وداعا بشير الخال... عفوا الأستاذ

نورالدين لعراجي
23 نوفمبر 2016

قبل أن أعرفه شخصيا كنت أتباهى أمام الأصدقاء أنه من العائلة، بحكم أنه يحمل لقب والدتي حمادي حدة رحمة الله عليهما الاثنين، كان أول لقاء جمعني بالرجل في بداية التسعينات وأنا عائد من الجماهيرية الليبية أحمل بين يدي الجائزة الأولى في العلوم السياسية من جامعة ناصر الأممية، بعد مسابقة الطلبة العرب آنذاك، في طبعتها الثالثة، لم يسبق لي أن ألتقيته من قبل ولا أن رأيته، ولا أن حملت له في ذهني صورة لشكله الذي قابلته لأول مرة.
كان مقهى خميستي في أسفل العمارة التي يتواجد بها مقر مجلة «الأثير» ونادي الصحفيين والمترجمين، لصيقة بها مكتبة زالت عناوينها ورفوفها اليوم، وبقيت أطلالا فقط، هي الآن مقر لحزب سياسي، قرب البريد المركزي، كان الفقيد يهم بالخروج، وعلى عتبة المدخل التقاه الإعلامي المرحوم محمد بوغرارة الذي كنت برفقته بمكتبه، وكان مديرا للتحرير بالمجلة عينها، فقدمني إليه على أساس أنني شرفت الجزائر بنيلي الجائزة، فرد عليه معلقا  قائلا: هذه سنة الإنجازات للجزائر بامتياز، وقد تصادف الأمر ساعتها بتألق كل من العداء نور الدين مرسلي في «ألعاب سيدني» وأيضا اللاعب ماجر في فريق فرنسي اعتقد أنه بورتو، دخلنا مقهى الكتاب والفنانين.
بخجل كان يرافقني، وصدفة لم ترسم في مخيلتي، قلت له أوتعلم أنني دائما أقول بأنك من العائلة ومن أخوالي في إشارة إلى عائلة حمادي «لقب والدتي» فضرب بأخمس يده على يدي، وبفرح صامت يظهر خلفه طاقم أسنانه البادية، وجفون تعلنان سعادتهما خلف زجاج النظارات، تبسم في وجهي وقال لي «قلها وأنا معك نعم الخال» مخصصا لي حوارا حول الجائزة.
منذ ذلك التاريخ وأنا التقيه باستمرار فيسألني عن أحوال الجريدة بحكم أنه قضى فيها عمرا طويلا، قبل أن ينتقل إلى الزميلة «المساء»، وعن ظروف العمل والمهنية، يحمل بين يديه دائما جرائد متنوعة وحقيبته الجلدية السوداء، وعلى كراسي مقاهي البريد المركزي، كنت التقيه باستمرار، نرتشف قهوة رفقة الأصدقاء ونستمع لأحاديثه وتناوله للأشياء العالقة، صارا لمكان المحج الأكثر إليه من جدران الجريدة، فتارة منكتا وتارة يحلل الأوضاع منتقدا وواضعا لمسات الحوار والخيار، ذو بديهية جريئة، في تناول المسائل، وظل وفيا للإعلام والصحافة رغم العمر الذي قاربه، من أبناء جيله.
وداعا أيها الراهب من اخترت القلم والصحافة رفيقا أبديا، دافعت عن الخط العربي بشرف ورافعت لصحافة عربية بامتياز بالجهد المتواصل، الذي أخذك إليه تاركا المشهد الإعلامي يتيما.
وداعا الأستاذ بشير... وداعا أيها الصديق... من يتجرأ بالجلوس على كرسيك بعد الآن ؟

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024