ڑأستاذ الإعلام العيد زغلامي لـ «الشعب»:

الفضاء الأزرق مصدر الشائعات و«الصِّحة» واجهتها بالحقيقة

حاورته: زهراء. ب

الاتصال المؤسساتي كبح المعلومة المغلوطة والإصلاح ينهي الفوضى

توقفت جريدة «الشعب» في هذا الحوار، مع أستاذ الإعلام والاتصال الدكتور العيد زغلامي (جامعة الجزائر-3)، عند أسباب انتشار المعلومات المغلوطة أو ظاهرة «الفايك نيوز»، التي أخذت منحنى تصاعديا منذ انتشار فيروس كورونا المستجد وباتت مصدر قلق للمواطن والسلطات العمومية على حد سواء، داعيا الى التزام قواعد المسؤولية المهنية واحترام المعايير المعمول بها دوليا، دون أن يستثني المواطن، المطالب بأن يمتثل إيضا إلى قواعد الإحترام والتضامن بعد أن أصبح مصدرا للمعلومة الكاذبة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، مؤكدا أن الظرف الصعب الذي تمر به الجزائر حاليا يفرض التلاحم بين الجميع، والمساهمة في خلق جو من الطمأنينة والأريحية حتى يتسنى لكل واحد أن يمتثل طواعية إلى قواعد الإجراءات الوقائية التي وضعتها الدولة، من حجر صحي وتباعد المسافة وغيرها من التدابير الاحترازية التي لا تسمح للوباء بالتفشي.

