العزل الصحي والتباعد الإجتماعي المخرج من الوباء
أكد رئيس منتدى الكفاءات الجزائرية، الطبيب الجراح بعيادة باستور للحروق، عادل غبولي، في حوار مع «الشعب»، أن الجزائر اليوم في معركة وعي والمواطن هو مفتاح النصر فيها، من خلال التزامه بإجراءات العزل الصحي والتباعد الاجتماعي، باعتباره السبيل الوحيد لنجاح الاستراتيجية الوطنية لمجابهة فيروس كورونا، كاشفا تجاوب الكفاءات الجزائرية بالخارج معها وتجندها للانخراط في ديناميكية الحد من انتشار الوباء، مثمنا الهبة التضامنية، خاصة تبرع الإطارات الجزائرية برواتبهم ترسيخا لروح المواطنة والوطنية.
الشعب: كطبيب، كيف تنظرون إلى ما تعيشه الجزائر بسبب انتشار كوفيد-19؟
عادل غبولي: ما تعيشه الجزائر اليوم من وضع وتحدّ لا يقتصر عليها فقط، بل العالم كله يسابق الزمن للقضاء على وباء فيروس كورونا المستجد. هي أزمة صحية استثنائية تتطلب وعيا كاملا بالأخطار المحيطة بهذا الوباء، والجزائر ليست في معركة لاقتناء تجهيزات طبية، بل هي في معركة وعي تجاه «كوفيد-19». مهما كانت المجهودات لمجابهة الفيروس، يبقى المواطن الرقم الصعب في معادلة إنجاح ما اتُّخذ ويُتخذ من قرارات من خلال بقائه في البيت وعدم خروجه إلا لضرورة قصوى.
- بعد ثلاثة أسابيع من التعبئة، هل تجاوب المواطن مع الإجراءات الوقائية؟
نعم هناك تجاوب واضح من طرف المواطنين. لا نقول أن التجاوب بلغ 100٪، لكن الغالبية العظمى إلتزمت بالحجر الصحي، وأتمنى أن يعي المواطنون الذين لم ينخرطوا في المسعى أننا في مرحلة حرجة من انتشار المرض ولم يبق سوى أسبوعين على الأكثر للخروج من النفق، ولن يكون ذلك ممكنا بدونه.
فالأسبوع الأول يمثل مرحلة العدوى، حيث يدخل الفيروس من الخارج. الثاني هو مرحلة الحضانة يستغرق من أسبوع إلى 10 أيام. والثالث هو مرحلة انتقال العدوى بشكل كبير، حيث يكون الفيروس في أشد قوته، لذلك على المواطن أن يلتزم بيته لمنع انتشار الوباء، خاصة وأن عددا كبيرا من المصابين لا تظهر عليهم أعراض الإصابة، ما يجعلهم ناقلين للعدوى، لذلك كان عدم الاحتكاك بالآخرين وتطبيق الحجر الصحي الذاتي أفضل وسيلة لتجاوز المرحلة. وإن كان الخروج ضروريا لابد من اتخاذ المواطن لجميع الإجراءات الوقائية، كوضع الكمامات وغسل اليدين ليتمكن من حماية نفسه وعائلته ومحيطه.
الإجراءات اتخذت... والمواطن الرقم الفصل
- يقلل البعض من الإجراءات المتخذة ويطالب بصرامة أكبر لمجابهة الفيروس، ما رأيك؟
لا أظن ذلك. فتسيير الدولة للأزمة كان حكيما وذكيا، حيث اعتمدت التدرج في تطبيق الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، أغلقت الحدود أولا ثم تم تعليق الرحلات الجوية، ثم وقف وسائل النقل الجماعي للحد من انتشار الوباء لإجبار المواطن على الالتزام بالحجر المنزلي، بالإضافة إلى تسريح العمال والفئات الأكثر عرضة للإصابة بمنحهم عطلا خاصة، ثم إعلان الحجر الكلي في البليدة والجزئي في باقي الولايات، مما يعكس المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة في مجابهة الفيروس.
لكن على المواطن أن يتحلى بروح المسؤولية، لأننا وبالنظر إلى تطورات الوضع، وصلنا الى مرحلة الحسم والبقاء في المنزل هو الطريقة الأنجع لمحاصرة الوباء. وعلى المواطن أيضا ان يتيقن من أنه، مهما كانت الإمكانات والتجهيزات الطبية التي تتوافر عليها المستشفيات، لن تستطيع احتواء الوضع في ظل العزوف عن اتباع التدابير الوقائية. وإيطاليا واسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة خير مثال على ذلك.
- بين تهوين البعض وتهويل الآخر، ما يمكن قوله عن الفيروس؟
العالم كله لا يملك معطيات علمية دقيقة عن الفيروس وليس الجزائر فقط، لكونه مستجدا ومازال المختصون في مرحلة التعرف عليه لاستكشافه، لذلك كان الأخذ بالتجربة الصينية في تعاملها مع الوباء ضروريا، خاصة وأنها نجحت في محاصرته، ولا يعني ذلك تجاهل حقيقة أن «كوفيد-19» يتطور ويتحور من منطقة إلى أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار الجدية في التعامل معه، بعيدا عن التهوين أو التهويل، لأننا نتعامل مع وباء سريع العدوى لا يتطلب إيقافه سوى البقاء في المنزل ومنح الفريق الطبي الفرصة للتكفل بحالات الإصابة.
