يحتدم النقاش ويتزايد الجدل في مختلف الدوائر المهتمة بشأن الغاز الصخري الذي يطرح بديلا للمحروقات التقليدية من غاز وبترول، وتوجد الجزائر ضمن الدول التي تتصدر التوقعات حول الاحتياطات من هذا النوع للغاز الذي تتصدره الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن الصدام يتجه لأن يقع بين أنصار النظرة الاقتصادية والتجارية البحتة من جانب وأصحاب النظرة المترددة من أنصار الدفاع عن البيئة، ولكل قوته وحججه في انتظار أن تتضح الرؤية لدى الجهات المخولة بالفصل في الخيارات بعيدا عن التسرع أو التقليل من طروحات أي من الجناحين.
غير أن المسألة ليست بتلك البساطة التي يتصورها البعض، مما يضع الكرة في مرمى الكفاءات التي لديها المؤهلات العلمية والفنية ذات الصلة بالموضوع لتقديم صورة واضحة على الأقل بما يكشف عن خبايا الموضوع ويضع الرأي العام في صورة الحقائق ليس فقط من حيث الاحتياطات التي يتحدث عنها أطراف من الخارج ولكن أيضا الإنعكاسات التي تمس بالبيئة والموارد الباطنية خاصة الاحتياطات المائية، علما أن المصادر المائية وبالذات الباطنية مرشحة لأن تكون في صميم صراعات دولية إقليمية في المستقبل خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط المرشح لأن يضربه جفاف قاتل. ومن ثمة إذا فالمسألة عميقة وحساسة تتجاوز الإطار الطاقوي المجرد. الأمر الذي يتطلب إقحام المخابر ومراكز البحث بكافة تخصصاتها للدفع بالتشخيص والتدقيق واستخلاص التوصيات المجردة من خيارات حاهزة أو يكتفي أصحابها بإعادة إنتاج سيناريوهات مستوردة.
ويؤكد على هذا الأستاذ بن تليس عبد الحكيم، نائب عميد كلية علوم الأرض والجغرافيا وتهيئة الإقليم، الذي دعا ـ لدى استضافته بجريدة «الشعب» ـ إلى أخذ الوقت الكافي لبناء تصور متحكم فيه وقابل للسيطرة حتى يمكن حماية تفادي مخاطر محتملة وذلك بالعمل على امتلاك الأدوات والامكانيات اللازمة التي توفر الاجابات المطلوبة عند اللزوم والتوفر على البديل إذا ما نفذت آبار البترول يوما ما. وفي سياق تحليله لا يرى مانعا من الاشتغال على الموضوع من حيث الاستكشاف بعيدا عن التسرع في معالجة ملف كهذا وذلك تحسبا للمستقبل الذي ينذر بصراعات على مصادر الطاقة التي لا يبدو أنها تعترف بالجغرافيا.
وفي هذا المناخ المتشنج الذي يتجه للتصعيد بين الجناحين وهو من زاوية أخرى مؤشر صحي يعكس مواكبة المجتمع للتحولات واهتمام المجموعة الوطنية بما يدور حولها بما في ذلك المسائل العلمية والتكنولوجيا خاصة وأن الموضوع يخص قطاعا يرتبط بحاضر ومستقبل أجيال برمتها، فإن المختصين في العلوم والابحاث ذات الصلة على مستوى المعاهد والمراكز الجامعية معنيون أكثر من غيرهم بتقديم المعطيات وفك شفرة الغاز الصخري والكشف عن إجابات حول تساؤلات تتعلق مثلا بمدى خطورة أعمال الكسر الباطني وتأثيراتها على القشرة الأرضية ومدى الفاتورة التي يتحملها قطاع المياه وانعكاسات المواد الكيماوية المدخلة في العملية برمتها من الاول إلى الآخر على جوف الأرض والبيئة بمفهومها الشامل.
وإذا كان الماضي قد تحمل نتائج اتخذت تحت الضغط مثل الحاجة إلى تسريع وتيرة التنمية أو لتدارك التأخر الاقتصادي والاجتماعي خاصة غداة خروج البلاد من ليل استعماري طويل استنزف الأرض والعباد، فإن الحاضر يوفر قدرات وامكانيات جامعية وعلمية لديها الكفاءة والالتزام لمرافقة مسار معالجة ملفات مثل ملف الغاز الصخري وبالتالي تمكين صاحب القرار السياسي من الإلمام بالموضوع عن كثب ومن ثمة القدرة على مقارنة النتائج المحصل عليها من مصادر وطنية بتلك التي تسوق من جهات خارجية تهيمن على أسواق الطاقة وتخطط لمستقبلها بمراعاة جانب البيئة كذلك.
وبلا شك أن رجل العلم المؤهل وغير الخاضع لايديولوجيا الربح والرأسمال وليس تابعا لقوى علمية أجنبية قادر على كبح جماح الدخلاء على ملف مثل غاز الصخور ومنهم من إنزلق وراء تسرع أو من تخندق وراء تحفظ، وبين الاتجاهين لا يوجد بديلا عن العلم لتصحيح المفاهيم وتبديد الغموض، دون اسقاط الخيارات الأخرى لمصادر الطاقات البديلة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية.
تصحيح المفاهيم وتبديد الغموض
سعيد بن عياد
28
جوان
2013
شوهد:761 مرة