بـلادنا اجتـازت محطــات صعبـــــة وشهـــدت أزمــــات جابهتهـــا بقـوة وعبقرية
للاتحاديــة مقترحــــات واقعيّـة ومفصّلـة تمّ تقديمهـا للـوزارة الوصيــة
التعليــم عــن بعــد مرهـــون بتسهيـــلات للطلبـــة في الأجهـــزة وتدفـــق الانترنيت
يكشف الدكتور عمارنة مسعود أمين عام الاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي عن تصور تفادي سنة بيضاء في ظل تداعيات فيروس كورونا (كوفيد-19) الذي عطل الجامعة والحياة الاقتصادية عامة، موضحا إمكانية تجاوز المرحلة إذا تضافرت الجهود ووضعت الإمكانيات. ويفصل في هذا الحوار لـ «الشعب» في مسألة التعليم عن بعد كبديل لتأمين مواصلة الموسم تحسبا للوافدين الجدد إلى الجامعة بعد إجراء امتحان البكالوريا ما يتطلب تنسيقا مع التربية، كما يبرز عودة الجامعة من بوابة مراكز البحث إلى الواجهة محولة الوباء الفيروسي إلى فرصة لتأكيد الحضور كشريك أساسي في بناء نهضة علمية تمنح المناعة من الوقوع في مخالب أزمة متعددة الأشكال اقتصادية، مالية وصحية.
- الشعب:تعيش الجامعة في ظل الوباء (جائحة كورونا) وضعية صعبة، هل تتجه إلى سنة بيضاء وكيف يمكن تفادي ذلك؟
د. عمارنة مسعود: ما تمر به الجامعة الجزائرية في ظل وباء كورونا يشكّل ظرفا صعبا، وهو ما تمر به كذلك الجامعات في العالم بأسره، ومثلما أثرت الجائحة على نمط سير جميع القطاعات، تشهد الجامعة بدورها ظروفا استثنائية، دعت إلى تمديد العطلة واتخاذ إجراءات خاصة، بشكل ظرفي، لكن، ترى الاتحادية أنه بالرغم من صعوبة الوضع إلا أنه نستبعد السنة البيضاء لما هو متوفر من حلول وإمكانيات، ولنا من الوقتِ لتدارك هذا التأخير.
وبشكل آخر، يجب أن نأخذ الأمر بسعة أفق وبصيرة لتجاوز الوضع بنجاح، فلا ننسى أن بلادنا اجتازت محطات صعبة في تاريخها، وشهدت أزمات ظرفية جابهتها بقوة وعبقرية خلّاقة. وإن استلهام الحلول من هذه الأزمات أمر ضروري، فقد عرفت البلاد أوقات صعبة تم الانتصار عليها واستمرت الجامعات في تقديم الدروس، وتجري الامتحانات والمسابقات المختلفة، إذ في رصيدنا خبرات سابقة، فقد سبق وأن شهدت الجامعات وضعيات من قبل فرضت عليها التوقف الكلي أو الجزئي ولمدة أطول مقارنة بالوضعية الناجمة عن وباء فيروس كورونا، واستطاعت أن تستدرك الدروس النظرية والأعمال الموجهة والتطبيقية، وإجراء امتحانات السداسي الثاني بدورتيه، وأن تجري مسابقات الماستر والدكتوراه.
والآن نحن في وضع يتّسع لحلول أكبر مقارنة بما مضى، ففي الموسم الماضي لم نستعمل الدعائم البيداغوجية بواسطة تكنولوجيات الاعلام والاتصال الحديثة، وهذا ما يصنع الفارق حاليا، لذلك نستبعد السنة البيضاء إطلاقا، ولنا من الخيارات المطمئنة والتي تجعلنا يقينا نؤمن بقدرتنا وقوتنا في تجاوز تداعيات الجائحة، وللاتحادية مقترح واقعيّ ومفصّل في هذا الخصوص، تمّ تقديمه للوزارة الوصية.
لا بديل عن التعلم الالكتروني حال استمرار الجائحة
-واضح أن التعليم عن بعد أصبح حقيقة، لكن هل بإمكانه تحقيق النتائج المرجوة بيداغوجيا بالخصوص؟
التعليم عن بعد نموذج بيداغوجي عالمي يرتبط تجسيده بمجموعة من المتطلبات على صعيد الوسائل المادية، وتوفر القدرات التقنية على نطاق واسع، يشمل كل مؤسسات التعليم العالي، ويتم التحضير له بتكوين المعنيين مراعاة للجودة.
