر تراخيا في احترام الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، واستهزاءً بكل التوصيات المعمول بها عالميا للحد من انتشار العدوى. هو استهتار غير مبرر من طرف المواطنين خاصة الأولياء الذين من المفروض أن يكونوا قدوة لأبنائهم، الأمر الذي انعكس سلبا على الأطفال، حيث سجّلنا ارتفاعا ملحوظا في حالات الكوفيد العائلية.
بل أكثر من ذلك تناسى المواطنون وجود فيروس اسمه «كوفيد 19» يتسبّب في مضاعفات خطيرة عند الكبار والصغار، حقيقة الإصابة عند الأطفال أقل لكن هناك فئة منهم تصاب بمضاعفات معقّدة تستدعي الاستشفاء ودخولها العناية المركزة.
المؤسف في الأمر أن فعلا بسيطا كارتداء القناع الواقي واحترام مسافة الأمان بين المواطنين لا يحتاج إلى بذل جهد كبير، لكن المواطن الجزائري لا يفعله لأنه غير مقتنع بأن هذا الفيروس حقيقي وواقع نعيشه، وأنه جائحة عالمية ستخلف وراءها وفيات كبيرة في مختلف الدول التي انتقلت إليها العدوى، فحتى هؤلاء الذين شفوا من المرض لا نعرف مستقبلهم كيف سيكون لأنّنا نجهل المرض وآثاره على الأمد الطويل.
هل تتعاملين مع أطفال مصابين بـ «كوفيد 19»؟
 طبعا، أتعامل مع أطفال «كوفيد 19» من خلال عملي في مستشفى جيلالي بلخنشير  (بئر طرارية)، حيث تأتي حالات أطفال مصابين بهذا الفيروس إلى مصلحة طب الأطفال مرفوقين بأوليائهم الذين يخبرون الأطباء بظهور أعراض الكوفيد، فقدان حاسة الشم، والإسهال وغيرها مثل الحمى والتعب، وفي أغلب الأحيان نلاحظ أن هناك حالة مشتبه فيها في محيطه العائلي، ونقوم بطلب الفحوصات المخبرية، وبعدها إذا استلزم الأمر وكانت الحالة بسيطة أو متوسطة نقوم بالحجر المنزلي، وإعطاء بعض الأدوية كخافضات الحرارة وغيرها، أما إذا كانت حالته تستدعي العناية المركزة والإنعاش نرسله إلى مصالح إنعاش الأطفال بمستشفيات أخرى.
وفي هذا السياق، يجب أن يعلم المواطن أن الأماكن (الأسِرَّة) بالعناية المركزة للأطفال جد ثمينة تبقى مع تزايد الحالات في عدد المصابين، للحالات التي تعاني مضاعفات خطيرة.
 
الطّفل والخوف من الموت

ما هي ردّة فعل الطفل عند إخباره بإصابته بـ «كوفيد19»؟
 عندما يعلم الطفل بإصابته بـ «كوفيد 19» خاصة فئة المراهقين يكون أول رد فعل الخوف والتساؤل عن مدى صعوبة المرض، فمرادف هذا الوباء في مخيلته هو الموت، وبالرغم من تطمينات الطبيب بأنه سيشفى بعد تناوله الدواء الموصى به يبقى الخوف مسيطرا عليه، تخيل نفسية هذا الطفل الذي يعلم بإصابته بـ «كوفيد»، والصدمة الكبيرة التي يشعر بها في هذه اللحظة، على الرغم من أنه ضحية أولياء مستهترين وغير مبالين ومحيط مستهزئ بإجراءات الوقاية، هو ضحية مجتمع غير واع، ويكون الخطر مضاعفا بالنسبة للأطفال الذين يعانون أمراضا مزمنة بسبب ضعف مناعتهم، فيجب إعطاء هذه الفئة حماية وعناية خاصة لإمكانية تطور المرض الى مضاعفات لا يحمد عقباها قد تصل الى الوفاة لعدم امتلاكهم للدفاع الذاتي اللازم.
فعند هذه الفئة يكون الاستهزاء أسرع طريق للوفاة، لذلك نحرص كأطباء في مختلف مصالح الأطفال على احترام الإجراءات الوقائية بصفة صارمة عند المعاينة والفحص والمتابعة، لكن بمجرد عودتهم الى المنزل يقوم الجميع بزيارتهم قادمين اليهم من مختلف مناطق الوطن، غير مبالين بخطر نقل العدوى لهم. لذلك كان الوعي دائما أكبر سلاح في حرب الجزائر ضد الكوفيد 19.
