المختص في القانون الدستوري علاوة العايب لـ«الشعب»:

الوثيقة الدستورية مقدسة يجب أن تكون شاملة، مختصرة ودقيقة

حاورته: زهراء.ب

 المسودة بحاجة إلى تنقيح لصياغة دستور توافقي يتجاوز مداه الازمات

يرى البروفيسور علاوة العايب المختص في القانون الدستوري، في حوار مع «الشعب» أن مسودة مشروع تعديل الدستور، تضمنت غزارة من المواد  واولبنود، وووهي بحاجة إلى إثراء  وتنقيح، من طرف جميع الأطياف  واولشخصيات السياسية ووالوطنية والمختصين، للوصول إلى دستور توافقي يستمر الى سنوات دون المساس به.
واعتبر أن التعديل الدستوري جاء استجابة للظرف الذي نعيشه، و نتيجة للحراك الشعبي في 22 فيفري، وقد كرس ما وعد رئيس  الجمهورية به خاصة فيما يتعلق بتعزيز الحريات الفردية والجماعية، و الفصل بين السلطات، و إعادة منصب رئيس الحكومة بصلاحياته، ناهيك عن تعزيز العمل القضائي الدستوري بإنشاء محكمة دستورية ستضطلع بالإضافة إلى مهامها بدور تقديم الاجتهادات والاستشارات.
- الشعب: ماهي قراءتك الأولية للتعديلات الواردة في مسودة مشروع تعديل الدستور؟
 علاوة العايب: مسودة مشروع تعديل الدستور فيها نوع من التداخل ومن غزارة المواد و الفقرات و البنود، أكثر من 240 مادة، كان البعض منها يفترض أن تدرج في مواضع أخرى سواء في قوانين العقوبات أو الإجراءات الجزائية، أو في قوانين عضوية لأن هذا مجالها.
 نحن نريد أن يكون الدستور عاما  ومختصرا، ولا ننزل به إلى مرتبة القوانين الأخرى، حتى نتكلم فيه عن الحقوق  ووالتفاصيل التي مجالها القوانين الأخرى سواء العضوية أو التنظيمات، أو ما شابه ذلك.
على كل حال نشكر من قام بوضع أرضية مشروع تعديل الدستور، و هو عمل يحتاج إلى إثراء و مناقشة و إبداء رأي و تنقيح، حتى الرئاسة في مراسلتها قالت أنها أرضية عمل للانطلاق منها، و على كل من يهمهم الأمر من الطبقات السياسية  والاكاديمية  والنقابية ووحتى رجال الإعلام وكل الطاقات الحية المشاركة في إثرائه فالجميع معني بهذه الوثيقة حتى نصل الى التوافق المطلوب لهذا الدستور.
 وهي فرصة بعد عشريتين من شخصنة السلطة ومن دساتير على المقاس، لوضع دستور توافقي و ليس دستور أزمة لأن كل دساتير الجزائر سواء الأصلية أو المعدلة جاءت نتيجة لأزمات معينة ابتداء من دستور سبتمبر 1963 الى دستور نوفمبر 1976 و تعديلات 1980 و 1982 و 1988 ثم دستور فيفري 1989 الذي جاء بعد أحداث 88 ثم دستور 1996 الذي جاء في خضم العشرية السوداء ثم تعديلات 2002 و 2008 و 2016 و التي عرفت نوعا من الشخصنة، خاصة تعديل 2008 الذي كان مشؤوما على التاريخ الدستوري  وووالمؤسسات الدستورية  خاصة في الفصل بين السلطات.
بالإضافة إلى ذلك استجاب التعديل الدستوري للظرف الذي نعيشه فلا ننسى أن التغيرات كلها جاءت نتيجة للحراك الشعبي 22 فيفري 2019، وقد تم تمجيد هذا الحراك و النص عليه في الديباجة وهذا شيء مهم حتى يبقى للأجيال القادمة وتعرف كيف جاء، نتمنى أن يبقى هذا الدستور ويستمر الى سنوات دون المساس به وبالتالي يتعين تنقيته من الشوائب و الغموض والتفصيلات.
