النّزاع العسكري أي مضمون للحوار السياسي السوري؟

جمال أوكيلي
08 نوفمبر 2016

تحاول الدول الغربية تغيير صورة اتجاه الأحداث في سوريا بالتوجه إلى عمق ما يقع، وهذا باختيار زاوية دقيقة جدا وحتى مؤثّرة لتحريك مشاعر الرّأي العام العالمي عبر الفضائيات، ألا وهو الجانب الإنساني في هذه الحرب، وخاصة التّركيز على الأطفال الذين ينتشلون من تحت أنقاض القصف الوحشي وهم في حالة لا يمكن وصفها.
هذا المشهد المأساوي هو الذي يترسّخ حاليا في أذهان النّاس مهما كانت توجّهات النّزاع لصالح فلان أو علان، ما دفع بالرّوس إلى تفنيد تفنيدا قاطعا ضربهم لمدرسة البراءة في حلب، خوفا من توريطها في مثل هذه الأعمال المنافية للقواعد المتعارف عليها.
وقد تفطّنت القيادة الرّوسية لهذا الفخ المنصب لها، وهذا عندما رفض الرّئيس بوتين مواصلة القصف أملا في إعطاء فرصة للجميع قصد السّعي إمّا بالخروج عبر الممرّات أو الفصل بين المسلّحين والمعارضة التي تنعت بالمعتدلة، وهذا الطّلب الرّوسي ليس جديدا بل يعود إلى الأيام الأخيرة عندما اشترط هؤلاء عزل جبهة النصرة عن عناصر الجيش الحر، لكن اتّضح بأنّ هذه المهمّة صعبة التّحقيق ميدانيا نظرا لعدة اعتبارات استراتيجية ترفض الولايات المتحدة الإقدام عليها مادام الأمر غير واضح على الأرض أو بالأحرى تنصاع إلى شروط روسيا من أجل سحق التّابعين لها، وإلى غاية يومنا هذا ما يزال هذا الطّلب الرّوسي ساري المفعول، وهذا دليل على أنّ الأوضاع لم تتغيّر بالرغم من كل ما حدث. ويؤكّد الخبراء في الميدان العسكري بأنّ الطّيران الحربي أو سلاح الجو لم يحسم معركة من المعارك، حتى وإن دمّر وقتل ما وجده.
لا خيار أمام الرّوس سوى الإسراع بتغيير تلك الصّورة النّمطية التي يريد الغرب إلصاقها بهم، وقد يكون هذا السّبب في إبعادهم من مجلس حقوق الإنسان الأممي.
وبالتّوازي مع ذلك، فإنّ الملاحظين يتساءلون عن الدّوافع الكامنة وراء الصّمت المطبّق للولايات المتّحدة تجاه الأزمة الأمنية السّورية، وتراجع تصريحات كيري في هذا الشّأن كما كان الأمر من قبل.
الأمريكيّون أخطأوا في تقديراتهم في بدايات النّزاع، عندما راهنوا على الحل السياسي، واعتقدوا بأنّ الرّوس يسيرون في هذا الاتجاه، وهذا غير صحيح، تبين فيما بعد أنّهم غير معنيّين بأي تسوية سياسية يراد بها إبعاد القيادة السّورية الحالية، هذا ما تفاجأ له الأمريكيّون الذين هلّلوا لما سمي في البداية بالمرحلة الانتقالية، يليها تنظيم انتخابات وغيرها من الصّيغ المقترحة آنذاك، والتي حدّدت بـ ٦ أشهر وفي آجال ١٨ شهرا يتغيّر كل شيء. هذا التصور لم يطبّق إلى يومنا هذا بسبب استباق الرّوس لكل من أراد الإسراع في فرض منطق آخر.
الرّوس أبلغوها للأمريكيّين عن طريق القصف المتواصل لحلب، بطريقة لم يتوقّعها أحد، وهي رسالة قوية مفادها «أنّنا بصدد دك معاقل حلفائكم»، وهكذا وجد كيري نفسه في موقع لا يحسد عليه تاركا الأمر إلى تصريحاته، وممّا قاله: «لا توجد منطقة دمّرت تدميرا هائلا مثلما شهدته حلب بعد الحرب العالمية الثانية، وسار الحال على هذا المنوال إلى غاية يومنا هذا»، وحاول الأمريكيّون الرّهان على الحل العسكري، وهذا بمهاجمة مواقع الجيش السّوري، إلاّ أنّ هذا لم يظهر له أثر فيما بعد، وهكذا انهار الطّرح أو الطّلب القائم على «فرض منطقة للحظر الجوي، كما حدث مع ليبيا والذي كان محل إلحاح العديد من الأطراف.
اليوم تغيّرت المعادلة، وأدرك الجميع بأنّ الحل يكمن في العمل السياسي، وعليه فإنّ المرحلة القادمة مفتوحة على هذا البديل الحيوي، الذي يعوّل عليه الكثير أي المتدخّلين في هذه الأزمة.
والأزمة الأمنية ليست في حلب فقط، فقد اختصرها هؤلاء في ذلك الحيّز الضيّق لا ندري لماذا؟ بلغ أشدّه بين روسيا والولايات المتحدة وكل من سار على هذا الدرب أي فرنسا، بريطانيا وغيرها إلى درجة تبادل الاتّهامات بشكل لم نقف عنده في بؤر التوتر الأخرى في العالم. وهكذا يتّضح أنّ كل واحد يتهرّب من تحمّل مسؤولية القصف واستعمال الغازات، ناهيك عن أشياء أخرى، لذلك فإنّ الاتجاه الذي يتخوّف منه المتتبّعون هو حصول البعض من المسلّحين أو المعارضة على صواريخ فتّاكة لإسقاط الطّائرات، هذا ما جعل الرّوس في قلق لا مثيل له خلال هذه الأيام بتقليص التّحليق في الجو. كل المؤشّرات توحي بالذّهاب إلى الطّاولة، لكن مع من؟ هذا هو السّؤال الكبير؟ من هي هذه المعارضة المعتدلة في حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، تقصد الحوار وهي تجرّ أذيال الهزيمة وبمعنويات منحطّة، هل هذا هو الحل المبحوث عنه؟.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024