تتوفر مؤشرات تنبئ بتجاوز درجة الخطر الناجم عن الصدمة المالية الخارجية التي تم التصدي لتداعياتها باعتماد خيارات اقتصادية ومالية واجتماعية تراعي حفظ التوازنات الكبرى، مثلما تضمنه قانون المالية الذي يضع النمو من خلال تعزيز وتيرة الاستثمار هدفا حيويا في المديين المتوسط والطويل.
يؤكد الوزير الأول من خلال ندوته الصحفية، ليوم أمس، أن تحليل كافة البيانات ذات الصلة بالظرف الاقتصادي المحلي والعالمي الذي يشجع على رسم صورة تحمل تفاؤلا حتى ولو كان متواضعا يجعل الجزائر في موقع أفضل مقارنة بالسنة الماضية، مما يعطي طاقة جديدة للمنظومة الاقتصادية لتواصل إعادة التموقع على مسار التحول وفقا للتوجهات المسطرة بعنوان: بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع قادر على تلبية الطلب الداخلي إلى أقصى حجم ممكن مع السعي الحثيث إلى التصدير.
إذا كان من الضروري التمسك بالخيارات الإستراتيجية، كما هو قائم حاليا خاصة عدم إسقاط أوراق حاسمة مثل قاعدة الشراكة 51/49 وتنمية القطاع العام الإنتاجي وفقا لمعايير النجاعة عن طريق إعادة ترتيب البيت من الداخل وبطريقة مستمرة، كلما كانت الضرورة، فإن الخيارات التكتيكية مطلوبة في مثل هذه الظروف بحيث يجب إقحام كافة الطاقات وحشد كل الإمكانيات في الديناميكية الاستثمارية المطلوبة في ظل معايير الشفافية والنجاعة، بحيث لا يسمح إطلاقا بحدوث انحرافات من شأنها أن تجهض الخيارات وإنما الحرص، على كافة المستويات، على انجاز المسار بكل معايير النجاعة المطلوبة. إن الوقت الآن للعمل في الميدان، حيث ينبغي تجسيد التطلعات ضمن برامج دقيقة تستوعب مشاريع ذات جدوى تتوفر لها عوامل النجاح بفضل انفتاح القرار الاقتصادي على كافة الخيارات التي تلبي الاحتياجات وتستجيب للقواعد الجوهرية، بما في ذلك توسيع الشراكة لاستقطاب الرأسمال الأجنبي الذي يبدي أصحابه ثقتهم في السوق الاستثمارية المحلية في انسجام تام مع المسار الجديد الذي يضع الاستثمار بكافة صيغه في صدارة السوق، وفقا لقاعدة تقاسم الأعباء والمنافع. لعل الاستثمارات التي تجسدت في السنوات الأخيرة، خاصة تلك القائمة بالشراكة في قطاعات خارج المحروقات دليل بارز يحدد بدقة الهوية الاقتصادية للسوق الجزائرية التي تمنح للمتعامل المحلي والأجنبي دون أدنى تمييز كل الفرص للنجاح معا طالما أن الاستثمارات التي يحملونها تندرج في خارطة طريق الخروج من التبعية للمحروقات عن طريق اقتحام نشاطات ذات ربحية في الفلاحة، واسعة النطاق والسياحة والصناعة التحويلية، بما في ذلك تلك المرتبطة بالمحروقات كإنتاج الوقود والبتروكيمياء وتدوير النفايات ضمن التزامات حماية البيئة والمناخ.
في ضوء مثل هذا المشهد سريع التغيرات، حتى وان كانت لا تزال هناك تهديدات أزمة أسواق النفط التي تعرف عودة نسبية للتوازن بفضل تحسن مشجع لأسعار البرميل، ينبغي إعادة بناء إرادة فعالة للخروج نهائيا من دوامة الصعوبات، لكن شريطة أن يساهم كافة الشركاء خاصة من لديهم طاقات مالية معطلة أو نائمة في حسابات لدى بنوط أجنبية في مواصلة مسيرة عبور النفق للخروج منه في أقرب الآجال.
إنها المهمة الجوهرية التي ينتظر أن تنجزها المؤسسة الجزائرية في كل القطاعات وبغض النظر عن طابعها القانوني بتحسين الأداء والرفع من الإنتاجية، ليس من باب الوطنية الاقتصادية فقط ولكن لضمان ديمومتها بالنظر لشراسة المنافسة التي تلوّح في الأفق حاملة مخاطر لن تعطي أدنى فرصة لمن يتردد أو يتجاهل التحولات.