وقفت «الشعب» خلال مرافقتها للوفد البرلماني الذي زار أول أمس المركب الغازي بـ«تيقنتورين» بعين امناس، على وقع الخطر الذي يهدد الجزائر من خلال الاعتداء الإرهابي على هذه القاعدة الاستراتيجة، نظرا لشساعة المكان وقربه جغرافيا من مناطق حدودية مع دول الجوار التي تعيش صراع داخلي وأزمة ألقت بضلالها على المنطقة ككل، لكنه في الوقت ذاته أثبت مدى قوة وفعالية المؤسسة العسكرية التي وبشهادة العالم قادرة على إحباط أي محاولة، من خلال التدخل الخاطف والسريع في هذه القاعدة الإستراتيجية، وتمكنها في وقت قياسي من تخليص الرهائن لجنسيات مختلفة من قبضة الجماعة الإرهابية، وقد كان لهذا التدخل تأثير إيجابي على نفسية الإطارات والعاملين بالموقع، وقد بدأت حالة البسيكوز التي إصابتهم تزول بفضل التكفل البسيكولوجي الذي خصصته إدرة «سوناطراك» لأهم الشركاء الثلاث في هذا الموقع الغازي.
كانت الساعة تشير إلى ١٠ صباحا عندما حطت بنا طائرة لخطوط «طيران طاسيلي» تابعة لسوناطراك على أرضية مطار «زرزيتين» وهناك وجدنا في استقبالنا وفد للسلطات المحلية، وبعد أن رحبوا بنا انتقلنا فورا إلى قاعدة تيقنتورين التي تبعد عشرات الكيلومترات عن المطار.
أمن الموقع وسلامته ترعاه عيون لا تنام
ما لاحظناه ونحن نتجه إلى عين المكان هذا الفضاء الشاسع من الرمال الممتدة على مرمى العين، والتواجد الكثيف لقوات الجيش الشعبي الوطني، الذين وضعوا حاجزا أمنيا على بعد مئات الأمتار عن الموقع، بالإضافة إلى نقاط التفتيش ومدرعات في مدخل القاعدة الحيوية، وجنود منتشرين على قارعة الطريق، حيث لا يسمح لأي كان من الاقتراب والعبور إلى القاعدة، إلا بعد أن تعرف كل المعلومات عنه، وسبب زيارته وإلى أين يتجه بالتحديد، قبل أن يرخص له بالمرور.
هذه التعزيزات الأمنية، بعثت الارتياح والطمأنينة لدى العاملين بالقاعدة، وهذا ما جعل إصرارهم كبير لعدم مغادرته منذ القضاء على الجماعة الإرهابية، وبروح معنوية كبيرة عبر لنا الإطارات والعمال سواء في القاعدة الحيوية أو في قاعدة إنتاج الغاز التي تبعد بحولي ٥، ٢ كيلومتر عن الأولى عزيمتهم على محو جميع آثارها وإعادة تشغيل كل وحدات الإنتاج.
قبل دخولنا القاعدة الغازية شاهدنا هياكل سيارات رباعية الدفع متفحمة والتي استعملت من قبل الجماعة الإرهابية لتطويق المكان، فأخذ يتخيل كل واحد منا سيناريو الحادث، وعواقبه في حالة ما لم تتدخل عناصر القوات الخاصة لإحباط العملية، عدة أمور تدور في مخيلة المرء وهو يرى شساعة المكان وانعزاله، ويحاول أن يعرف ما حصل، وكيف كانت المعجزة التي جنبت المركب الغازي الذي تمثل طاقته الإنتاجية ٣٥ بالمائة من القدرة الإنتاجية الإجمالية للغاز في الجزائر.
عند وصولنا إلى القاعدة الحيوية استمعنا إلى بعض التفاصيل حول الحادث قدمها كمال حواس مدير العمليات بمركب انتاج الغاز، وقد لخص للوفد الذي زار المكان تفاصيل عن الحادثة، وذكر أن عناصر من الجماعة الإرهابية عندما دخلت إلى هذه القاعدة، سألت عن المدير العام باسمه، الذي كان متواجدا ضمن الرهائن لكنهم لم ينتبهوا، لأنهم لا يعرفون سوى إسمه فقط، وأشار إلى أن هناك تحقيق جاري حول الحادثة، سيكشف التقرير الذي تعده مجموعة مكلفة بهذه المهمة عن أمور ما تزال تثير تساؤل البعض.
مراد حمدوش كان يقوم بإطعام الرهائن تحت تهديد الجماعة الإرهابية
اغتنمنا فرصة تواجدنا بعين المكان لنجمع شهادات من العمال الذين عاشوا ٣٦ ساعة في قبضة الجماعات الارهابية، وكانوا يجهلون حينها مصيرهم، حيث التقينا بمراد حمدوش الذي يعمل منذ ٧ سنوات في القاعدة الحيوية لـ«تيقنتورين» ، حيث روى لنا تفاصيل عن فترة احتجازه ضمن الرهائن الذين وصل عددهم ٤٠٠ رهينة عدد منهم أجانب.
مراد حمدوش يعمل كمقتصد وهو مكلف بالإطعام في القاعدة الحيوية لـ«تيقنتورين »، وقد كان من بين المحتجزين وفي ذات الوقت كلف من طرف المجموعة الارهابية التي احتلت المكان، بإطعام الرهائن من خلال تقديم بعض «البسكويت» وبكميات قليلة، تكفي لإبقائهم أحياء، طيلة مدة احتجازهم لغاية نقلهم خارج الموقع والبلد.