- قلتم أن بعض المواد كان يفترض إدراجها في قوانين عضوية وليس ضمن احكام الدستور هل من توضيح أكثر؟
 اقصد بعض المواد المتعلقة بحقوق الانسان و تلك المنصوص عليها في القوانين، مثلا نعرف أنه عندما تصادق الجزائر على معاهدات دولية وتنشر في الجريدة الرسمية تصبح هذه المعاهدات جزءا من القرار الداخلي الجزائري  وبالتالي لا داعي الى النص عليها في الدستور، التكيف والتجانس وعدم الاختلاف بين القانون الداخلي و الدولي هذه معروفة فدائما الدول لا تصادق على المعاهدات الدولية الا بعد تغيير قوانينها الداخلية حتى تكون متلائمة ومتكيفة مع القوانين الدولية و هذا منصوص عليه في الدستور الجزائري سواء دستور 1996  أو في 2016 و حتى الآن، هذه الأمور من المسلمات.
 كذلك توجد مواد أخرى مثل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، يمكن إدراجها في قانون الانتخابات ونفس الأمر بالنسبة للتجوال السياسي يمكن النص عليه في قانون الأحزاب السياسية، لسنا مجبرين النص على ذلك في الدستور، الوثيقة الدستورية مقدسة يجب أن تكون عامة وشاملة ومختصرة و دقيقة.
الحقوق والحريات مكفولة والإشكال في ممارستها
- هل كرست التعديلات الواردة الحقوق الأساسية والحريات العامة مثلما كانت تطالب به الأحزاب والجمعيات وحتى الأفراد، خاصة و أنها تحدثت لأول مرة عن التصريح بدل الترخيص لممارسة نشاط أو عقد اجتماع؟
 الحقوق و الحريات دائما مكرسة في الدساتير الجزائرية، و الدستور وثيقة دائمة تعبر عن الأمة والدولة، الأمة تجسد وتكرس الماضي و تتعامل مع الحاضر وتستشرف المستقبل، وبالتالي هذه الوثيقة، لها أداب و نصوص خاصة بالحقوق و الحريات لأن معيار التعامل مع الدول على المستوى الدولي هو احترامها لحقوق الانسان، و تمجيد حقوق الانسان و الحماية و الترقية يكون في الدستور، والنص عليها في هذه الوثيقة يجعلها بعيدة عن التحريف.
 في حين تدرج التفصيلات الأخرى في القوانين المختلفة كل في مجاله، فاذا تكلمنا عن نزاهة وشفافية الانتخابات تكون في قانون الانتخابات، العدالة في القانون الأساسي للقضاء و القوانين المختلفة للجمهورية خاصة المتعلقة بحقوق و حريات الافراد، و أعني بذلك قانون العقوبات و قانون الإجراءات الجزائية القائمين على أساس الشرعية و المشروعية  و الأكثر من ذلك سمعة الدولة على المستوى الدولي يمكن النظر اليها من خلال احترامها الى مبدأ حقوق الانسان و دولة الحق و القانون و مدى الخدمات المقدمة لرعاياها و مواطنيها و ساكنيها، وهذه أصبحت مطلب الدول التي تشترط  في تعاملها مع دولة أخرى أن يكون سجلها أبيض في حقوق الانسان وليس أسود، لذا حقوق الانسان دائما تكون منصوص عليها في الدستور وهي من ثلاثه أجيال.
 الجيل الأول يتعلق بالحقوق المدنية و السياسية و تسمى في القانون الدولي حقوق سلبية، بمعنى أن الفرد يتمتع بها بمجرد ولادته و هي رفيقة به ولا تحتاج الى امكانيات حتى يتمتع بها، ويكفي على الدولة عدم التدخل فيها و قمعها، و الجيل الثاني الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية هذه يتمتع بها الفرد وتقدمها الدولة للأفراد حسب امكانياتها المتاحة وهذا الفرق بين الجيل الاول و الثاني، أي تقدم الحق كالعمل و السكن و التعليم العالي كل حسب امكانيات الدولة واذا لم تكن لديها امكانيات لا تلام على ذلك، و تأتي الحقوق من الجيل الثالث وهي الحق في البيئة و التنمية المستدامة الحقوق الجماعية حق تقرير المصير.
