جـزائر عادلـة يجـــد فيها كـل مـواطن الحق في التعــبير والعــيش الكـــريم
مختلــف الحكومـات لم تعـــط الصحافـة دورها في إعـداد جزائـر سيّـدة
يدلي الصحفي المخضرم، شنوف دحمان، في هذا الحوار بمناسبة عيد الاستقلال بانطباعاته وقراءته للحدث البارز في الذاكرة الجزائرية، من الطفولة، وكيف عاش رفقة الأسرة، يوم 5 جويلية 1962، إلى الروابط بين الذاكرة والظرف الراهن في ضوء الحراك الشعبي السلمي، مرورا بالحرية في أسمى معانيها والدور الذي يقوم به المجتمع المدني من خلال المكانة التي يخصها به الدستور.
-«الشعب»: ما هي الذكريات التي تحتفظ بها عن يوم 5 جويلية 1962، كيف عشته، خاصة الطفولة تحت الاحتلال؟
دحمان شنوف: كان يوما حارا، أتذكر جيدا، أمسك بيد والدي، كنا في ساحة الشهداء، رفقة والدتي، أختي وأخي وسط رجال ونساء وأطفال يغنّون ويرقصون ويتبادلون القبلات. لم أكن اعرف جيدا معنى تلك الفرحة، ما عدا حالة الخوف الذي كنا نشعر به من الجنود الفرنسيين. والذي أصبح يمكنه التوجه إلى عمله دون خشية خطر رؤيته عائدا ووجهه ملطخ بالدماء كما حدث قبل سنة. كنا نحمل على رؤوسنا قبعات بألوان الجزائر ونحمل الراية الوطنية بقبضة قوية خشية أن تنتزعها منا الجماهير.
شعرنا بالعطش والجوع، لكن رفضنا مغادرة الاحتفال وكانت أول مرة نشاهد فيها عددا كبيرا من الجزائريين يحتفلون في الشارع بكل حرية. وأتذكر الكلاب التي تهددنا كل صباح لما نذهب إلى المدرسة، جنود الاحتلال يجوبون الأحياء بلا توقف مع صوت الرصاص الذي يطلقونه وصرخاتهم المرعبة تجعلني ارتعش مثل ورقة .. كان وضعا رهيبا.
- تصادف الذكرى 58 مع الحراك، هل هناك عناصر مشتركة؟
طبعا يوم 5 جويلية عيد الاستقلال ونتيجة كفاح لعشريات خاضها الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي الكولونيالي. الاضطهاد والمصادرة والتقتيل، السرقة والاغتصاب، الإبادة كانت أسلحة الاستعمار، وضد كل هذا خاض شعبنا الحرب.
واليوم الحراك تعبير عن مشاعر اللاعدل، يعبر عنها مواطنون ضحايا الظلم سياسيا واجتماعيا وتربويا وصحيا وجامعيا ورياضيا، كل جزائري خرج على طريقته لإظهار عدم الرضا ضد منتخبين، أحزاب سياسية بعيدة عن واقع المواطنين، حكام صمّ تجاه حقهم في السكن ومدرسة ناجعة وصحافة ديمقراطية وإعلام مفتوح للنقاش المتناقض.
خرج الجميع للتظاهر، نساء وأطفال ورجال، شيوخ، صحافيون، جامعيون، أطباء، فلاحون وعمال وموظفون. كان ذلك من أجل جزائر عادلة يجد فيها كل جزائري الحق في التعبير والعيش الكريم مع العلاج والتقاعد في كرامة والشعور بالانتماء إلى مجتمع بحاجة إليه.
- الهدف المركزي للاستقلال الحرية، خاصة التعبير، ما هي قراءتك لوسائل الإعلام اليوم، مقارنة ببيان أول نوفمبر؟
يجب التذكير بأن الصحفي محمد العيشاوي (1929-1959) من كتب بيان أول نوفمبر 1954 بإملاء من محمد بوضياف، ومراد ديدوش في محل للخياطة للمناضل في حزب «الشعب» عيسى كشيدة في القصبة السفلى.
الصحفي محمد العيشاوي تم توقيفه بمجرد عودته من منطقة القبائل، حيث تمت طباعة وثائق بيان أول نوفمبر، بمنزل عائلة زعموم. كان هدف البيان استقلال الجزائر، أولا من خلال إقامة دولة جزائرية سيّدة ديمقراطية واجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية، وثانيا احترام كل الحريات الأساسية بدون تمييز بالعرق أو الدين.
في هذا البند، جاء بوضوح أن هذه الملاحظة تعني الصحافة، لكن ألاحظ وجود محيط شاسع بين الحقيقة المتضمنة في بيان أول نوفمبر والصحافة، واليوم بصراحة، مختلف الحكومات لم تعط الصحافة دورها في إعداد جزائر سيّدة. وهناك عمل كبير ينتظر في 2020 من حيث المكانة التي يوليها لها الدستور، لننتظر ونرى.
- الثورة حملها الشعب، كيف يمكن جعل المجتمع المدني فاعلا انطلاقا من الدستور؟
لا تزال الممارسات الإدارية تعيق المواطنين الراغبين في إنشاء جمعياتهم، وموقف السلطة تجاه الجمعيات لا يزال بين اعتبارها أدوات أو الهيمنة أو التحرش بها. عدة جمعيات توجد تحت «رحمة» قرارات إدارية تعسفية. في حالة الطوارئ كل مظاهرة أو اجتماع عمومي ممنوع.
لا يجب أن نحلم، فالطبقة السياسة والمجتمع المدني على درجة من الضعف، كما يشرح ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع وعضو المنتدى المدني للتغيير. صحيح الحركة الجمعوية غير مرفوضة من الشارع مقارنة بالأحزاب، لكن الجميع ضعيف. والظرف الحالي يمكن أن يشكّل، بحسبه، فرصة للطرفين للانفتاح على المجتمع والأمل في تمثيله. «الاثنان لهما دورا في هذه الفترة من التحوّل لأنه يقع على عاتقهما حمل صوت حركة المواطن»، كما يؤكده. غير أنه بالنسبة للمختص في الاجتماع، الوقت للانسجام والتكامل، ويقول: «نحن في مرحلة حساسة ومن الضروري ترك الخلافات السياسية والإيديولوجية جانبا لمصلحة البلاد».
وإذا منح الدستور إطارا لبروز مجتمع مدني بقوة تمثيلية لكافة الجزائريين نبني جزائر كبيرة، لأنه لا نثق في أحزاب سياسية تستعمل أوراقنا الانتخابية لمصلحتها، فالعالم المعاصر، يبنى، على ومع، المجتمع المدني.