وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم في مصر بعد 80 عاما من النضال السياسي الذي أخذ أوجه مختلفة وصل إلى حدّ العنف المسلّح الذي تبناه التيار الجهادي في الإخوان، ومن أبرز وجوهه (سيد قطب) الذي كان يرى أن الوسيلة الأمثل للوصول إلى الحكم هو العنف المسلّح، خاصة بعد ثورة تموز 1952، حيث أطاح الضباط الأحرار بالحكم الملكي مدعومين بالإخوان، حصل على إثرها تقارب كبير بين المؤسسة العسكرية والحركة، ولكن شهر العسل لم يدم بينهما طويلا. لم يتحصل الإخوان على شيء نظير وقوفهم إلى جانب الثورة واتهموا جمال عبد الناصر بالخيانة ونكران الجميل.
وقد تعرض الإخوان خلال حكمه لمضايقات مسّت نشاطهم بما فيه الجمعوي والدعوي، وهي من أكبر الوسائل التي تعوّل عليها الحركة في نشر الفكر الإخواني والانتشار في المجتمع المصري، خاصة في الأحياء الشعبية الكثيفة بالسكان التي تطبعها غالبا حالة الفقر والحرمان.
بعد وصول السادات إلى الحكم، عرفت العلاقة بين المؤسسة العسكرية والإخوان، نوعا من الإنفراج والتقارب، حيث اعتمد الرئيس سياسة أكثر ليونة تجاههم وسمح لهم بالعودة إلى ممارسة النشاط الدعوي والجمعوي بشرط عدم الخوض في الشأن السياسي، وبالفعل عرف نشاط الإخوان إزدهارا انتشارا كبيرين في عهده، لكن باغتيال السادات على خلفية »كامب ديفيد« سنة 1981، خلفه حسني مبارك الذي اعتمد في البداية قبضة حديدية تجاه الإخوان، إلا أنه سرعان ما ألبس القبضة قفازا من حرير، حيث مزج بين استراتيجية جمال عبد الناصر وأنور السادات في التعاطي مع الحركة التي كانت تقدّم نفسها على أنها البديل الأمثل لحكم العسكر، وعملت كل ما في وسعها للوصول إلى السلطة في سعي حثيث على مدى 60 سنة، إلى أن جاءت هذه الفرصة سانحة مع ما يسمى (بالربيع العربي)، وحصول إنتفاضة 25 جانفي الـ20 التي بدأها شباب لا علاقة لهم بالسياسة، سرعان ما استغلها الإخوان وحوّلها إلى خدمة أجندات وتصورات الحركة، وبالفعل وصل الإخوان إلى الحكم عبر إنتخابات ديمقراطية جاءت بعد سنة على إسقاط نظام مبارك. وبعد سنة من حكم مرسي ـ أرض الكنانة ـ يواجه حكم الإخوان إحتجاجات ومظاهرات تطالبهم بالتخلي على السلطة، بعد إخفاقات متعددة الأوجه في تسيير شؤون الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي لم يشعر خلالها المواطن المصري بجدوى »الثورة« التي قام بها والتي سقط خلالها الكثير من الضحايا.
وإذا كان من السابق لأوانه الحكم على تجربة الإخوان في السلطة بعد مرور سنة، فإن الإنطباعات الأولية توحي بأنهم يفتقدون إلى خبرة كافية تمكنهم من التعامل مع الرهانات السلطوية للإبقاء على التوازنات الكبرى الضرورية للحفاظ على الإنسجام المجتمعي داخليا وميكانيزمات إندماج خارجي في هذا الوضع الحرج الذي تعيشه مصر، والذي تحتاج فيه إلى منح أولوية للإقتصاد من أجل الحصول والوصول إلى السلم الإجتماعي، في حين كانت أولوية الإخوان الهيمنة على الدولة من خلال إحكام القبضة على الكتلة البيروقراطية وتجلّى ذلك عبر الصراعات التي تعقب التعيين في المناصب، كان آخرها حادثة محافظ الأقصر.
من الإنصاف القول بأن الإخوان إستلموا الحكم في وضع صعب وحرج أعقب »ثورة« 25 جانفي، وهو خطأ استراتيجي وقعوا فيه باستلامه في هذه الظروف، مما قد يقضي على نضال دام لأكثر من 60 عاما لينتهي خلال سنة واحدة، والأكيد أن سقوط حكم الإسلاميين في مصر سيرهن حكمهم في الدول العربية الأخرى، بعدما بشّروا بحكمهم في تركيا ونجاح نموذج التسيير الإسلامي هناك.
هل بدأ خريف الإخوان؟
أمين بلعمري
01
جويلية
2013
شوهد:768 مرة