«فضيل عبد الناصر دردور» في حوار لـ « الشعب»:

في كتاباتي قضايا «الرأي» وأتقاسم الأفكار مع القراء

قسنطينة / حوار: أحمد دبيلي

 

يجنح في كتاباته الى القضايا الفكرية والفلسفية، أولنقول قضايا «الرأي»، ويرى أن الكتابة بحر زاخر يتنوع بتنوع الميول والرغبات؟، وعبر الكتابة يجد متعة في إيضاح للأخر ما هوشائك، ويستمتع أكثر حينما يعانق هذا الأخر أفكاره ويقاسمه هوس الكتابة وحرية القلم.. هذه خلاصة ما قاله الكاتب «فضيل عبد الناصر دردور»، صاحب كتاب « تباعد الرؤى»، أردنا من خلال هذه الحوار أن نطلع القارئ عن ولوج هذا الكاتب عالم الكتابة والنشر وعن مشاريعه المستقبلية، وبعض القضايا التي تتصل بعالم الأدب والكتاب؟. 

الشعب /  بعد كتاب «تباعد الرؤى» الذي صدر بالفرنسية سنة 2018، ما هي مشاريع الكاتب «فضيل عبد الناصر دردور « في عالم الكتابة والنشر؟
@@ فضيل عبد الناصر دردور /  بعد صدور كتابي «تباعد الرؤى» (Portée Cadencée)، الذي  تفاعلت معه عدة جرائد مكتوبة آنذاك وعنونت جلّها مقالاتها عند التطرق له، بـ/»نظرة فلسفية وتأملية في الحياة» Une vision méditative de la vie)) ، هذا من جهة، وبعد تشريفي في المعرض الدولي للكتاب «سيلا 2018» من قبل المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية باستضافتي في عملية بيع بالإهداء لكتابي من جهة ثانية، والأثر النفسي الإيجابي الذي أذاب في مخيلتي حاجز الخوف من الكتابة الذي كاد يجرني للعزوف على نشر هذا الكتاب؟، كل هذه المعطيات ساهمت في إعطائي دفعا لكي أطرق باب الكتابة من جديد، حيث سلمت لنفس المؤسسة سالفة الذكر كتابا ثانيا عنونته بــ «الخلاطين الغدرة» (Les Confusionnistes Perfides)، وهو قيد الطبع حاليا، كما يوجد ضمن مشاريعي المستقبلية أيضا كتاب بعنوان: «الانتظار» (L’Attente) ومؤلف أخر: «هل أنا صائب؟» (Suis-Je Juste ?).
هل يمكن أن تحدثونا عن فحوى الكتب التي ذكرتموها ولوبإيجاز؟
@@  بداية، في كتاب «الخلاطين الغدرة»  أتحدث عن هؤلاء الأشخاص الذين يتخذون الملاحظة وسيلة للغدر وينعتون الناس بشتى الأسماء لا لشيء، إلا لفرض أنفسهم والإساءة لهم، في هذا الكتاب لم أحيد عن طريقة إيصال رؤاي وأفكاري، كما كان الحال في كتابي «تباعد الرؤى»، حيث قمت بسرد كل مصطلحات الملاحظة والنقد وجميع التعاريف المسندة لتلك المصطلحات، لإيضاح المعنى الحقيقي للملاحظة والهدف البناء من إيصالها أوطرحها، الى غاية الوصول الى الفكرة الرئيسية، ألا وهي نية «الخلاطين» التي في الغالب تكون الغدر وأن هذا الفكر غير لائق ؟ كما أسوق في هذا الكتاب الطرق السليمة للملاحظة. للعلم أن هذا الكتاب هو قيد الطبع بمؤسسة «الرغاية»، كما أسلفت.
   أما في كتاب «الانتظار» (L’Attente)، فقد اتخذت نفس المنهجية التي اتبعتها في الكتابة، ألا وهي طرح رؤية معينة لمشكلة اجتماعية والبحث عن السبل الناجعة للخروج منها دون أن أنسى الحث على إتباع الطرق الصحيحة في جميع الحالات. هذا الكتاب أنا بصدد وضع لمساته الأخيرة حتى يكون جاهزا للنشر.
  في كتاب» هل أنا صائب»، أطرح مشاكل «الأنا»، وابحث مع القارئ السبل الكفيلة لمحاربة النفس، وإعطاء مصطلح اللّوم حجمه الحقيقي، حيث جعل الله الخطأ من بني الإنسان، علما أن كل مؤلفاتي المنجزة مسجلة بالديوان الوطني لحقوق الناشر والحقوق المجاورة.
 هل يمكن العودة لكتاب «تباعد الرؤى» حتى نعطي للقارئ نبذة مختصرة عنه ؟
