أعتقد أن إسرائيل وبفضل دونالد ترامب استطاعت أن تربح «معركة القدس» التي ظلّت تخوضها منذ أن وطأت أقدامها أرض فلسطين العربية قبل ٧٠ سنة، فالخطوة الاستفزازية التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، تشكّل إعترافا فعليّا بضمّ القدس إلى الكيان الصّهيوني، واعتبارها عاصمة له، مع أنّها مدينة تقع تحت الاحتلال، وتقرير مصيرها يمرّ حتما عبر مفاوضات تجمع بين طرفي النزاع، الفلسطنيين والإسرائليين.
وبما أنّنا في زمن الغطرسة والعربدة، فإن حكم القويّ على الضعيف قد نفذ، وترامب بكل تكبّر وتجبّر، أخذ صفّه إلى جانب إسرائيل ومكّنها من مدينة القدس بجرّة قلم واحدة، ضاربا بلوائح الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط، دافعا الفلسطينيين إلى متاهة أخرى من الانكسار والهزيمة، وهو قد فعل فعلته النّكراء هذه التي لم يتجرأ أيّ رئيس أمريكي قبله على فعلها، دون أن يبالي بردّ فعل أصحاب الأرض والحقّ، طبعا فهو والعالم كلّه وصل إلى قناعة مفادها أن العرب أداروا ظهرهم للقضية الفلسطينية تماما، بعدما كانوا يشكّلون جدارا حاميا لها أمام أيّ خطر مماثل.
وحتى الفلسطينيون تفرّقوا وانشقّت صفوفهم وانشغلوا بخلافاتهم، ولم يعد بمقدورهم مواجهة مثل هذا القرار الجائر.
أما بالنسبة للشباب الذي يثور في الشوارع بصدره العاري، فإن الصّهاينة سيكونون بمرصاده، لينتهي المطاف بقوافل جديدة من الشهداء تسقي الأرض الفلسطينية بدمائها دون أن تتمكّن من تحريرها في هذا الزّمن الأغبر الأحقر الذي تضيع فيه الحقوق دون أن يحرّك هذا الظلم شعرة في رأس أحد.
ولا أعتقد بأن أحدا أو دولة في العالم بمقدورها وضع حدّ للغطرسة الأمريكية والصّهيونية، فالعالم أصبح تحت أقدامهما، وبين قبضتيهما، تديرانه كما تريدان، وتدوسان على القوانين الدولية والإنسانية دون أن يردعهما أحد، تارة باسم مكافحة الإرهاب، وطورا باسم منع الانتشار النووي، وهما يملكان هذا السّلاح، وأمريكا أول من استعمله في هيروشيما قبل ٧٣ عاما.
الفلسطينيون اليوم وحدهم أمام اسرائيل وأمريكا، المعركة كما تبدو غير متكافئة بالمرة وقد تكون محسومة مسبقا لصالحيهما، وحلّ القضية الفلسطينية كما أتصوّره أصبح أبعد من أيّ وقت مضى، لهذا لابدّ من استراتيجية مقاومة جديدة، تبدأ بالصمود والالتزام بالأرض وعدم مبارحتها تحت أي طائل، والاستمرار في الاحتجاجات السّلمية والنضال على مستوى المؤسسات الدولية، والأهم من كل هذا عليهم بالتمسّك بحقوقهم كاملة دون تنازلات جديدة، لأنّهم حتى وإن أخفقوا في تحقيق النّصر في ظلّ موازين القوة العوجاء التي تحكم العالم، حتما ستتغير هذه الموازين في يوم من الأيام، ويستعيد الفلسطينيون حقوقهم المغتصبة وسينتصر الحقّ.