 «الشعب»: انتشرت المعلومة الكاذبة بشكل واسع مع اعتماد الحجر الصحي، فأصبح الجميع، سلطات ومواطنين، في مواجهة خطر فيروس كورونا والشائعات في وقت واحد، ما هي أسباب ذلك؟
العيد زغلامي: الإشاعة تظهر وتنتشر لما يكون فيه إخفاق للمنظومة الإعلامية، أو إذا كانت مضايقات للإعلام.
وفي الجزائر انتهج النظام السابق سياسة مفادها، أن قمة هرم السلطة هي التي تملك الحقيقة لوحدها ولا أحد يمكن منافستها، ومن هنا كانت كل المعلومات تحت سيطرتها، ما جعل المنظومة الإعلامية تكون في الاتجاه الواحد وهذا ما نتج عنه عدم رضا الجميع وإخفاء الحقائق.
 هذه الخلفية التي ورثناها من النظام السابق، خاصة زمن العصابة، بالإضافة إلى الانفتاح الذي وقع منذ 2011 لقطاع السمعي البصري وفتحه أمام الخواص لإنشاء قنوات تلفزيونية وكذلك صحافة إلكترونية ومكتوبة، إضافة الى العدد الهائل من الشبكات الاجتماعية، جعلت عدد رواد الشبكة العنكبوتية يرتفع، إذ تشير المعطيات إلى وجود 23 مليون جزائري على الشبكة العنكبوتية، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت الى مصدر يتلقى من خلالها المواطن البسيط معلوماته، ومن هنا رأينا أن معظم الشائعات والمعلومات غير المؤكدة نجدها في الفضاء الأزرق والشبكات الاجتماعية.
- لكن هناك اليوم قطيعة مع الممارسات السابقة باعتماد استراتيجية اتصالية جديدة، منفتحة وليّنة تسمح بالوصول إلى مصدر الخبر، ألا ترى أنها إجراءات كفيلة بتقليص الهوة بين مرسل الخبر والمتلقي؟
 حقيقة كما تفضلت، وقد جاء في تعهدات الرئيس تبون ضمان حرية التعبير واستقلالية الإعلام وأكثر من ذلك احترام الحياة الخاصة للمواطنين، هذان الأمران الى حد الآن موجودان على أرض الواقع ولو أننا، كما قلت، لازلنا لم نتعود على الممارسات الجديدة، إضافة إلى ذلك هناك إجراءات لابد أن نثمنها، مثل إنشاء منصب مستشار رئيس الجمهورية والناطق الرسمي باسم الرئاسة وآخر باسم الحكومة.
 وهذا يدل على أن هناك حقيقة نظرة مخالفة جديدة تتمثل في تثمين دور ما يسمى بالاتصال المؤسساتي الذي كان غائبا تماما، وصرنا نرى وجودا دائما لمسؤولين، بدءاً من رئيس الجمهورية والوزير الأول، وصولا إلى الوزراء وصناع القرار على الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الإجتماعي، سواء الفايسبوك، التويتر وغير ذلك... وهذا يدل على أن هناك نظرة جديدة للمنظومة الإعلامية.
وكأستاذ، لمست تفاعل المسؤولين، وخير دليل على ذلك ما تقوم به وزارة الصحة وبالضبط الوزير عبد الرحمان بن بوزيد، والناطق باسم اللجنة العلمية جمال فورار، اللذان يلعبان دورا في التقليل من ظاهرة الشائعات والمعلومات الكاذبة، فهما يقومان بدورهما على أحسن ما يرام، يبقى على السلطة السياسية أن تعالج الأمور من الجوانب الأخرى الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية.
 ولكن في جميع الحالات ما يمكن أن نقوله إن هناك جهدا مبذولا، والثغرة والفجوة بين المسؤول والمواطن أو بين مرسل الخبر ومتلقيه، يمكن أن تتقلص إذا تواجد كل فرد في المجتمع وكل مسؤول في هذا البلد، ابتداء من البلدية الى الدائرة والولاية وكل من يمثل السلطة، على الشبكات الاجتماعية بطريقة أو بأخرى، لكي يتمكن المواطن البسيط أن يفهم جيدا أن هناك جهة مؤهلة تقدم له المعلومة الرسمية، ونحن في بناء الجزائر الجديدة متيقنون بأنه سيكون هناك بداية لمنظومة إعلامية مسؤولة.
تبقى ظاهرة الشائعات التي انتشرت لأسباب قد تكون سياسية؛ بمعنى صاحبها أو موجهها تكون لديه أغراض سياسية، لكن ينبغي البقاء ضمن إطار احترام القيم والأخلاق، وقد تكون نتيجة إخفاقات المنظومة الإعلامية. كما توجد ظواهر ذات طبيعة مرضية ولكن في جميع الحالات وبحكم أننا ننتمي إلى دين الإسلام الحنيف، المفروض في هذا الظرف الصعب والجائحة التي تضرب بثقلها كل الدول، بما فيها الجزائر، أن يمتثل كل مواطن أو أي شخص الى قواعد الاحترام والتضامن، فنحن الآن في حاجة ماسة إلى التلاحم والتضامن، ولابد أن يساهم كل واحد في خلق جو من الطمأنينة والأريحية حتى يتسنى لكل واحد منا أن يمتثل الى قواعد الإجراءات الوقائية التي وضعتها الدولة، من احترام للحجر الصحي، والمسافة وغيرها من الأمور التي لا تسمح للوباء أن ينتشر.

 

عقوبات ضد مروجي الإشاعة

- لوضع حد للظاهرة، أليس من الضروري تطبيق إجراءات قانونية ردعية؟
  الإشاعة موجودة في كل بقاع العالم. لكن لابد أن يكون فيها إجراءات للتصدي لها. وقبل انتشار فيروس كورونا طالبنا بأن تقابل كل معلومة خاطئة تنشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي، بسن إجراءات ردعية، مثلما تقوم به الدول الديمقراطية كألمانيا، على سبيل المثال، التي تغرّم من يقوم بنشر معلومة خاطئة بـ500 ألف أورو. وكثير من الدول قامت بإجراءات قانونية وفرضت عقوبات مالية إلى درجة حبس الذين يقومون بنشر معلومات غير مؤكدة وغير صحيحة. وبحكم أن الجزائر في طريق النمو، هناك طريقتان للتعامل مع الظاهرة: الأولى، الترشيد عن طريق البيداغوجيا والتربية والإقناع. والثانية، الصرامة والتشدد وتطبيق العقوبة حتى لا تفلت الأمور من بين أيدينا ويصبح كل من هب ودب يقوم بنشر أي معلومة لا أساس لها من الصحة وقد يثير بها الهلع والخوف وأزمة خانقة. لهذا ضروري أن تعتمد السلطة الجانب
القانوني لفرض عقوبات صارمة وفي نفس الوقت الجانب البيداغوجي، وديننا الحنيف يحث على عدم نشر المعلومة إلا بعد التأكد منها.