- كيف يتعامل منتدى الكفاءات مع الوضع الراهن، أي تدابير عاجلة اتخذها؟
شكل منتدى الكفاءات الجزائرية خلية أزمة إعلامية منذ 14 مارس الماضي، استشعارا منه بخطر الوباء، تعمل على مراقبة تطور وانتشار الوباء محليا وعالميا، كما تقوم بمقارنة استراتيجية التكفل في مختلف الدول التي مسها الوباء من الصين إلى كوريا الجنوبية وصولا الى أوروبا ودول الخليج، ولاحظنا من خلال هذه العملية أن كلها تتفق حول حل وحيد ناجع هو العزل الاجتماعي والصحي.
كما وجه المنتدى في 16 مارس الماضي، نداء إلى رئيس الجمهورية يدعوه فيه إلى إعلان الحجر الصحي وهو ما تم فعلا إقراره. وقد وصلنا إلى حقيقة أكيدة هي قيام الدولة بكل ما يتطلبه الوضع الاستثنائي من إجراءات للسيطرة على الوضع في مختلف القطاعات المعنية بمكافحة انتشار الوباء. ورغم ان الجزائر تعيش أزمة، إلا أنها استطاعت التحكم في الوضع، فلم تعرف ندرة في المواد الاستهلاكية أوالوقود.
وما نراه من وزارة التجارة التي تضرب بيد من حديد كل مضارب أو محتكر للسلع منذ البداية لمنع التلاعب بالقدرة الشرائية للمواطن خير دليل على وقوف الدولة بكل أجهزتها في تناسق تام من أجل الخروج من الأزمة الصحية الاستثنائية بأقل الخسائر الممكنة.
تنسيقيات وخلايا في قلب المعركة
- هل أظهرت الكفاءات الجزائرية بالخارج تجاوبا مع تداعيات الظرف الصعب؟
وجد المنتدى تجاوبا كبيرا من الكفاءات الجزائرية الموجودة بالخارج، من خلال تجنّدهم لمجابهة فيروس كورونا حتى وإن كانوا بعيدين عن أرض الوطن، وعلى سبيل المثال يوجد مهندس في الإعلام الآلي في قطر على اتصال دائم مع وزارة المؤسسات الصغيرة والناشئة من أجل اعتماد تطبيق ذكي في الجزائر.
المنتدى وعبر كافة التنسيقيات الولائية، بالإضافة إلى 25 خلية عبر العالم، من الأوائل الذين عملوا على التحسيس بخطورة الوباء، ونحن في اتصال مباشر مع مؤسسات ناشئة لتحفيزهم على المشاركة في صناعة الكمامات أو كل الصناعات المتعلقة بالوقاية من فيروس «كوفيد-19»، بل وجهنا صرخة إلى المهندسين في الجزائر والعالم أجمع لوضع برمجيات ذكية تهتم بالوباء مثلما شاهدنا في الصين وكوريا الجنوبية.
أستطيع القول، إن الكفاءات الجزائرية مستعدة للتضحية من إجل الوطن. ولنا في الأطباء خير مثال على ذلك، باحتلالهم الصفوف الأولى في حرب الجزائر على الوباء، فقد تركوا منازلهم وعائلاتهم وطبقوا الحجر الصحي والاجتماعي، خوفا من نقل العدوى إلى المحيط الذي يعيشون فيه، كما التحقوا بالمستشفيات بل حتى من كان في عطلة عاد إلى عمله لأن الجميع موجود من أجل الجزائر.
- على ضوء هذا المتغير نرى أن الكفاءات في الصفوف الأولى إلى جانب مستخدمي الصحة؟
فعلا، ما نشاهده اليوم هو صورة حقيقية عن تحرير الكفاءات الجزائرية. فعندما نرى العمل الذي تقوم به الجامعة الجزائرية في هذا الظرف، من خلال مساهمتها في صناعة معقم اليدين، وكذا اختبار الكشف، هو دليل واقعي عن الدور الذي تلعبه الكفاءات الجزائرية بانخراطها في الاستراتيجية الوطنية لمجابهة فيروس كورونا، بالإضافة الى صناعة أجهزة التنفس الصناعي من طرف شركة المؤسسة الوطنية للصناعة الإلكترونية «إيني»، بالشراكة مع مؤسسة خاصة، وكذا النسيج الاصطناعي المستعمل في خياطة الكمامات والبذلة الواقية من فيروس كورونا، إلى جانب مساهمة مهندسي الإعلام الآلي في وضع البرامج الذكية. أظن أن الكفاءات ستجد مكانها الملائم بعد تجاوز وباء كورونا، ما يسمح لها بالنشاط في مجال البحث العلمي الصيدلاني والصناعي، لأنها أصبحت تستشعر المسئولية الملقاة على عاتقها من أجل بناء الوطن، فالأزمة التي نعيشها كان لها دور مهم في تعبئة الطاقات الجزائرية الموجودة في كل مكان بتعزيز روح المواطنة لديهم.
