تشاء الصدف أن يتزامن الاحتفال بالذكرى الـ 56 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 بالعاصمة وتبعتها في مختلف ولايات الوطن، بالمولد النبوي الشريف وهما مناسبتين عظيمتين، الأولى تتعلق بكفاح ونضال شعب طيلة 132 سنة من الاحتلال والثانية تتعلق بسيد الخلق وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، دون أن نغفل ذكرى تأسيس جريدة «الشعب».
تذكرنا مظاهرات الـ11 ديسمبر التي شارك فيها الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 و15 سنة بانتفاضة أطفال فلسطين أو بالأحرى أطفال الحجارة، حيث هبّ أطفال في عمر الزهور مع النساء والرجال لمجابهة الآلة الاستعمارية والمظليين الفرنسيين الذين لم يرحموا براءة الأطفال وأطلقوا عليهم الرصاص، فسقطوا شهداء منهم صليحة، فريد وعمار وغيرهم من الأطفال الذين نزلوا من المدنية حاملين العلم الوطني، متوّجهين إلى أحياء بلكور وساحة الشهداء والحراش.
هذا الحدث التاريخي لا يقل أهمية عن ثورة الفاتح نوفمبر 1954 كونه ساهم في نقل معاناة الشعب الجزائري ومطلبهم الشرعي الاستقلال عكس ما ادعته الحكومة الفرنسية، إلى أروقة الأمم المتحدة والتي تزامنت مع دراسة القضية الجزائرية ففي 20 ديسمبر 1960 تمت المصادقة على اللائحة الأفرو أسيوية التي تشرف وتراقب مهمة تقرير المصير في الجزائر، وقد كان وقعها كبيرا على المستوى الدولي، بحيث نقلت كاميرات الصحافيين الأجانب كل ما حدث في ذلك اليوم وبطش المظليين والشرطة الفرنسية للمتظاهرين، والتي رافقتها حملات الاعتقال.
لا يمكن أن تمر ذكرى 11 ديسمبر 1960 مرور الكرام، كونها أيضا شهدت ظهور أول جريدة ناطقة باللغة العربية ألا وهي جريدة «الشعب» الصادرة في الـ11 ديسمبر 1962، لسان جبهة وجيش التحرير الوطنيين، وكذا كل الجزائريين لأنها تهتم بانشغالاتهم وتنقل معاناتهم، كما أنها تؤرخ للمحطات التاريخية التي مرت بها ثورة التحرير الوطني، وتمجد شهداءها.
مرة أخرى تظهر هذه المحطات المجيدة من سجل ذاكرة الأمة، مدى تلاحم الشعب الجزائري على مر الحقب والعصور، منذ الاستعمار البيزنطي والوندال والرومان إلى غاية الاستعمار الفرنسي، وتؤكد من جديد أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا وأنه لا منزل يأوينا إلا الجزائر التي تبقى عزيزة على قلوبنا وكما يقول المثل»بلادي وإن جارت عليا عزيزة». فلنحافظ على ما تركه الأجداد ونسعى لبناء الوطن مثلما أراده الشهداء، وعلى الطبقات السياسية في البلاد إدراك ذلك والكف عن الجري وراء مصالحها بعيدا عن المصلحة العليا للوطن.