وبقدر ما لهذه الجائحة من وقعٍ سلبي، إلا أنها دفعت إلى ظرف نبّه إلى ثقافة التعليم عن بعد وأهميته، ومباشرة هذا النوع من التعليم في هذا الوقت لا يمكن أن يخلو من صعوبات، إلا أن النقائص والمشاكل التي قد تعترضه، لا تعني صرف النظر عن المبادرة ولو بالحدِّ الأدنى من الشروط التي تتيح التعلم عن بعد، بتعبئة ما هو متاح من متطلبات ووسائل، لإنهاء السنة الجامعية بصفة عادية، إذ ليس هناك بديل عن التعلم الالكتروني حال استمرار الجائحة مدة أطول، لا قدر الله، وهو ما يجب تناوله كخيار يستدعي استراتيجية محكمة يقترن تطبيقها بتعبئة كافة الموارد المادية والبشرية المتوفرة لدى الوزارة، وهو ما أشارت إليه الاتحادية في عدة مناسبات لإنجاح هذه العملية؛ كإبرام شراكة بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، لتوفير الخدمات المناسبة للأساتذة والطلبة.
وتبقى الاتحادية متفائلة بنجاح العملية، علما بأن أغلب الأساتذة قاموا بوضع دعائمهم البيداغوجية على الخط، إضافة إلى توفير التسهيلات والمساعدات اللازمة لفائدة الزملاء الأساتذة لإتمام هذه العملية في ظرف استثنائي يستوجب التكاتف والتعاون من أجل المصلحة العليا، ونحن على ثقة في الوعي التام للأساتذة بأهمية هذه المسؤولية، ولن تتوانى الاتحادية عن المساهمة في التحسيس وتعبئة الجهود في هذا الشأن.
في هذا ترى، أنه بالرغم من أن التعليم الحضوري مهم ويصعب تعويضه، إلا أن اللجوء إلى التعليم الالكتروني يبقى داعما أساسيا للتحصيل البيداغوجي، في هذا الظرف الخاص، على غرار ما تشهده جامعات العالم، كما يجب تمكين الطلبة من كافة التسهيلات والمساعدات وشتى متطلبات التعليم عن بعد لاسيما الأجهزة، تدفق الانترنيت، حتى يتسنى لجميع الطلبة الحصول على دعائمهم، إضافة إلى تحصيل الدروس الحضورية ولو بطريقة مكثَّفة فور التخلّص من الوباء، بما يمكنهم من تحصيل النصاب الكافي من الدروس لإجراء الامتحانات سواء للانتقال أو التخرج، خاصة أن العديد من الجامعات قطعت أشواطا من التدريس في السداسي الثاني.
النخبة عانت من التغييب والتهميش لعقود
- عرفت الأسرة الجامعية هبّة تضامنية لمواجهة فيروس كورونا في ظل ما يندرج عن ذلك من مخاطر، وسجلت حضورا نوعيا، ماذا يمثل لكم ذلك؟
بالنسبة لنا، لا عجب أن تتحلى نخبة المجتمع بروح التضامن مع أبناء الوطن. إن الهبة التي شهدناها ولا تزال على يد مكونات الأسرة الجامعية تبعث على الفخر والاعتزاز، خاصة ما قدمه الأساتذة الباحثون والباحثون الدائمون، بإنجازاتهم وابتكاراتهم العلمية، وهو تأكيد لما تزخر به الجزائر من طاقات وكفاءات يعوّل عليها، إذ يستوجب العناية بها من شتى الجوانب ولإسيما المادية والاجتماعية.
ولعل ما يبعث على التفاؤل، أن هذه الطاقات بمجرد ما فتح لها المجال سارعت في إبراز قدرتها وكفاءتها العلمية والإبداعية التي يمكن للجزائر الاعتماد عليها الآن ومستقبلا في شتى المجالات.
وننوه في هذا السياق، أن النخبة عانت من التغييب والتهميش لعقود، واليوم وجدت الفرصة لتثبت جدارتها وحضورها من خلال الهبة التي شهدناها في مختلف المؤسسات الجامعية والبحثية. وفضلا عن واجب التضامن الذي دفع بهؤلاء الباحثين للوقوف إلى جانب بلادهم، نرى بأن دورهم اليوم واجب مدني ووطني ومهمة تدخل في جوهر ما أعدّوا له.
غير انه من الجدير الاعتناء بهم وبسط جميع التسهيلات لتحقيق ما هو منشود من أهداف ترتبط بشكل جوهري بدور الجامعة ومستوى أدائها.