إحترام القيم  وتنوير الرأي العام


-  لوسائل الإعلام دور في تنوير الرأي العام، لكن، للأسف، هناك من تقع في فخ مروجي الإشاعة المغرضة بإعادة نشر أخبارهم، بماذا تنصح؟
 ما نقوم بتدريسه على مستوى الجامعات، أن الصحفي في إعداده أو تحريره أي خبر يجب أن يتأكد من مصدر الخبر، وهذه نقطة أساسية وجوهرية. والنقطة الثانية، ما جاء في مقاربة طرح الأسئلة الخمسة لكي نعد أي خبر، واذا لم تتوافر هذه الأسئلة فلا داعي لإقحام أنفسنا في أمور نجهلها. لهذا القاعدة الأولى هي التأكد من مصدر الخبر، ثم احترام ما يسمى بالقواعد أو القيم الإخبارية، لأن كل خبر له قيمته التقاربية، الشفافية، المعلوماتية، ثم نقوم بالنشر امتثالا لقواعد النزاهة والاحترافية التي نعمل بها، فإذا رأينا وسائل الإعلام تفتقر لهذه القواعد، فهذا يعني أن بعض الصحافيين لم يدرسوا القواعد العلمية والعملية والقيم والمبادئ الصحفية والنزاهة.
وفي الجزائر توجد 180 جريدة ورقية و169 جريدة إلكترونية، فحتما سنجد عناصر ليس لديها أي احترام للقواعد الإخبارية، ومن هنا إلتزم وزير الاتصال بتطهير القطاع وإعادة النظر في المنظومة الإعلامية الصحفية. وحتما سنرى بعد انتهاء الجائحة، إعادة النظر في وسائل الإعلام من صحافة مكتوبة وإلكترونية وعلينا أن ندع الأمر إلى أهل الاختصاص والمهنة والذين يمتثلون الى القواعد العملية الموجودة في كل دول العالم.
المطلوب من كل صحفي حامل مشروع أو رسالة نبيلة، أن يمتثل للقواعد. لأن الصحفي لابد أن يكون مصدرا لتنوير المجتمع والتأثير فيه إيجابا وتزويده بالمعلومة الصحيحة التي تسمح له، حتى وإن كان لديه موقف سياسي، باتخاذ موقف انطلاقا من معلومة صادقة، حتى لا نجد أنفسنا أمام انتهاك للقيم والأخلاق والحياة الخاصة للمواطنين.
مجمل القول، لابد للصحفي أن يعرف جيدا أن له دور في تكوين الرأي العام ومن هنا عليه أن يحترم القواعد الإعلامية والامتثال للنزاهة واحترام قواعد العمل الصحفي.

التفاعل مع المعلومة في وقتها

-  بلسان أهل الاختصاص، كيف يمكن معالجة الاختلالات الموجودة في الحقل الاعلامي؟
 آن الأوان لنضع الهياكل والوسائل الديمقراطية الحقيقية لخلق منظومة إعلامية مسؤولة، من خلال إنشاء مجلس للصحافة الورقية والإلكترونية والدفع من جديد بسلطة ضبط السمعي البصري، ولابد أن تكون هذه الهياكل والسلطات مستقلة عن التيارات السياسية والسلطة، حتى تنشط لوحدها باحترافية ومصداقية واستقلالية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، نحصّن ونثمن الاتصال المؤسساتي، بحيث تتفاعل الدولة مع المعلومة في وقتها بجميع الوسائل والطرق، حتى لا نترك المجال للذين يترصدون الأخطاء. فلابد أن يكون التفاعل مستمرا وأساس تعامل المسؤول مع المجتمع من خلال وسائل الإعلام، المطالبة باحترام القواعد المهنية والاحترافية.
ولأننا في عصر السرعة والرقمنة، التجاوب والتفاعل والتأكد من المصدر يسمح لنا أن نقتحم ميدان الإعلام والاتصال من بابه الاحترافي والمهني.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024