المدينة هي الحضن الذي يحمل الجميع من كافة الشرائح، وللأسف تعاني أغلب مدننا من ظاهرة انتشار الأوساخ إلى درجة أنّ النفايات تحوّلت إلى هاجس اجتماعي يؤرق السكان والمارة وكذا السلطات المحلية، بينما لو أنّ كل فرد أو صاحب دكان أو مطعم أو حي أو مؤسسة يحرصون على ديمومة النظافة حول محلاتهم ومساكنهم في سلوك متمدّن يعكس الاهتمام بالمحيط، لاسترجعت مدننا وبالذات العاصمة بريقها وجمالها.
بلا شك أنّ الجميع متهم، والجميع ضحية كون النفايات تنتشر روائحها وجراثيمها بسرعة البرق، كما أنّها تشوّه المحيط المعيشي فيدفع الشخص ثمن سوء سلوكه أو سلوك نظيره في انتظار عودة لحظة الوعي الاجتماعي والجماعي حتى تسترجع البيئة توازنها. ولعل أكبر صورة لتشويه البيئة والتعدي على المحيط ما تعانيه شوارع العاصمة التي تحنّ لبياضها الناصع المفقود، ليس بسبب تقاعس بعض المسؤولين المحليين وانزوائهم وراء مكاتبهم الفخمة فقط، ولكن أيضا بسبب تراجع قيم التمدن، وتقهقر سلم معايير العيش في المدينة التي تتحمّل الجميع دون أن تجد رد الجميل من أغلب سكانها وروّادها.
للأسف، لم تكن البيضاء بهذه الصورة في الماضي، وهي صورة تكاد تنطبق على أغلب مدننا حين كان سكانها يقدّمون أروع صور التمدن من حيث السلوك وأسلوب الحديث، ومراقبة الذات حفاظا على سمعة سوسيولوجية ذات قيمة ارتبطت بشكل وثيق بالثقافة.
ويا حسرتاه على ذلك الزمن الذي بقدر ما لم تكن تتوفر فيه الماديات بقدر ما كانت تغمره سلوكات تحمل قيما وضعت الإنسان في الريادة القائمة على السلوكات الاجتماعية الراقية، التي بدأت تتراجع وتختفي أمام مشاهد غريبة لا تمت بصلة لروح المدينة مثل البصاق جهارا والكلام البذيء، وإلقاء الفضلات من السيارة والتبول في أماكن عامة، وغيرها من تصرفات بدائية مشينة لا تشرّف أصحابها.
ارحموا مدننا...
سعيد بن عياد
19
سبتمبر
2013
شوهد:647 مرة