واضاف يقول أن المجموعة الإرهابية كانت تعتقد أن مدة احتجازها للرهائن ستكون أطول، لغاية تدخل الجيش الشعبي الوطني القوي «الذي خلصنا جميعا من هذا الكابوس وحرر الرهائن بأقل الخسائر»، وقال «لولا العسكر، لكنا الآن نعد من الأموات»، مشيرا الى أن الحادثة أصبحت من الماضي ومعنوياتنا أصبحت ترتفع يوما بعد يوم.
ويعد مراد من بين الرهائن الذين تحدث اليهم الإرهابيون، وقد ترددت على اسماعه عدة اسماء وهم ينادون لبعضهم البعض، وقد احتفظ في ذاكرته على أسماء البعض منها سمع احدهم يقال له «البراء» وآخر عمي الطاهر، هذا الاخير الذي عرف فيما بعد أنه «بن شنب» أمير الجماعة الذي قضت عليه القناصة.
ويذكر مراد زميله البطل امين لحمر الذي انقذ القاعدة الغازية بل البلد من كارثة حقيقة، بعد ان ضغط على زر النجدة وهو من بين الازرار الموجدة في قاعة المراقبة المجهزة بوسائل إنذار حديثة، قبل أن يطلق الرصاص عليه من قبل الارهابين، حيث قال انه التقاه عشية الهجوم، فحيا كل واحد منهما الاخر وتبادلا قليلا من الحديث لينصرف كل واحد الى عمله، وقد عرف شهيد الواجب بطيبته وحسن أخلاقه، بالاضافة الى أنه صديق الجميع.
ويذكر مراد كذلك انه من خلال حديث مع عناصر الجماعة الارهابية، استطاع ان يعرف جنسية البعض منهم، فاحدهم كان مصريا، واخر بدا له من خلال لهجته انه ليبي، وهم اللذين كانا يقدمان له أوامر فيما يخص الاطعام، ويشددان على أن يقتصد في المؤونة التي بقيت.
وقد لاحظنا كذلك في مدخل القاعدة نصبا تذكاريا كتب عليه شهداء الواجب، أين وفق الوفد البرلماني والصحفي اللذات قاما بزيارة تضامنية لموقع «تيقنتورين»، وقيل لنا انه من المحتمل ان يحمل اسم شهيد الواجب امين لحمر الذي قام بسلوك بطل كلفه حياته لكنه أنقذ المركب والبلد من كارثة حقيقية، وعلمنا كذلك أن تدشينه سيكون يوم ٢٤ فيفري الجاري بمناسبة ذكرى تأميم المحروقات.
انفجار السيارة المخخة لم يخلف آثارا كبيرة
انتقلنا بعد ذلك الى المركب الغازي الذي لا يبعد كثيرا عن القاعدة الحيوية، تبدو من بعيد أثار تفحم وحدتي انتاج الغاز، لكن لم يسمح لنا بالاقتراب اكثر من القاعدة، لان عملية تفتيش دقيقة يخضع لها، لتخليصه من جميع الأثار التي لحقت به حتى وان كانت غير بليغة، وذلك نظرا لحساسية الموقع.
بالرغم من أن الاثار المادية لم تكن كبيرة كما قال حواس الا أن هناك أثارا نفسية ما تزال تلاحظ على العاملين وأهاليهم، يتم محوها من خلال التكفل البسيكولوجي، حيث يوجد حاليا أطباء نفسانيون يتابعون حالات بعض العمال الذين ما يزالون تحت وقع الصدمة، وقال أن هذه المتابعة ستستمر لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.
وبالنسبة للإطارات الأجنبية التي غادر البعض منها الموقع، قال حواس انهم في اتصال مستمر عن طريق البريد الالكتروني، وقد أكدوا له أن الطمأنينة عادت الى أنفسهم وأن معنوياتهم الأن مرتفعة، وقد عبروا له عن استعدادهم للعودة الى العمل متى طلب منهم ذلك.
الزيارة مبادرة استحسنها إطارات وعمال موقع «تيقنتورين»
لاقت زيارة الوفدين البرلماني والصحفي الى قاعدة «تيقنتورين» بعين أمناس استحسانا من قبل الإطارت والعمال، الذين خصوا الزوار بترحاب كبير، واستحسنوا هذه المبادرة، التي رفعت معنوياتهم أكثر، خاصة وأن البرلمانيين قاموا بهذه الالتفاتة خلال عطلتهم (بين الدورتين البرلمانيتين).
وبعد أن وقفوا على أثار حادثة ١٦ جانفي الماضي، سألوا واستفسروا عن بعض المسائل، تأكد لدى البرلمانيون مدى فعالية تدخل الجيش الوطني الشعبي، وذلك بالنظر الى شساعة المكان وحساسية الموقع، وهذا ما جعلهم يشيدون بشجاعته وعمله البطولي الذي شهد له العالم، وقبل هذه الزيارة كان قد رافع البرلمانيون من الغرفتين خلال الدورة الخريفية الماضية بضرورة رفع معاشات العسكريين، وذوي الحقوق، نظير ما قدوموه وما زالوا لحماية أمن البلد وسلامته.