@@  نعم، هذا الكتاب قسمته الى خمسة أبواب. وانطلاقا من رفض الرؤية المفروضة، أخذت العين عضو الرؤية (la vision)، فتطرقت الى وظائفها المختلفة والتي لها علاقة بالقلب، حيث استخلصت من هذه الوظائف المكتسبة  نظرية حسّية، ثم حاولت ان أفسر وظائف العين الأخرى، التي لها علاقة بالعقل لأخلص الى نظرية فكرية، في الباب الثالث جعلته للربط بين النظرتين، نظرية الإحساس الخاصة بعلاقة القلب بالعين ونظرية الحساب التي تختص بعلاقة العقل بالعين، حيث خرجنا في الباب الرابع الى الرؤى المختلفة التي تنبثق من العلاقتين وقسمتها الى أربع رؤى رئيسية، ألا وهي الرؤية الواضحة، الرؤية العامة ، الرؤية المفروضة والرؤية المستقبلية، وهذا لتوضيح أبعاد الرؤية التي تختلف من شخص لأخر بحسب معطيات متعدّدة من تربية الفرد وثقافته وكذا البيئة التي يحيا فيها وان الاختلاف بينهم يكمن في بعد رؤية كل فرد العلمية والفكرية في محيطه الذي يختلف من مكان الى أخر. لأختم بالباب الخامس الى المفارقات (paradoxes) الذي خصّصته الى طرح مشكلة فرض الرؤى، حيث انه لا جدوى منها، فهي رؤى هدّامة؟ حيث فتحت منهج الرؤى البناءة التي هي رؤى واضحة وضوح الشمس لابد من ترقيتها بحيث ان العين الصحيحة لا تعمى، بل تعمى القلوب التي هي في الصدور؟!.
القصّة مخيّل غير حقيقي
 قد ينفع للتسلية والترفيه فقط
 الملاحظ في كتابك « تباعد الرؤى» وحتى في مؤلفاتك قيد النشر، اخترتم الخوض في الكتابة الفلسفية أوالكتابة التأملية !! في الوقت الذي عادة ما يتبع الكاتب في بداية مشواره طريق القصّة القصيرة، ثم الرواية .. إلخ ؟، لماذا خرج «عبد الناصر دردور» عن المألوف؟
@@ الطريقة التي يتبعها كل كاتب بحسب نظري في كتاباته هي في حد ذاتها إثبات لذاته وإيحاء بشخصيته وما مراده من النصوص التي يعرضها على قرائه، لكي أقول أن الرسالة التي يريد إيصالها الى القراء هي وحدها كفيلة بأن تحدد منهجية الكاتب منها، حيث هناك من يرى أن القصة، هي الطريقة المثلى لإيصال أفكاره، وأنا أرى أن العرض الفلسفي للرؤى ومقاسمتها مع القراء لمشكلة معينة، يجعلني أقرب الى قرائي حيث اعتبر ما أقدمه هو حقيقة وليس وهما؟!، أما القصة في نظري هي مخيل غير حقيقي قد ينفع للتسلية والترفيه النفسي، دون أن انقص من المتعة التي تولدها قراءة القصة عند البعض حيث تعتبر لونا فنيا وأدبيا في حد ذاته.
  كما لا اعتبر نفسي خارجا عن المألوف، لأن الكتابة بحر متنوع بحسب تنوع الرغبات، وكل بحسب هوسه وميوله، فأنا أجد متعة في إيضاح ما هوشائك وأتمتع أكثر لما تجد تلك الرؤى من يعانقها من القراء ويقاسمني هوسي ولذتي، بحيث أنني أصف الكتابة بالهوس الذي يغمسك في بحر عميق قد تسلم منه في النهاية، كما قد يجرك الى الأعماق فتغرق؟!.
 كما أنني اتخذت هذه الطريقة في الكتابة ربما لأنني أميل الى كتابات المفكر الراحل «مالك بن نبي» وخاصة كتابه «مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي»، الذي يسوق في نصوصه أفكارا ساهمت بقدر كبير في التنوير والتفتح على الآخر، وهوالذي يتخذ في كتاباته رؤى فلسفية جعلته وإن صحّ التعبير مصلحا مجددا لأفكار مجتمعه، بحيث صدى رؤيته جعلت منه ما هو عليه.
 فالنظرة الفلسفية في الحياة تعطي المتأمل فيها بعدا يجعله يتساءل عما هوعليه؟، وهذا في حد ذاته مكسب له، بحيث يزوده بالتفكير الى إصلاح ما هوعليه، ليصبح نص الكاتب هادفا، بحيث يساهم في إعطاء القارئ الوسائل الكفيلة للتأمل في حياته وإصلاحها.
