كيف يمكنك أن تنسى صورتك الأولى، وأنت تشدّ الرحال من مهد طفولتك، منبع شبابك منتجها نحو موطن لآفاق قد رسمت في خيالك منها أحلى الأحلام. فهل يمكنك أن تنسى أيام الصبى التي قضيتها بين أحضان مدينة ترعرعت فيها، وهدهدتك أطياف نسمة كانت تنعشك حتى قول الشعر. الطفولة وما أعذبها فترة ترنحت على هودج بوحك، كنت فيها طلقا بين الأزقة والمراعي، وأحيانا بكتاتيب المدينة التي ظللت تنهل منها ما لذ وطاب من كلام أحلى من العسل.
ماذا تراها فعلت لك حت تطلقها بالثلاث وأنت من كنت لا تطيق عنها صبرا. شوارعها الضيقة، أشجار التوت التي على حافتي الطريق، النخيل السامقة منذ عهود خلت، أشجار الزيتون بنوعيها، بيت الراهبة القديم، وكوخ العجوز المجنونة ''مهاني الرئيسة''، حتى ''نَعيْجَة'' ذلك العربيد الذي يُشبه أبا نواس في سكره، ويشبه رجالات الجبهة في صحوه، أيمكنك أن تنسى هوايتك في تربية الأرانب، وبيعها، لا أظنك أنك نسيت لعبة ''السيق'' التي كنت تفضلها، وتغضب في حالة ما إذا هُزِمت، ألا يشدوك الحنين إليها، أم أنك كبرت؟ أم صارت لا تمثل لك شيئا بالمرة! حكايات ''ولجة بنت الغول'' وحكاية ''الجازية وزيد لهلالي''، التي كنت حريصا على سماع أطرافها قبل ما تخلو إلى نومك، وأنت تمسك فستان جدتك ''أم السعد'' في حالة كمن فقد مزاجه. العنزة السوداء التي كانت موجودة بفناء بيتكم العتيق، وهي ترضع صغيريها تارة، وتحلبها أنت تارة أخرى. الساقية التي بجانب الشارع، ومياهها الدائمة الجريان، وصوت طيور الوزّ والبراك. وهم يعبثون بتلك المياه في غدو ورواح، العجوز ''الخامسة'' التي تقوم كل صباح باصطحاب الأغنام والماشية التابعة للسكان، وهي في مهنتها وانضباطها الصباح الباكر، وعودتها في المساء بعد الإنتهاء من عملية الرعي.
- إيه'' :طبنة .'' و لكن- !
نورالدين لعراجي
02
سبتمبر
2013
شوهد:779 مرة