«أوبك» تولد من جديد

سعيد بن عياد
30 نوفمبر 2016

سجلت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبيب) مكسبا يعيد لها جانبا من المصداقية في الأسواق النفطية، بتوصل وزرائها في اجتماع فيينا، أمس، إلى تفعيل بنود اتفاق الجزائر الذي أنجزته بلدان المنظمة في سبتمبر الماضي، في ظل جهود حثيثة بذلتها الجزائر أعطت ديناميكية للمفاوضات والتوصل إلى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء ضمن تصور يستجيب لمصالحهم، التي تكمن في اعتماد سعر متوازن وعادل لبرميل النفط بمعدل يراعي مصالح البلدان المستهلكة لهذه المادة الحيوية بالنسبة للاقتصاد والنمو العالميين.
بالفعل، تبددت المخاوف لتفتح صفحة جديدة سوف تنعكس على نمو الاقتصاد العالمي في ظل انتعاش أسواق المحروقات، كون مصلحة الشركات العالمية واقتصادات البلدان الصناعية ترتبط مباشرة وبنسبة عالية بمدى انتعاش النمو في البلدان المصدرة للنفط، ضمن جدلية تعتبر فيها البلدان المصدرة للخام زبونا مهمّا لدى البلدان المستهلكة ومن ثمة تستمد مصلحة كل جانب من مصلحة الجانب الآخر.
وكان لتأكيد اعتماد اتفاق الجزائر، التي تتحمل جانبا من حصص التخفيض بـ50 ألف برميل يومي، أثر مباشر، بتسجيل انتعاش معتبر لسعر برميل النفط ليرتفع الى 51 دولارا للبرميل إلى حد كتابة هذه الأسطر.
لم يكن مسعى إعادة بناء توافق داخل أوبيب ظرفيا، إنما كان ثمرة عمل واسع وشامل بادرت به الجزائر على أعلى مستوى منذ أن تأكد تراجع أسعار النفط في صيف 2014 لتتقهقر إلى مستويات لم يكن بالإمكان البقاء تجاهها بدون بعث الاتصالات الدبلوماسية واللقاءات الوزارية التي لعبت فيها الجزائر دورا محوريا، من منطلق تمتعها بالمصداقية لدى كل الأطراف، بما في ذلك بلدان منتجة من خارج المنظمة، مثل روسيا، التي أعلنت التزامها بالنتائج التي تعيد الاستقرار للأسواق وتنعش الأسعار بمعدل مقبول.
ورغم بروز بعض مؤشرات عودة الخلافات بين قوى بترولية لها وزنها في السوق، مما أدى بالبعض إلى التشاؤم والحذر من بعض آخر بشأن التوقعات لما تتمخض عنه جلسات فيينا، إلا أن يقظة الجزائر، من خلال الرفع من وتيرة الاتصالات وإطلاق جولة زيارات طويلة ودقيقة، بمتابعة وتوجيه مباشر من الرئيس بوتفليقة، إلى بعض العواصم ذات النفوذ في صياغة قرارات المنظمة، من أجل تأكيد الحرص على أن اتفاق الجزائر القاضي بتخفيض إنتاج البلدان أعضاء أوبيب وامتصاص الفائض وفقا لحصص موزعة بشكل مدروس وتوافقي بين الأعضاء يمثل المخرج الناجع والحقيقي من أزمة انهيار الأسعار وتفكك السوق.
وعلاوة على النتائج المالية والاقتصادية المرتقبة، بدءاً من أول جانفي 2017، التي تمثل منعرجا لإعادة السوق إلى طبيعتها، فتعود وتيرة الاستثمارات النفطية الى معدلات إيجابية، فإن منظمة البلدان المصدرة للنفط التي عانت لسنوات من تداعيات خلافات ذات طابع غير اقتصادي، زادت من تعقيداتها تدخلات لقوى عالمية نافذة لخدمة مصالحها الحيوية، عرفت كيف تعود الى الساحة كتكتل اقتصادي حريص على تحمل مسؤولياته الوطنية والدولية ضمن معادلة متوازنة تتميز باستقلالية مسؤولة، خاصة وأن عددا من أعضائها أدركوا أن انهيار الأسعار بالشكل المسجل سوف يلحق بهم الضرر الكبير ولو بعد حين.
وكان لتغليب الحكمة التي سادت طيلة الأشهر الأخيرة على اعلى مستوى، أثره الايجابي على مسار تكريس اتفاق الجزائر الذي حظي في نفس الوقت بدعم من خارج المنظمة، كما هو الموقف الروسي الداعم لهذا الخيار الذي ينبغي أن يلتزم كافة الأطراف بتطبيق توجهاته المتضمنة في اتفاق الجزائر ضمن روح من المسؤولية والتضامن، فيكون لذلك تداعيات إيجابية على موارد البلدان لتضمن حقوق شعوبها في التنمية الشاملة.
لقد اقتنع الجميع بأن استمرار مسار انهيار الأسعار لن يكون في مصلحة أي بلد، بما في ذلك البلدان المستهلكة التي لا تقبل أن تسقط امبراطورياتها النفطية ممثلة في الشركات العالمية التي يهمها أيضا تحسن الأسعار، باعتبارها أول المستفيدين إما مباشرة أو من خلال الودائع المالية للبلدان النفطية في بنوك البلدان الصناعية، تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التي تندرج مصالحها في إطار المشهد الشامل لسوق المحروقات العالمية، في ظل استقرارها وتوازن أسعارها، ليتجه العالم إلى مرحلة جديدة يكون فيها نمو الاقتصاد العالمي القاسم المشترك للبشرية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024