عرفات... الرمز الحاضر الغائب

جمال أوكيلي
08 مارس 2017

ماتزال الروح الطاهرة لرمز الثورة الفلسطينية ياسر عرفات تلاحق القادة الصهاينة وتززع الرعب في مفاصلهم وهو في مماته يرقد في أرض لطالما حلم بأن يكون شاهدا على تخلصها من احتلال وحشي.. ويصلي في أولى القبلتين وثالث الحرمين مثلما كان يردده علينا دائما: «سنصلي معاً في القدس»، بابتسامته العريضة المعبرة على صلابة شخصية الرجل وقدرته الفائقة على إحباط معنويات الآخر والتأثير في مشروعه العدمي.
هذا الإنسان الزاخر بالقيم الثورية والحماس الفياض المؤدي إلى سقف التضحية، أسقط كل الحسابات السياسية أمريكيا، إسرائيليا وعربيا، وأراد أن يضع القرار الفلسطيني داخليا بين الطلائع التي تقاوم العدو.
نتنياهو لم يكتف بإبادة غزة، لتضاف إلى سجله الأسود هذه المرأة منعه تسمية أي شارع في فلسطين المحتلة باسم هذا القائد التاريخي، بعد إطلاقه على مدينة باقة- جت العربية، الواقعة في شمال هذه الأرض الطاهرة.
فقد جنّ جنون هذه الرجل عند سماعه الخبر وأول رد فعله هو اعتراضه على تثمين المسار الثوري لعرفات من طرف شعبه، وهذا بترسيخ تلك الصلة الأبدية بين الإنسان الفلسطيني وأرضه، وهذا في حد ذاته ترجمة لذهنية صهيونية حاقدة، وعنصرية تريد بشتى الطرق إلغاء ومحو الوجود والإنتماء لأصحاب الحق.
الإسرائيليون وعلى رأسهم نتنياهو، يتذكرون جيدا التاريخ. وفي خضم كل هذا، توصلوا إلى قناعة مفادها، أن الراحل عرفات هو الذي وضع حدّا لعطرستهم وعنجهيتهم، سواء خلال مرحلة النضال أو في فترة السلام، وهذا عندما اصطدموا بمفاوض صعب المراس، لا يتنازل عن أي شبر لصالح الصهاينة، يحاسبهم على النقطة والفاصلة، أجبرهم على الانسحاب من الضفة والقطاع غداة انسداد الأفق وتخلي الجميع عن الفلسطينيين في تلك الفترة المعقدة من التسعينيات. وبالرغم من هذه المكاسب الأولية، فإن عرفات واصل كفاحه ضد الإحتلال، رافضا أي إضافة على ما ورد في اتفاقيات أوسلو.
هذا الموقف التاريخي كلفه متاعب جمّة، منها ما دأب على قوله نتنياهو بأن عرفات ليس شريكا مؤهلا لاستكمال مسيرة السلام والتي أرادها أن تكون استسلاما كاملا بالتوقف عن المطالبة بالعناوين الكبرى، منها القدس والأسرى، والمستوطنات، وغيرها من ثوابت القيادة الفلسطينية.
وإلى آخر يوم من رمقه، الناجم عن الحصار اللاّإنساني في مقر الرئاسة برام الله، رفض عرفات الخضوع مفضلا ترك الأوضاع كما هي عليه، على أن يأتي جيل آخر لمواصلة مقارعة إسرائيل بالوسائل المتاحة، وعدم ترك لها أي هامش، للظهور بمظهر الضحية، كما يريد البعض القيام به لصالح إسرائيل وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق جماعات الضغط واللوبي الصهيوني.
هذا هو عرفات، الرئيس المناضل والمفاوض الذي دوخ نتنياهو في كم جولة من جولات المفاوضات. وعندما يعجز عن الاستمرار في الحوار، يلجأ إلى حجج واهية منها إتهام الآخر بالعرقلة، ومازلنا حتى الآن في هذا النهج المبتور والأعرج، الذي أوقفه عرفات لينتقم منه نتنياهو وهو غائب.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024