حوار هادئ لأزمات ساخنة

فنيدس بن بلة
26 فيفري 2017

إنها وقفة تقييم وتقويم لمسار الحوار جنوب ـ شمال المتوسط في الذكرى ال11 من تأسيسه بالجزائر، واضعا رؤية استشرافية لحلول تعقيدات ونزاعات وحروب ملتهبة كثيرا ما تكون من فبركة الآخر وصناعة مخابره لحسابات مصلحية وصراعات نفوذ.
وقفة تأمل ورصد لمسار الحوار الذي وضع أسسه المؤتمر التأسيسي بالعاصمة يوم 26 فيفري 2006 برعاية رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة صاحب مبادرة السلم والمصالحة والرؤية الأخرى للحوار المتوسطي المبني على توازن المصالح والرؤى بعيدا عن الانتقائية والمكيالين والإملاءات التي كانت السبب الأول والأخير لتعثر مسارات وما أكثرها في الحوض المتوسطي.
ظهر هذا جليا في منتدى الشعب الذي شرح من خلاله أصحاب المبادرة المشاركين في وضع أسس الحوار وضبط أهدافه وغاياته ومساراته في لقاءات تمهيدية قبل مؤتمر الحسم بالعاصمة وما تمخض عنه من إعلان الجزائر المحدد لخارطة طريق تعالج ملفات الحوض المتوسطي بروح التشاور  والهدوء بعيدا عن أي تشنج ووصاية تنظر إلى الآخر الجنوبي كأنه قاصر لا يحمل مبادرات الحلول ولا يقوى على مناقشة القضايا المصيرية يكتفي بما يطرح عليه وينفذه.
ظهر هذا واتضح من خلال المداخلات التي رافعت لرؤية بديلة تعتمد الحوار ولا تقبل بالقفز عليه وشطبه من معادلة تسوية الأزمات والنزاعات في حوض مثقل بالهموم ويحمل جروح حروب ونزيف نزاعات وقضايا متراكمة ما زالت تعترضها ألف عقبة وعقبة في الحل بسبب نقص الإرادات السياسية وقلة العزيمة مثلما هو الشأن مع القضية الفلسطينية التي تراوح مكانه منذ أكثر من نصف قرن ولا تضغط دول المتوسط بالقدر الكافي الشافي على الطرف المحتل وجره لتطبيق اللوائح الأممية وإقرار حل الدولتين.
أكد هذا الطرح شارل فرديناند نوتومب وزير دولة البلجيكي ورئيس مؤسسة الحوار جنوب شمال المتوسط . ودعمته ياسمينة طايا رئيسة الشبكة الجزائرية حاملة نفس التسمية. وشددت عليه السيدة أمينة دباش الرئيسة المديرة العامة لجريدة الشعب. وأعطاه بعده المستحق في النقاش متدخلون آخرون مبرزين  المسار الذي اتخذته المبادرة والاتجاه الذي سلكته كاسبة قوة ومصداقية من خلال المؤتمرات الأربعة التي تلت اجتماع الجزائر ممثلة في اليكانت 2009، تونس 2012 و ميلان 2015 في انتظار المؤتمر 2018 المرتقب تحديده في اجتماع بروكل التشاوري شهر أفريل القادم.
فحصا لكل هذه المؤتمرات تتضح مدى جدية المسعى الذي يخوض معتركه المجتمع المدني في ضفتي المتوسط وسباقه ضد الساعة لإقناع الآخر المتردد بجدوى إعلان الجزائر المرجع والبوصلة المحددة للاتجاهات والمسارات الأخرى غير  المبادرات السابقة التي ولدت ميتة بسبب عدم التحرر من عقدة التعالي وإعطاء الوصفات والحلول الجاهزة التي تخدم الآخر ولا تمنح مثقال ذرة للشراكة المتوازنة ومسار برشلونة المثال الحي.
تعطلت مسارات الحوار الأخرى بسبب التناقض الرهيب الذي سقطت فيه دول الضفة الشمالية التي تبرأت خطأ من مسؤولياتها في تاجج حروب ونزاعات حملت تسميات متعددة ولدت جحافل النزوح والهجرات وغذت موجات الإرهاب والجرائم المنظمة. وبدل الكف عن إشعالها وإصلاح سياساتها  قررت إقامة حواجز وممنوعات وسياج حديدي اعتقادا منها أنها المؤمن من تدفق حركات البشر إلى القلعة الأوروبية بدل اعتماد الحوار كمخرج للأزمة وبر للنجاة مثلما يوصي به الحوار جنوب شمال ويراه المؤمن لاستقرار الحوض واستعادة تسميته المعهودة والمصطح المفقود: بحر آمن وسلام.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024