أفرز فقدان البروفيسور شبل مالك الكثير من الاستياء والمشادات الكلامية بين أوساط المثقفين والكتاب، على وسائل التواصل الاجتماعي، فبين متحسر لهذا الفقد وبين مندد للنسيان الذي غمر هذا العبقري والباحث الأنثربولوجي، وبين متحفظ عن الهالة التي حاولت بعض الأوساط ركوبها، بتعليق العراجين الوهمية على روحه ومكانته في الضفة الأخرى من المتوسط، وفي غيرها من مناطق العالم، سواء بجامعاتها أو بمعاهدها المتخصصة.
كنت لا أود الخوض في الموضوع بحكم انتمائي لهذه الفئة من الأدباء منتسبا لا متطفلا، ولكن من مقامي كإعلامي فإن هناك ضرورة تلزمني بالكتابة عن شخص بلغت أبحاثه ومداخلاته الدنيا، وقدم مساهمات عديدة سواء في ما يعيشه العالم اليوم من تداخلات وتأويلات تفاقمت فيه الهوة بين الأجناس والأديان وبغض النظر عن ماهية هذه التعقيدات.
وبما أن الفقيد كان أول من أدخل مفهوم فكر التنوير ضمن أدبيات الإعلام الديني والغربي، ودافع عن الإسلام كما رافع للسلام بكل ما أوتي من حنكة وبديهة فإنما هو بذلك يرسم معالم جديدة بقيم إنسانية نبيلة في إطار التعايش والحوار، وليس بذلك عنه ببعيد، فهو القادم من رحم هذا البلد وارتباطه به ليس معناه مجرد خبط عشواء، بقدر ما هو ارتباط لصيق في جذور الأمانة التي حملها والده وهو يدافع عن شرف الأمة وخياراتها ضد الاستعمار والعبودية والجهل والظلم والاستبداد.
شبل الذي تحدثنا عنه بكل تلقائية لم يكن القصد من حديثنا عنه الإساءة إليه وهو في الدار الأخرى، بقدر ما كنا نحاول إعطاءه بعض الواجب الذي يستحقه، حتى وإن تغاضينا الطرف عن أعماله ومساهماته التي لا يعرف أبناء وطنه من جامعيين وأكاديميين عنها أي شيء.
الموت وإن كان حقيقة مرة فإن تخطي عتبات النسيان للموتى أو الأحياء هو من مهامنا أولا إنسانيا، وثانيا لأننا نساهم في هذا الزخم الثقافي والفكري والمعرفي، الذي كنا وسنظل فيه أداة وصل بين المتلقي والأخر. بدون أية عقدة تجاه أي كان لأنه في النهاية ستبقى الفكرة واحدة موحدة، ندافع عنها وننفض عنها غبار النسيان، بكل ما نملك وبكل ما أوتينا من حكمة ومقدرة على استظهار هذا الهامش من حياتنا، مفكرينا ومبدعينا.