بدأ عهدي بالكتابة منذ سن مبكرة جدا
 أعود بكم قليلا الى الماضي، متى بدأت علاقتكم بالكتابة، وهل لأعلام عائلة «دردور» نصيب في هذا التوّجه؟
@@ بدأ عهدي بالكتابة منذ سن مبكرة جدا، بحيث كنت أكتب خواطري، منذ سن 12 من عمري، ولي في رحاب الشعر العمودي شيئا من المحاولات التي لم تنشر ومن بين هذه القصائد قصيدة عنونتها «لن نحيد فلسطيني» نظمتها يوم الوقفة التضامنية الوطنية مع فلسطين بقصر الثقافة «مالك حداد» في 2017، يقول مطلعها:
 إذا كان الهوان طال وسكن الفؤاد فباك
على دار الفنى شاب فحصد أشواك
ضمد الجراح بالنواح لا مثلجا لألم بفاك
حتى الصراخ لا فك دروبا ولا أسلاك
جالت مصائب القوم اذ اقتصر مسعاك    
بالتنديد والشعار الكاذب لا نفع ممشاك
خذ الكتاب ففيه ما على العقل وشاك  
هجره سبب الآلام التي جلتها سقماك
أولى القبلتين سقيت ضرا من جفاك
بيعت دلالة رثة على أبواب أسواق هواك
وهنا أتسأل دائما إذا كان ما أقرضته شعرا وفق الأصول الأدبية المتعارف عليها أوهوسا وتعبيرا عن مكنونات النفس فقط !؟.
 في مجال الشعر باللغة الفرنسية، لازلت اكتب بعض المحاولات ومنها قصيدة كتبتها في أجمل مكان بولاية سكيكدة ألا وهو شاطئ «ميرامار» الساحر.
فيما يخص الكتابة المهنية أفكر في مشروع تأليف كتاب في الأعمال التطبيقية بعنوان «دليل أمين الضبط» يكون نموذجا يقتدي به الموظف في هذا المجال، مع العلم أنني اهتم أيضا بالموسيقى الجزائرية وكل الطبوع الفنية التي تزخر بها منطقتنا.
  أما عن الكتابة وإذا كانت العائلة الكبيرة لها تأثير في مساري الأدبي؟ أقول  أنني انتمي الى عائلة « الدرادرة « والتي لها تاريخ مع الكتابة فقد أنجبت عائلة «دردور» جمعا من المفكرين والأدباء والكتاب والشعراء على رأسهم العلامة الشيخ «عمر دردور» الذي قال فيه الكاتب «لحسن بن علجية» في كتابه «الشيخ عمر دردور سيرة ومسيرة»، كان الشيخ «عمر دردور» رحمه الله ممن طال عمره وحسن عمله، جمع الله فيه ما تفرق في غيره من فضائل نفع الله به البلاد والعباد، كان همه السعي في مصالح الناس وقضاء حوائجهم قولا للحق لا تأخذه في الله لومة لائم.
كان رحمه الله سليم الصدر عزيز النفس كامل الآداب بعيدا عن التكلف في أقواله وأفعاله منزويا عن الشهرة وعرف رجاحة العقل والفهم الثاقب والرأي الصائب والمروءة والتواضع الجم اية في الجود والسخاء عظيم الهيبة منور الشيبة شهد له الناس بحسن السيرة وصفاء السرير. عاش على نهج شيخه ابن باديس فاستحق لقب «باديس الاوراس».
دون ان ننسى المؤرخ «جمال الدين دردور»  مؤلف كتاب « تاريخ الجزائر من الحقبة الاستعمارية الى الاستقلال»، وكذا المؤرخ «أحسن دردور» صاحب  كتاب « تاريخ بونا المعاصر» والذي صدر في جزأين، دون ان ننسى الشاعر «كمال دردور» والمفكر الدكتور «عبد الباسط دردور» من جامعة باتنة.
انعدام منهجية ثقافية محفزة
 وراء تضاؤل المقروئية
عندما نتحدث اليوم عن الكتاب، نصطدم  بمسألة تراجع المقرؤية خاصة في مجتمعاتنا العربية، كيف تفسرون هذا التقهقر، وهل يمكن العودة الى الكتاب من جديد ؟
@@ أنا من الشغوفين بالمطالعة ومن رواد المكتبات، تضاؤل المقروئية في العالم العربي عامة والجزائر خاصة، ترجع أسبابه لعدة عوامل استخلصتها في ثلاثة محاور أساسية هي: انعدام منهجية ثقافية محفزة وخلل في صناعة الكتاب من حيث النشر، التوزيع والنقد وظهور وسائل التواصل الاجتماعي.