ان الوقوف المشهود لهؤلاء ليبعث على التفاؤل بالجامعة، وهو مؤشر يؤكد الكفاءة العالية للباحثين الجزائريين واستعداد الجامعة لأن تكون فاعلا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
التعويل على الكفاءات الآن ومستقبلا
- مع هذا التميز، ألا ترون أن الوقت حان لاستثمار هذه الثروة البشرية للنهوض بالشأن التنموي وما الذي يجب عمله بهذا الشأن؟
من مفرزات هذه الأزمة ظهور الكفاءات بشكل متميز على الساحة الجامعية والبحثية من خلال ما قدمته من اختراعات وإنجازات علمية في إطار محاربة وباء كوفيد- 19، ويمكن التعويل على الكفاءات الآن ومستقبلا ، وإن الباحثين خلال هذا الظرف الصعب ورغم ما يحفّ عملهم من مخاطر، أعطوا مثالا في التحدي وبرهنوا على تحكمهم في أحدث التقنيات العلمية وقدرة في التصنيع والإنتاج المحلي ومقابلة الطلب، لذلك فعلى الدولة التفكير في إطار يؤطر هذه الكفاءات والعناية بها بالدعم اللازم ماديا ومعنويا بشكل يحفزهم على العطاء، مع وضع كل التسهيلات من أجل إنتاج علمي، يتم استثماره من أجل تنمية البلاد، والارتقاء بوضعيتهم نظير ما يقدمونه من تضحيات راهنة وابتكارات مستقبلية تعوِّل عليها الجزائر كأساس للتنمية، فهم قادرون على المنافسة والعطاء متى أتيحت لهم الفرصة والظروف الملائمة.
جامعة ما بعد كورونا تبنى على أسس جزائر جديدة
- أمام هذا المنعرج، ما هي معالم جامعة ما بعد كورنا؟
إن هذه الجائحة بقدر ما تطرحه من صعاب وظروف استثنائية يجب التعامل معها بكل وعي، لبناء منظومة جامعية قوية، فبمقابل ما للمؤسسات الجامعية والبحثية من ذخيرة، إلا أن دورها كمحرك للاقتصاد لا يزال بعيدا إلى حد ما. جامعة ما بعد كورونا، هي الجامعة التي تبنى على أسس حديثة في جزائر جديدة، تجعل منها حلقة جوهرية في تطوير البلاد وازدهارها، وفي هذا للاتحادية جملة من الاقتراحات الإستراتيجية الشاملة تعمل في شأنها وتقدّم للجهات المعنية.
في نظر الاتحادية، فإنها تنشد جامعة لا يقتصر دورها على العمل البيداغوجي، بل إضافة إلى ذلك من الجوهري أن تصبح أحد الدعائم الأساسية للتنمية ومصدر خلق الثروة وموردا خلاقا يلبي حاجات المجتمع.
على الجامعة مواكبة التطورات الحاصلة ومجابهة التحديات التي سيعرفها العالم مستقبلا، وبدأت تتشكل ملامحه الآن، مثلما ينبري دورها على المساهمة القوية كركيزة للاقتصاد البديل المبني على المعرفة، وتوظيفها من أجل التنمية المستدامة، بالنظر إلى ما تعيشه الجزائر من أزمة بترولية على غرار بلدان العالم، الأمر الذي يوجب على الجامعة الانخراط في مسعى الانتقال الطاقوي وتطوير الطاقات البديلة.
ونتطلع إلى جامعة تجدد منطلقاتها بما يتوافق مع الأهداف الشاملة، ومن أجل ذلك، فإن جامعة ما بعد كورونا، هي جامعة ينبغي مراجعة قوانينها الأساسية لتحريرها من بعض مظاهر القبضة البيروقراطية المتخلفة، جامعة متفتحة على المحيط بكل أبعاده، جامعة منتجة قادرة على تسويق مبتدعاتها ومبتكراتها، جامعة تؤمن بقيم العمل الحقيقية، وتكرس قيم المواطنة والأخلاق العملية، جامعة تجرّم كل من يعيق الفعل الأكاديمي ومنع الجزائريين من التمتع بحقهم في المعرفة والعلم، جامعة التجديد والخلق والإبداع، جامعة تقدمُ المثل في الحوْكمةِ والتسيير والقدرة على مواجهة أزماتها الذاتية لتشكل نموذجا ومرجعا للمجتمع، وهو ما دعا إليه رئيس الجمهورية في عديد المناسبات، وتأكيد العزم على الارتقاء بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي والتكفل به؛ من أجل أن يكون دعامة أساسية لتطوير البلاد. في هذا تتطلع الاتحادية إلى عناية الدولة بنخبة الأساتذة والباحثين ماديا واجتماعيا بما يكفل الظروف المناسبة للأداء الأمثل ومردودية أكبر في جامعة جديدة.