هل يطبّق الأولياء التّوصيات بحذافيرها عند إصابة أبنائهم بـ «كوفيد»؟
^^ عندما نخبر الأولياء عن إصابة طفلهم بالكوفيد 19، يجدون أنفسهم أمام واقع مرّ كان سببه استهتارهم بإجراءات الوقاية، خاصة وأنّ أغلبهم يصابون في المحيط العائلي، هناك شرخ في الالتزام واحترام التوصيات العامة لمنع العدوى، لذلك عند التأكد من إصابة الطفل بالفيروس وبعد الاتصال بالطبيب للمعاينة، وإجراء فحوصات مخبرية كاختبار المسح الأنفي الطويل، ينبغي في الحالات الخفيفة او المتوسطة لمدة لا تقل عن 15 يوما، عزله في غرفة لوحده مع استعمال أدوية خافضة للحرارة، الإكثار من شرب السوائل، إعطاء الطفل المصاب فيتامينات والزنك، تجنب اختلاطه مع الأطفال والمسنين وذوي الأمراض المزمنة، من المستحسن تواجد شخص واحد للعناية به مع وضع القناع الواقي وغسل اليدين بصفة متكررة، أما إذا كانت الحالة صعبة تستدعي الحصول على عناية طبية خاصة، فيجب الاتصال بأقرب مركز للطوارئ للاستشفاء.
لكن في كثير من المرات نلمس عدم وعي الأولياء، فهم يسمعون ولا يطبّقون، فعند رجوعهم إلى العائلة وبعد تطبيق العزل الاجتماعي نطلب منهم منع الزيارات العائلية، واذا كانت هناك أعراض أخرى بعد 15 يوما عليهم العودة الى الطبيب، طبعا نأخذ رقم الهاتف حتى نتصل بهم، لكن صدقيني عندما نتصل ببعضهم مرة أخرى لا يردون على المكالمة، ما يتسبب في حيرة الطبيب الذي يسأل عن تلك الحالة المرضية في مختلف مصالح الإنعاش للاستفسار عن حالة المريض خوفا من تطورها إلى أعراض معقّدة تستدعي دخولها العناية المركزة، هذه لامبالاة غير مبررة من طرف الأولياء.

موجة أولى لا ثانية

  هل يمكننا الحديث عن موجة ثانية؟
 الحقيقة أننا اليوم أمام حالة من اللاّوعي ندفع ثمنها غاليا في هذه الأيام، وفي رأيي الخاص نحن اليوم نسجّل ذروة الجائحة، نحن اليوم أمام وضع خطير لأن الأرقام ربما مضاعفة فليس كل المواطنين يخضعون لاختبار مسح الانف، هذا ما ظهر فقط وما خفي أعظم، أنا اليوم أتكلم بكل مرارة ومتأسفة لما وصلنا اليه بسبب غياب الصرامة في تطبيق الإجراءات الوقائية.
هي ليست موجة ثانية لأننا ما زلنا في الموجة الاولى لم نخرج منها بعد، كل يوم يلقّننا هذا الفيروس درسا جديدا لكن لم نستطع فهمه بعد، لذلك كانت الوقاية أنجع علاج له، وأعني بالوقاية هنا الوعي الذاتي والشخصي للمواطنين، لأن الطبيب يوصي بالوقاية لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو هل سيلتزم الشخص بها أم لا؟
والى جانب الأطباء نجد الاعلام بمختلف وسائله يحرص على نشر كل ما يجب ان يعرفه المواطن عن الوباء وطرق الحد من انتشاره، لكن عندما نرى الأسواق ما زالت مكتظة بمتسوقين جاؤوا لشراء مستلزمات غير ضرورية للحياة، نتأسف ونصاب بخيبة كبيرة، فدائما نؤكد على ضرورة  خروج شخص واحد من العائلة لشراء المتطلبات اليومية لأنها خطوة مهمة للتخفيف من آثار الجائحة.
والأكيد أن العكس يحدث فكل افراد العائلة يخرجون، الاب، الام والأطفال وفي بعض الأحيان يخرجون جميعا الى الاسواق، المراكز التجارية، الشوارع والأماكن العامة، ويا ليتهم يحترمون قواعد الوقاية فتراهم يتجولون بدون قناع واق، في غياب تام لاحترام قواعد الوقاية والالتزام بالتباعد الجسدي، يتناولون فيها طعاما بدون تعقيمه وبدون غسل الايدي.
هل يؤثّر استهزاء المواطنين بإجراءات الوقاية عليكم كأطبّاء؟
  نعم، هو أمر مخيّب للآمال لكنه لن يكون سببا في تثبيط عزيمتنا كأطباء، ولن يثنينا عن القيام بواجبنا كاملا تجاه المرضى، فالجيش الأبيض والاعلام عليهما مواصلة كل المجهودات المبذولة من أجل توعية المواطنين بخطورة الوضع، لا يجب ان يكون الاستهتار والتخاذل الذي نراه سببا في تخليهما عن الدور المنوط بهما، حتى تفوز الجزائر بمعركتها ضد «كوفيد 19».
