تظل القراءات النقدية والمقالات الانطباعية للمشهد الأدبي من المهام الجيدة والمميزة والأكثر أهمية، خاصة وأنّ اكتمال النصوص والأعمال مهما كان نوعها لن يملك خصوصياته ما لم يكن مرفوقا بعمل يحاول تفكيك كمائنه، وإظهار ذلك الاسترسال اللغوي والنسقي بين الأعمال المنجزة أو النصوص الجاهزة.
مهما كانت الأعمال الأدبية أو المسرحية أو السينمائية أو غيرها من الفنون لا يمكنها امتلاك صبغة التباهي بحضورها، ما لم تكن هناك ممارسة نقدية في الشكل والموضوع يمتهنها متمرس في النقد يملك أدوات التحليل والغوص في ثنايا النص أو يمارسها مهتم بهذا المجال ومتابع للمشهد الأدبي، فيضع عليها صبغة القراءة الانطباعية من جهة، لتتحوّل إلى دراسة عينية.
الكثير من الأعمال الأدبية والمسرحية لم تصل بعد إلى مستوى الجودة والصنعة، وبقيت قاب قوسين من الأشكال الأخرى التي لا تحظى بحضور النقاش والمداخلات حولها، فالنص الجيد هو نص يترك خلفه الاثارة ويجعل القارئ يتوه في سلسلة الاسئلة الفلسفية والوجودية ليس المتعة والرغبة وحدهما فقط، فإن عامل الدهشة له أكثر من سؤال.
النص الجيد هو أيضا من يمنحك تأشيرة الولوج إلى صاحبه دون أن يثير هذا الولوج انتباه الاخر، ولا يخلي بالمعنى الحقيقي للفكرة المراد صياغتها أو الوقوف عندها، لذلك نجد أن الممارسة النقدية من أهم المراحل التي تمنح هذه النصوص قيمة إضافية في البقاء والعيش والخلود.
لا غرابة أنّنا مازلنا إلى حد اللحظة نقرأ نصوص وأشعار القدامى، ونشاهد نستمتع تارة ونرددها تارة أخرى، نحفظها عن ظهر قلب، نردّدها في المناسبات وفي غيرها، مازلنا نستمتع بأفلام مازالت خالدة في الذاكرة رغم أن أصحابها لم يكن لهم أي وجود بيننا الآن، ومازالت هذه السيناريوهات إلى اليوم تمارس حقها في العيش بين المكتبات وفي الجامعات، وفي غيرها من الأماكن الأخرى ذات العلاقة بالكتاب والقراءة.
لذلك فإنّ دور مخابر البحث بالجامعات والمراكز البحثية هو دور ريادي ومهم في استنطاق هذه المحطات المهمة من عالم الابداع والكتابة، وإن كانت المسؤولية أكاديمية أكبر منها مسؤولية أدبية، فإن هؤلاء هم مجبرون بالولوج إلى هذه المحطات وتقريبها بشكل نقدي بعيد عن المحاباة وعن المعاداة أيضا، ليكون النص هو الفيصل والنقد هو الحكم لا شيء آخر غيرهما.