- كمتخصص، ما رأيكم في اعتماد بروتوكول العلاج الجديد؟
شعرنا بارتياح كبير عند اتخاذ الدولة قرار اعتماد بروتوكول العلاج «كلوروكين»، لأنها خطوة نوعية ومهمة في تعاملها مع الوباء وهي تأكيد على أنها لا تدخر أي جهد لحماية صحة المواطن، خاصة وأن التجربة العلاجية التي خاضها البروفيسور راؤول «فرنسا»، أثبتت فعاليتها في العلاج.
فبروتوكول «كلوروكين»، يساهم في إنقاص الشحنة الفيروسية في جسم المصاب ويُجنّبه العدوى الزائدة وبذلك تتقوى مناعته ويصبح قادرا على مقاومة الفيروس التاجي.
لكن يجب أن ندرك أنه لا وجود لعلاج معجزة، المعجزة الوحيدة المتوفرة لإيقافه هو البقاء في البيت، وأملنا كبير في قدرة الجزائر على تجاوز هذه الأزمة بعد فتحها لفروع جهوية لمعهد باستور وما تحمله من قيمة في كشف البؤر الحقيقية للوباء سريعا والتكفل بالعلاج الفوري، ما سيعطينا معلومات دقيقة تسمح بمحاصرة كورونا باتباع كل الإجراءات اللازمة للحد من الوباء، مع تجنّد كل الجزائريين من خلال التحلّي بروح المواطنة لحماية أنفسهم وحماية الأشخاص الآخرين.
تسيير المعلومة... الحل لمجابهة الإشاعة
- رغم هذا الجهد، هناك أخبار مغلوطة وإشاعات حول الوباء؟
دعا منتدى الكفاءات الجزائرية الى تسيير المعلومة، فمن المؤسف وجود أشخاص يستغلون هذه الظروف الاستثنائية للاصطياد في المياه العكرة. ففي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تضافر جهود الخيّرين من أبنائها، نجد البعض يتلاعبون بالرأي العام من خلال نشر أخبار كاذبة «فايك نيوز»، ما يخلق نوعا من الارتباك والبلبلة، متناسين ان الأمر لا يتعلق هنا بسياسة إو إنقاص من قيمة الطرف الآخر. نحن أمام أزمة صحية استثنائية الكل معني بها، هي مسئولية جماعية ملقاة على عاتق كل فرد، والأخبار الكاذبة لا يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق مآرب سياسية، لأننا نمر بمرحلة حرجة تتطلب انخراط الجميع، ولا يمكن تبرير مثل هذه الإشاعات بل هو تصرف مرفوض.
لذلك، نثمن القرارات التي اتخذتها السلطات المعنية بإعطاء تعليمات صارمة لمختلف وسائل الإعلام لانتقاء ضيوفهم من أهل الاختصاص في أي حديث عن الوباء، وكيفية مقاومته بعيدا عن التهويل والتهوين.
كما نشيد من جهة أخرى، بالرد السريع للسلطات المعنية عبر مختلف وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي لمنع خلط الأوراق في الجزائر وإحباط معنويات الجزائريين، ما يجعلنا نؤكد أن السلطات استطاعت السيطرة على الوضع رغم صعوبة الظرف.
الجيش والشعب كلٌّ واحدٌ
ما تعليقكم على تبرع الإطارات السامية في الدولة والجيش براتب شهري تضامنا في مواجهة كورونا؟
تبرع الإطارات السامية للدولة براتب شهر أو جزء منه لمكافحة وباء كورونا، سلوك يعكس في جوهره إدارة مواطنتية تؤكد انتماءهم الى هذا المجتمع وأنهم أبناء الشعب، وهو أمر يعزز الثقة بين المواطن ودولته، بل هو تأكيد على أن مصيرهم كان دائما واحدا، ومن خلالكم أرسل تحية تقدير إلى أفراد الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني. فمثلما عهدناه في الكوارث، كفيضانات باب الوادي، وزلزال بومرداس، حيث كان في الصف الأمامي، بل لم يدخر جهدا للتخفيف من أثارها.
وهو اليوم في جاهزية طبية لتقديم الدعم والتدخل، إن اقتضى الأمر، لتجاوز الأزمة الاستثنائية التي تعيشها الجزائر، خاصة بعد الهبة التضامنية عبر الوطن، حيث فتح الجيش الوطني الشعبي جسرا جويا من تمنراست الى البليدة نقلت عبره طائرات عسكرية مساعدات مختلفة، ما يدل في صورة واضحة تلاحم الجيش والشعب، وهو يؤسس لوحدة تزداد متانة وصلابة في الظرف الاستثنائي ومواجهة كورونا بهذه الصفة المثال الحي والدليل القاطع.