فالاستهزاء وصل الى درجة الذهاب الى الاعراس والجنائز رغم تأكيد الأطباء على أن الوباء العالمي مرض موجود ولن يكون التخلص منه بالوقت القريب، لذلك وجب على الأمهات عدم التراخي في تطهير الاسطح وأماكن لعب الأطفال، فيجب الانتباه الى ان الطفل مكانه في المنزل وليس الشارع، يجب ان نحافظ عليه في مكان نظيف، مع الحرص على إعطائه طعاما صحيا يساهم في تقوية مناعته خاصة في هذه الظروف التي نمر بها اليوم، يجب ان يكون الشخص الكبير قدوة للطفل الصغير بغية تشجيعه على الالتزام بالوقاية.
ما هي النّتائج التي توصّلت إليها آخر الدّراسات العلمية؟
 توصّلت آخر الدراسات البحثية حول كوفيد 19 الى أن عدد الوفيات عند الأطفال اجماليا بالفيروس اقل بكثير عما هو مسجل عند الكبار، فقد أثبت علميا ان نسبة إصابة الأطفال هي 2 بالمئة من الإصابات الكلية، منها ثلثان (2/3) تصاب بأعراض خفيفة الى متوسطة، أما الثلث الأخير (1/3) تصاب بمضاعفات خطيرة قد تؤدي الى الوفاة، خاصة اذا كان الطفل يعاني مرضا مزمنا كالسرطان والاورام، أمراض المناعة الذاتية، أمراض الرئتين والربو والسكري.
وحسب آخر الأرقام العالمية، فإن نسبة الوفيات عند الأطفال بـ «كوفيد 19» هي 10 الاف مرة اقل من عدد الوفيات عند الكبار، و1000 مرة اقل من الحالات المستعصية مقارنة بالكبار، و100 مرة اقل من حالات الاستشفاء مقارنة بالكبار، و10 مرات اقل إصابة مقارنة بالكبار، لكن يجب توخي الحذر في بعض الحالات الصعبة التي تصيب الاطفال كمتلازمة «كاوازاكي» التي هي مرض معروف عند الأطباء منذ 1967 وليس بمرض جديد، والفيروس التاجي يستطيع ان يكون محفزا لهذا المرض.
كما أثبتت الدراسات أيضا ان الأطفال ليسوا بناشرين مفرطين للعدوى بتلك الدرجة التي قيلت في بداية الجائحة، عدد الوفيات عندهم اقل وتكون حالات الوفيات وسط الأطفال الذين لا يتجاوز سنهم السنتين بسبب عوامل متداخلة منها التاريخ المرضي للطفل، فعندما تكون لديه امراض أخرى تستطيع ان تكون الإصابة بالغة وتؤدي الى الموت.
وهناك نظريات عديدة، فهناك من يجزم ان الطفل من 1 الى 5 سنوات اكتسب مناعة تحميه من الإصابات خاصة الخطيرة منها، نظرية أخرى تقول ان الطفل يفتقد الى متلقي لهذا لا يصاب بالعدوى، لكنها تبقى نظريات غير مؤكدة تتطلب دراسات في المستقبل، فمازال هناك غموض كبير في خاصية نشر الوباء عند الطفل، وتفاوت خطورته مقارنة بالكبار.  
في بداية الجائحة كان هناك اعتقاد سائد، بان الأطفال محصّنون ضد الإصابة بالفيروس، ثم مع مرور الوقت بدأ هذا الاعتقاد يتلاشى شيئا فشيئا، حتى وصلوا الى القول بان الأطفال معرضون الى العدوى وانهم ليسوا محصنين ضدها.
ماذا يجب أن يفعله الكبار لتفادي إصابة الأطفال بالعدوى؟
 من أهم الإجراءات الموصى بها غسل اليدين بالماء والصابون، غسلا فعّالا لمدة لا تقل عن 20 ثانية مع الفرك والغسل بين الأصابع تكون بصفة متكررة في اليوم، استعمال مناديل ورقية عند السعال والعطس ورميها فورا في سلة المهملات مع غسل اليدين بعد ذلك، ترطيب الحلق بشرب السوائل خاصة الماء فيه قطرات من الليمون عدة مرات في اليوم، تعزيز مناعة الطفل من خلال التغذية الصحية في هذه الفترة بتناوله الخضروات وفواكه تحتوي على فيتامين «سي» والزنك.
توعية وتعليم الأطفال إجراءات الوقاية بطريقة مبسطة، وضع قناع واق مصنوع من القماش للأطفال الأكبر من سنتين في الأماكن العامة، التقليل من الخروج الا للضرورة، تطهير وتنظيف المنزل وأسطح الأماكن المشتركة للعب التي تلمس من طرف الطفل بشكل متكرر مثل مقابض الأبواب، مفاتيح الإنارة، الهواتف، أجهزة التحكم عن بعد، وكذا غسل الألعاب التي يضعها الطفل في فمه بالماء والصابون وتجفيفها، وأخيرا الالتزام بجدول اللقاحات ومواعيد المراجعة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024