 ففيما يتعلق بانعدام منهجية ثقافية محفزة!؟، أصبحت البلدان العربية عامة في السنوات القليلة الماضية تعاني من عزوف القراء عن المطالعة وخاصة الشباب منهم، وهذا راجع لعدم وجود منهجية ثقافية تحفيزية تجعل القراءة وحب المطالعة من أولويات الأمور بحيث ان مفهوم الكتاب خير جليس أصبح لا معنى له، الشيء الذي كان سببا في هجر الكتاب.
 من ظواهر العزوف، عدم وجود تحفيز على المطالعة بالمؤسسات التربوية لتعليم الطفل معنى الكتاب وجمالياته، مثل جعل الكتاب جائزة لأي تفوق في أي طور من الأطوار، على أساس أننا نجعل التلميذ يعشق الكتاب والمطالعة.
  مما يخيفنا في كل هذا هوعدم وجود قراء في الطور الجامعي بحيث لم نفكر في أن نجعل للطلبة تحفيزا خاصا باقتناء الكتاب وكذلك لم نفكر في إحداث ندوات ولقاءات تحسيسية لحثهم على المطالعة وعدم الترويج للكتب، بجلب اكبر عدد ممكن منهم للتفكير في مدى فائدة الكتاب.
  وسائل التحفيز في جميع المستويات واجبة، لأن الكتاب يعني جميع أفراد المجتمع، ولا يمكن حصرها بحيث كل الوسائل المتاحة تفيد في الترويج للكتاب.
أما فيما يتعلق بالخلل في صناعة الكتاب، فالجميع يعلم أن صناعة الكتاب تتطلب وسائل وإمكانيات كثيرة، من ضمن هذه الوسائل.. نجد الإصدار أوالطبع إن صح التعبير، الذي أصبح في الآونة الأخيرة هاجس أمام الكتاب، بحيث أن الجميع يرجح صعوبة الطبع الى نقص المقروئية والعكس صحيح ؟ بمعنى ؟
  بخصوص التوزيع والذي يمثل العائق الأساسي لكل الكتاب، بحيث تكاد تنعدم مؤسسات التوزيع للكتاب في الجزائر، مما لا شك فيه ان التوزيع هوالذي يحفز القارئ والكاتب معا ويساهم في الترويج للكتاب بصفة عامة.
أما بالرجوع الى النقد، وهنا نقصد النقد الأدبي البناء والهادف الذي يعطي للكتاب والكاتب معا دفعا ليصبح المبدع ذا صيت في أوساط المجتمع، أضحى في الآونة الأخيرة شبه منعدم ولم نعد نقرأ للنقاد أصحاب «الريشة النقدية» المصحّحة للمفاهيم الشيء الذي زاد الأزمة تعقيدا وأعطى لبعض الناس الفرصة لطبع ما هوشبيه بالكتاب ليزيد المشكلة هونا على هون؟ .
وأخيرا، أقول أن وسائل التواصل الاجتماعي التي هي وسيط تدفع بالإنسان في تثقيفه وتنويره باستعمالها في موضعها، أصبحت نقمة وهذا لما اقتصر استعمالها في العبث والأشياء غير المجدية؟ ، هذه الوسائل المتطورة هي في الحقيقة عند الجادين وسيلة للنهوض بالفكر الى أعلى مستوياته، لكن عندنا أضحت وسيلة ترفيهية ملأت فراغ الناس بما قد لا يحمد عقباه وزاد هذا في العزوف عن المطالعة، ولهذا يجب على المربين توجيه الشباب الى استخدام هذه الأداة الاستخدام الأمثل حتى تكون رفيقا للكتاب وليس بديلا عنه ؟.
 كلمة أخيرة؟
@@  لكل كاتب رسائله التي يريد من خلالها إيصال خواطره لقرائه، وهذا يجرّه الى الإبداع بحيث يصبو إلى إعطاء هؤلاء القراء رؤى تختلف عن تلك المألوفة لديهم، وهذه الغاية تلزمه، الإتقان والصدق فيما يعرضه عليهم لكي يدنو من قلوبهم وواقعهم ويكون منفذا يروا فيما يكتبه شبيها بواقعهم، كما أن كتاباته تجعلهم يحلمون بالأفضل وتغيير الذات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19635

العدد 19635

الجمعة 29 نوفمبر 2024
العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024