ما تكرر في هذه التعديلات الحق في العيش في بيئة نظيفة توفير المياه الصالحة للشرب، الحق في الحفاظ على المحيط و حمايته من التلوث و أسندت هذه المهمة الى المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، و هذا شيء مستحسن، و بالتالي الحقوق و الحريات مكفولة و مضمونة يبقى الاشكال في كيفية ممارستها.
والجديد في التعديلات أن حرية الرأي و التعبير، و التجمع و إنشاء الجمعيات و الأحزاب السياسية اكتفى فيها المشرع في مسودة التعديل بالتصريح، ليس كما كان عليه الوضع من قبل تنتظر الترخيص لممارسة النشاط أو تنظيم تجمع أو اجتماع، و التصريح معناه عدم تعسف الإدارة في منح رخصة الخروج أو الاجتماع أو إنشاء جمعية لذا اكتفى المؤسس الدستوري بالتصريح، معناه إذا لم تحصل على موافقة الجهة الإدارية بعد مدة معينة من الزمن، لان سكوتها معناه الراضا، افعل ما شئت في إطار القانون، بالإضافة إلى أن الجمعيات لا يمكن حلها إلا بحكم قضائي.
...تقليص صلاحيات الرئيس وعد تم الوفاء به
- هل ترى أن التعديلات المقترحة فصلت بشكل دقيق بين السلطات وحددت بوضوح طبيعة نظام الحكم؟
 رئيس الجمهورية خلال الحملة الانتخابية وعد بتقليص صلاحياته وقد أوفى بهذا، و الدليل الرجوع إلى دستور 1996 و الدساتير التي قبله، في أن تكون السلطة التنفيذية برأسين، رئاسة الجمهورية والحكومة، وهناك صلاحيات محددة وأخرى سيحددها الدستور بكل دقة، كذلك هناك قرارات في مجال المراسيم الرئاسية المختصة برئاسة الجمهورية والتنفيذية من اختصاص رئيس الحكومة، وهذه مسألة مهمة لإعطاء رئيس الحكومة سلطات واسعة.
من سلطات رئيس الحكومة كذلك أنه يختار وزراء بالتشاور مع رئيس الجمهورية و يقترحهم له لتعيينهم، كذلك له برنامج الحكومة وليس برنامج رئيس الجمهورية مثلما كان من قبل، يقدمه في مجلس الوزراء للمصادقة ثم ينزل للبرلمان لاعتماده و تبنيه ، لكن التعديلات تضمنت نقاطا قديمة جديدة فيما يخص تعيين رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة و انهاء مهامه، حيث يعينه بعد استشارة الأغلبية البرلمانية و لكن رئيس الجمهورية غير ملزم بتعيينه من الأغلبية البرلمانية و لو كان ملزما بذلك كما يدعيه البعض عن سوء فهم لكنا أمام نظام برلماني وليس شبه رئاسي أو مختلط، و لكن الشيء الجديد أن رئيس الحكومة يأخذ بعين الاعتبار في برنامجه برنامج الأغلبية البرلمانية و يدمجها في برنامجه، حتى يحظى بموافقة المجلس الشعبي الوطني و لا يرفض من قبل النواب، لذا من مصلحته إدماج أهم المحاور الأساسية لبرنامج الأغلبية البرلمانية حتى يكون هناك نوع من الانسجام بين عمل المؤسستين التشريعية و التنفيذية.
