المتمعن لما حدث في الأقصى مؤخرا يخرج بالنتيجة التالية وهي حجم تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وانتمائه ولعل أكبر دليل على ذلك هو أنه حتى الفلسطينيين الذين حملوا جنسية المحتل مجبرين لا تعدو كونها جواز سفر أو بطاقة هوية دون أن يحملوها في قلوبهم ولا أقصد هنا الكهول والشيوخ ولكن شباب في ربيع العمر لم يعيشوا النكبة والحروب العربية-الاسرائيلية المتتالية بانتصاراتها وهزائمها وغيرها من محطات الصراع ولكنهم لازالوا رغم ذلك يؤمنون بانتمائهم ويدركون أنهم ليس بينهم و بين الجنسية التي يحملونها أي ارتباط وأولئك الشباب هم الذين ينفذون اليوم العمليات الفدائية ضد جيش الاحتلال ويموتون من أجل وطنهم المغتصب.
ما أشبه الحالة الفلسطينية بالجزائرية فمن كان يعتقد أنه بعد قرن على الاحتلال الفرنسي للجزائر و في الوقت الذي كان الاستعمار يحتفل بمئوية الاحتلال (1830- 1930) وأعتقدت فرنسا أن الهوية الجزائرية قد حسم أمرها ونجحت باستبدالها بـ(الفرنسي المسلم) دون أن تنتبه أن تلك الفترة نفسها أي بعد 100 سنة كان هناك جيل يرى هو الذي حارب الاستعمار وهو من قاد المفاوضات من أجل استقلال الجمهورية الجزائرية، مما يؤكد مرة أخرى أن مقولة "الاستعمار تلميذ غبي" التي أطلقها الجنرال الفيتنامي "جياب" حقيقة وها نحن نرى اليوم بأم أعيننا كيف يمارس الاحتلال الصهيوني نفس الأساليب في فلسطين المحتلة للقضاء على الوجود الفلسطيني إلا أنه و بعد أكثر من نصف قرن لم ينقرض هذا الفلسطيني من الوجود بل على العكس مازال بما تحمله رمزية كوفيته وصدره العاري يحارب الغطرسة الصهيوينة ويحبط سياسات التهويد الجهنمية التي تدعمها ترسانة حربية هائلة و دعم أمريكي غربي يقدر بملايير الدولارات و لكن رغم ذلك مازال أحفاد ضحايا مجازر قانا ودير ياسين يؤكدون فشل سياسات الإبادة في اجتثاث الفلسطيني من أرضه وهذا لأن الشعوب نفسها أطول من محتلها وهي التي تنتصر يقينا.
الأكيد أن الشعب الفلسطيني يكون قد حقق انتصارا استراتيجيا على الاحتلال في المواجهة المستمرة في الأقصى ضمن مسلسل الصراع الطويل ولا يكمن هذا النصر في إجبار إدارة الاحتلال على إزالة البوابات الالكترونية لأن قصير النظر فقط هو من يتوهم أن المسألة تتعلق بوضع أجهزة للتفتيش والمراقبة.