قاطرة التعبئة الثورية...

أمين بلعمري
22 نوفمبر 2016

حاولت الإدارة الاستعمارية الفرنسية، في إطار حربها النفسية على الجزائر، تصوير ثورة أول نوفمبر على أنها ثورة جيّاع قام بها الأميون والجهلة، هدفهم الوحيد كان الحصول على رغيف خبز وشربة ماء.
ولم تكن هذه الرواية الفرنسية الوحيدة الرامية إلى تشويه ثورة الشعب الجزائري وتضحياته من أجل استرجاع الكرامة والأرض، ولكنها نعتت كذلك المجاهدين في البداية، بقطاع الطرق والفلاقة والخارجين عن القانون، إلا أن كل تلك النعوت الكاذبة لم تجد صداها، لأن العالم أجمع، وقبله الشعب الجزائري الذي احتضن الثورة من الوهلة الأولى، كانا يعلمان أنها انتفاضة شعب ضد الظلم والعبودية وثورة مسلحة من أجل استرجاع الوطن والهوية وهذه اللغة والرسالة لا يمكن أن يبعث بها جاهل ولا أمي - كما تدعي فرنسا - بل يثبت وجود نخبة مثقفة تحمّلت مسؤولية إعادة زراعة الوعي وروح الانتماء في الشعب الجزائري بعد 132 سنة من سياسات محو الهوية التي مارستها الإدارة الاستعمارية، لتجعل من الجزائريين مجرد قطيع تابع لفرنسا برتبة أهالي وليسوا مواطنين بحصة كاملة.
إن ثورة نوفمبر المظفرة هي التي قلبت الموازين وصحّحت المغالطات التاريخية التي بثتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية منذ 1830 إلى غاية 1962، بل استمرت المناورات والمغالطات إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، لأن الكثير من المصابين بالحنين الاستعماري ومقولة (الجزائر فرنسية) لم يهضموا أن هذا أصبح من الماضي الأليم بالنسبة لنا نحن كجزائريين، ومن الماضي المخزي والمخجل بالنسبة لهم كفرنسيين. لكن رغم ذلك، هناك من لايزال يحمل هذه الأفكار الملوثة ويعمل عبرها على تشويه الشعب الجزائري والتقليل من شأن تضحياته الجسام من خلال الترويج لمقولات كاذبة، على غرار خرافة أن ديغول هو من منحنا الاستقلال، في حين أن أولئك نسوا وتناسوا أن أكبر العمليات الجهنمية للجيش الاستعماري الفرنسي أطلقت منذ وصول هذا الأخير إلى السلطة في فرنسا، بل كان الورقة الأخيرة للإدارة الفرنسية من أجل القضاء على الثورة، لكنه فشل، وطلب الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بعد أن هزمته دبلوماسيا كما هزمه جيش التحرير الوطني في أرض المعركة.
إن الحد الأدنى من الموضوعية، يجعلنا نكتشف أن الثورة الجزائرية لم تكن لتنجح وتستمر لولا وجود نخبة مثقفة، لم تتخرج من كبرى المعاهد والأكاديميات، هذا شيء صحيح، لكنها كانت نخبة فعالة ومؤثّرة استطاعت أن تجعل الشعب الجزائري يصطفّ وراءها ويحتضن مشروعها. والأهم في ذلك كله، أنه يقبل التضحية من أجلها وهذا ما يفسر أن سياسات الانتقام الجماعي التي كانت تمارسها الإدارة الاستعمارية لم تدفعه إلى التخلي عن الثورة وهذا وحده يكفي للتأكيد على أن مقولة “ثورة عظيمة بعقل ذبابة” مردود عليها، لأن الرجال الذين يستطيعون تعبئة شعب بأكمله، لا يمكن إلا أن يكونوا نخبة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024