- ورد ايضا إنشاء محكمة دستورية بدل المجلس الدستوري، إلى أي مدى ستساهم هذه المؤسسة في تعزيز العمل القضائي الدستوري؟
الدستور نزع التشريع بالأوامر في العطلة البرلمانية و أبقاه في الظرف الاستثنائي، فبإمكان رئيس الجمهورية التشريع في الظروف الطارئة بالأوامر، ولكن هذه الأوامر ستخضع الى الرقابة القضائية للمحكمة الدستورية، و تعرض على البرلمان فيما بعد، و المحكمة الدستورية اصبح من اختصاصها القوانين و التنظيمات و المراسيم وهذا شيء جديد، وهي تعوض المجلس الدستوري الذي كان يغلب عليه الطابع السياسي، و هذه المحكمة أكيد سيغلب عليها الطابع القضائي لأنها ستتكون من رجال قانون محترفين و مختصين في المجال الدستوري و ليس القانوني فقط .
لذلك المحكمة الدستورية ستعزز القضاء الدستوري، لكن حسب رأي أعتقد أن توسع تشكيلتها إلى 15 قاضيا أو 18 قاضيا لأن هذه المحكمة مهمتها تقدم اجتهادات دستورية بالإضافة إلى المهام القضائية و والاستشارية فيمكن مثلا من مؤسسات الدولة المختلفة أن تطلب من المحكمة الدستورية توضيح و تفسير حكم أو مادة معينة لها كثير من الدلالات و المفاهيم، و عليه يستحسن أن يكون عدد أعضائها أكبر من 12، و يجب اختيارهم حسب الكفاءة و المستوى العلمي.
- تحدثت الوثيقة عن إمكانية تخصيص بعض البلديات بنظام خاص؟
حسن فعلوه عندما أدرجوا هذا البند لان في ذلك مراعاة للواقع فالبلديات تختلف عن بعضها البعض، توجد بلديات ذات كثافة سكانية و أخرى لا، و هنا لا يمكن المساواة بين الاثنتين، وهذا المقصود حسب رأيي، مراعاة خصوصيات و ظروف بعض بلديات المدن الكبرى، و التأسيس لها في الدستور مهم، و كلنا نتذكر محافظة الجزائر الكبرى التي أنشئت دون سند قانوني أو دستوري لها و تم التخلي عنها لأنها أوجدت بقانون خارج الدستور الذي يعترف  فقط بالبلدية و الولاية، و بالتالي وضع هذه الفقرة شيء محبذ لأن الأعباء و الخدمات التي تتولاها البلديات الكبرى تختلف عن البلديات الأخرى، ولابد أن نراعي ذلك، لأن لها مهام واختصاصات و أعباء تحتاج إلى نص دستوري حتى تعمل في إطاره.
- لأول مرة تم إدراج مادة تسمح للجيش الوطني الشعبي بالمشاركة في الخارج بعد العودة للبرلمان؟
 للجزائر سمعة طيبة على المستوى الدولي سواء الإفريقي أو الأممي أو العربي، فهي منذ الاستقلال أصبحت في ثقافتها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، و على هذا الأساس كونت سمعة لها كدولة حيادية و ذات مصداقية مما جعلها تقوم بعدة أدوار في حل النزاعات الثنائية بين الكثير من الدول في مختلف القارات.
والجزائر عندما يسمح دستورها بمشاركة قوات الجيش الوطني الشعبي سواء في حفظ السلم الدولي أو استعادته و لكن تحت إشراف الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي، لا يتعارض هذا مع مبدئها، بل ستأخذ موقف أكثر ايجابية دوليا لأنها أكثر مصداقية و القوات هي قوات دفاعية و ليست هجومية، و الأمم المتحدة دائما تطلب من الدول الأكثر مصداقية أن توفر لها قوات للمشاركة في حفظ السلام أو استعادته.
كلمة أخيرة
نتمنى أن نصل إلى وضع دستور توافقي بين الطبقات السياسية و الأكاديمية و المهنية و المختصين، و أن نضع دستورا مختصرا، يمكن حمله في الجيب حتى يتمكن كل شخص من الاطلاع عليه حينما يريد، لذا يتعين علينا إعادة النظر في بعض بنود الدستور و نكتفي بأمهات المسائل حتى تكون مواده دسمة، واضحة ودقيقة كي نلم به، تبقى القوانين يمكن ان نستدل ونسترشد بها كلما احتجنا اليها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024