إشراك كل الأطراف الفاعلة في كل القرارات
- في ظل هذا المناخ، ما هي رسالتكم إلى الأسرة الجامعية والبحثية؟
بالنظر إلى الوضع الراهن، ندعو بحرص إلى أن تمضي الأسرة الجامعية قدما في العملية التضامنية لمحاربة وباء كورونا، وتضافر جهودها ووقوفها إلى جانب الوطن.
كما نوصي، بضرورة العمل بكلِّ عزمٍ لأن تكون الفاعلَ الرئيسيَّ في رقيِّ الوطنِ وتطوُّرِهِ، والنهوضِ به إلى آفاقٍ جديدةٍ وواعدةٍ. إن تجسيد هذا الهدف الجوهري، لا ينفصل عن ضرورة ترقية العمل التشاركي البناء الذي يتفتح على المساعي الخالصة، في هذا، فإننا ندعو إلى الإشراك الفعلي والدائم لكل الأطراف الفاعلة في كل القرارات التي تهم التعليم العالي والبحث العلمي.
وأهنئ الجميع بمناسبة شهر رمضان المبارك، وأقول لزميلاتي وزملائي أن يجعلوا من هذه الأزمة فرصة ثمينة للتعبير عن قدراتهم، لا سيما وأنهم لطالما شعروا بأنهم ضحية للتهميش، فمراجعة الذات ضرورية في هذه المرحلة، للتقييم الذاتي، والانخراط في الديناميكية الجديدة التي تعيشها البلاد.
الحوار وفق خط وطني أصيل
- ماذا عن الاتحادية بعد إعادة هيكلتها، من حيث الرصيد، الشراكة والآفاق؟
أصبحت تضم إلى جانب النقابة الوطنية للأساتذة الجامعيين، كلا من النقابة الوطنية للباحثين الدائمين، والنقابة الوطنية لمستخدمي دعم البحث، والنقابة الوطنية لأساتذة العلوم الطبيّة، ما عزّز انتشارها وقوتها التمثيلية، فأضحت متواجدة على مستوى كل مؤسسات القطاع. استطاعت نقابتنا منذ تأسيسها، أن تثبت وجودها في الميدان، بفضل خطها النضالي المتميز ومبادئها التي لم تحد عنها وجنوحها الدائم إلى الحوار في كنف الهدوء؛ وفق خط نقابي وطني أصيل، يملي عليها الغاية المثلى في دعم استقرار الجامعة وتغليب المصلحة العليا، والدفاع عن حقوق الزملاء بطرق حضارية.
لذلك لا ينحصر دور الاتحادية في الدّفاع عن حقوق الأساتذة، ومعالجة المشكلات التي تعترض مهامهم البيداغوجية والعلمية، والمطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية فقط، إنما تعمل جاهدة من أجل المشاركة الفعلية في النقاش الوطني حول الموضوعات الحيوية والقضايا المصيرية، والتحديات التي تعرفها البلاد؛ سواء السياسية، الاجتماعية أو الاقتصادية وحاليا الصحية وغيرها.
وفي قطاع حساس له خصوصيته بالنظر لما يحمله على عاتقه من أهداف مجتمعية، فإن الممارسة التشاركية المتفتحة والمنتجة يجب أن تتجسد في سياق ثقافة يتشبع بها كل الأطراف على الصعيد المركزي والقاعدي، فلا شك أن ما سجلناه من غياب للعمل التشاركي على مستوى بعض المؤسسات الجامعية والبحثية، هي وضعية نتأسف لها، والتي تمثل صورة سلبية عن الشراكة؛ ورغم ما نلمسه من علاقة مع الوصاية وإطاراتها، إلا أننا نتأسف للوضعية التي آلت إليها الشراكة على مستوى المؤسسات المعنية، والتي سترفع الاتحادية بخصوصها احتجاجا رسميا دقيقا للجهة الوصية.
وفيما يخص اجتماع 20 افريل الاخير، بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والشركاء الاجتماعيين، رحبت الاتحادية باللقاء التشاوري، وثمنت جهود الدولة في محاربة تفشي كوفيد-19 منوهة بالتدابير المتخذة من طرف الوزارة لأجل صحة وسلامة الأسرة الجامعية. وفي اللقاء تم التطرق بشكل أساسي إلى كيفية إنهاء السنة الجامعية بشكل عادي، والتفكير في الدخول الجامعي مع الإشارة إلى ضرورة التنسيق مع وزارة التربية الوطنية، فيما يتعلق بتاريخ البكالوريا ونتائجه، لان الدخول الجامعي مرتبط بنتائج البكالوريا، خاصة ما يتعلق بمواعيد تسجيل الطلبة الجدد.