يلتقي الشركاء الاقتصاديون والاجتماعيون في موعد جديد غدا بمناسبة انعقاد الثلاثية الـ 20 بعنابة لتجديد الالتزام بقاعدة الحوار والتشاور، حرصا على تجسيد أهداف النمو في ظلّ الوضعية المالية الصعبة التي تتطلب مضاعفة الجهود وترقية الأداء لتوفير الموارد المتاحة وفقا لخيار ترشيد النفقات المالية التي توجه إلى قطاعات منتجة للثروة وكم هي عديدة في بلادنا، خاصة في الهضاب العليا والجنوب حيث بدأت تبرز استثمارات تعزّز الثقة في القدرات المحلية المفتوحة على شراكة ذكية.
وحتى إن كانت المؤشرات الراهنة - منذ أن دخل سعر برميل النفط مرحلة التراجع في منتصف سنة 2014 - لا تزال هشة وتستدعي الحيطة والحذر، فإن الحصيلة الاقتصادية بكافة جوانبها المالية والإنتاجية والاستثمارية مقبولة وتشجع على مواصلة مسار بناء خيار التحرر من التبعية للمحروقات من خلال بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع تكون المؤسسة الاقتصادية قلبه النابض.
إن الأزمة البترولية التي مسّت الكثير من البلدان وضعت المؤسسة الجزائرية في كل القطاعات أمام تحدّ مصيري يمكن رفعه بالمثابرة في العمل على كافة المستويات من الورشة إلى المصنع، مرورا بالإدارة ذات الصلة، في ظلّ حماية الاستقرار وتنمية الحوار الاجتماعي الذي يبدّد الخلافات ويساعد على إيجاد الحلول الواقعية بما يحمي مكاسب عامل الشغل ويرافق مسار النمو.
لقد تمّت تسوية بالقوانين والتنظيمات العديد من الملفات مثل العقار الصناعي الذي حسمت الحكومة أمره بتكليف السلطات العمومية المختصة بتشخيص الوضعية الميدانية واسترجاع الفضاءات غير المستغلة لفائدة متعاملين لديهم مشاريع حقيقة وذات جدوى وينبغي مواصلة العملية بوتيرة أسرع وضمن قواعد الشفافية لإعطائها البعد الاقتصادي انسجاما مع أهداف النموذج الجديد للنمو. ويجد هذا التوجه صدى لدى الشركاء الأجانب وهيئات دولية مثل صندوق النقد الدولي الذي يقوم خبراءه، مع السلطات الجزائرية، بمعاينة الوضعية الراهنة والسياسات المنتهجة لتنشيط النمو. علما أن «الأفامي» يتوقّع تسجيل انتعاش بداية من سنة 2021، بإنجاز معدل 3,4 من المائة مقابل 2,9 من المائة متوقعة في 2017 و3,6 في 2016.
وتحقّقت بالفعل نتائج ملموسة من خلال اعتماد إجراءات الحدّ من الاستيراد وتشجيع التصدير الذي يبقى المخرج الوحيد والأمثل للمؤسسة الجزائرية في قطاعات بدأت تفرض وجودها في السوق مثل الصناعات المختلفة والفلاحة، في انتظار نهضة سريعة لقطاع السياحة الذي لايزال متأخرا عن ركب النمو، رغم توفره على سوق جذابة ومناخ ملائم وتنافسي مقارنة بوجهات إقليمية ودولية من نفس الخصوصيات من حيث المؤهلات والقدرات والتطلعات، التي لا ينبغي أن تحدها ممارسات أو عراقيل ستؤول إلى الزوال حتما، خاصة بإدخال وتعميم تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة.
وينبغي في كل هذا، أن يلعب القطاع الوطني الخاص، كمكمل للقطاع العام، دورا رياديا بانخراط المتعاملين ورجال الأعمال الحقيقيين في عمليات استثمارية منتجة للثروة ضمن مشاريع بمختلف الأشكال والصيغ بما فيها تلك التي تدرج الرأسمال الأجنبي تجسيد التحول الاقتصادي. علما أن عدة مبادرات تحقّقت في هذا المجال دون أن تتأثر بالضوابط القانونية مثل قاعدة 51/49 التي ينبغي التأكيد على أنها صمام أمان في وجه أي تلاعب محتمل، مثلما حصل في تجارب سابقة، وبالتالي لا تعرقل الاستثمار الحقيقي المنسجم مع توجهات السوق الجزائرية التي، رغم بعض النقائص التي تجري معالجتها، تملك مؤهلات تنافسية وفرص نجاح أكيدة.