وجهة الجزائر في الظرف الحالي هو الجنوب، هذا الفضاء المترامي الأطراف يدرج لدى السلطات العمومية ضمن الاستراتيجية التنموية الشاملة، المعول عليها لإحلال المادة الدائمة الفلاحة محل تلك الزائلة البترول، مع تشجيع كل الاستثمارات الراغبة في خوض هذا المعترك الاقتصادي في كل المناطق المتاحة لذلك.
هذا الخيار لا مفر منه وحتمية في آن واحد، على الشركاء إدراك ذلك إدراكا تاما، من باب التحسيس بالتحديات غير المحدودة التي تتطلب رفعها مهما كان الأمر، وبقناعة كاملة خاصة مع كل التسهيلات الممنوحة، في هذا الإطار الحيوي، الذي يضع ضمن أولوياته استغلال إلى حد معقول هذه الفرصة الفريدة في التوجه الاستثماري الجديد.
وفي هذا السياق، فإن الاجتماع القادم «الحكومة ـ الولاة» سيبحث في هذا الموضوع من خلال تقييم مسار سنة من الإجراءات الجديدة الخاصة بالاستثمار المحلي.. الذي يؤدي حتما إلى توفير مناصب عمل جديدة، وإنعاش تلك النواحي بإعطاء للجماعات المحلية بعدا استثنائيا في المداخيل والتحصيل الجبائي.
هذا المفهوم الحديث الذي دخل على منطق تسيير المجالس الشعبية الولائية والبلدية، سيكون حاضرا في عمل مسؤولي هذه المؤسسات القاعدية مهما كان الأمر إنطلاقا من واقع ملموس وحقائق ميدانية لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها أو التهرب منها.
وهذا يعني مباشرة أن على هذه المجالس أن تكون لها المبادرة في التعامل مع هذا التوجه الحالي من خلال التكيف السريع مع المستجدات الحاصلة في التسيير، ولا تستند إلى روح الإتكالية وإنتظار ما تجود عليها الجهات المسؤولة من اعتمادات مالية.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن لقاء وزير الداخلية والجماعات المحلية السيد نورالدين بدوي، بولاة الجنوب، أثار قضايا هامة جدا تتعلق أساسا بكيفية ترقية التنمية بهذه الولايات إنطلاقا من زاوية الاستثمار، منها معالجة العقار الفلاحي، الكهرباء، تهيئة المناطق الصناعية والنشاطات الأخرى.
هذه الملفات قررت الجهات المسؤولة الفصل فيها نهائيا، وفق نظرة هادئة، تأخذ بعين الاعتبار القدرات المتوفرة، والحرص على الإطار القانوني ليكون العمل متينا من ناحية الديمومة.. وثابتا من جانب الآثار المترتبة عن كل مسعى في هذا الشأن يحمل أهدافا واضحة.. بعيدا عن كل إشكال إداري اعتدنا عليه، أدى في كثير من الأحيان إلى توقيف العديد من المشاريع.
وكل من له دراية بواقع وآفاق التنمية في الجنوب على علم بالتداعيات الناجمة عن إشكالات العقار، والكهرباء، في بعث الاستثمار، وهذا لسنوات طويلة ماتزال حتى الآن لم يحسم فيها.
هذا التشخيص لا يخفى عن أحد من المسؤولين والمتعاملين والكرة الآن في مرمى الجهات المحلية التي عليها أن تتحرك في إتجاه تطبيق تعليمات السلطات العمومية حرفيا ولا تتراجع أو تتأخر كما كان الحال في السابق بإلقاء القرارات في الأدراج إلى إشعار آخر ونسقط ثانية في أحضان ممارسات الإدارة، التي تعطل كل شـيء.
نقول هذا الكلام من باب إذكاء روح المسؤولية وترسيخ قيم عون الدولة، لدى الجماعات المحلية، في الاحترام الدقيق لكل الالتزامات المعلنة، لأن السياق الراهن يتطلب التحلي بالقدر الكافي من الانخراط قلبا وقالبا في هذا الخيار التنموي بمراعاة حقائق لا يحق الإغفال أو التغافل عنها.
ـ أولا: مسايرة التغيرات الحادة في أسعار البترول، التي أدت إلى إنهيار الواردات بحوالي ٥٠٪.
ـ ثانيا: البحث عن مصادر أخرى موجودة عندنا تستدعي تجنيدها من أجل استغلالها عقلانيا.
ـ ثالثا: تغيير الذهنيات باتجاه رؤية واقعية تراعي كل هذا المخاض، وترك جانبا كل تلك الممنوعات.
هذه العملية التنموية تسير حاليا وفق منظور متكامل، عبارة عن حلقات تكمل بعضها البعض، تبدأ بالقضاء وإزالة كل العراقيل المثبطة للعزائم إداريا، لفسح المجال أمام إنطلاقة حقيقية خالية من كل الضغوطات والإكراهات المعروفة في هذا الوسط، خاصة حلقتي العقار والكهرباء وكذلك عصب كل هذا النشاط ألا وهو الجانب المالي أي البنوك.
والتدابير المتخذة في لقاء ولاة الجنوب ترمي فيما ترمي إلى التركيز على التسهيلات والتحفيزات من أجل جعل الجماعات المحلية قادرة على أن تكون مصدرا لخلق الثروة وإحداث القيمة المضافة.. بتمويل نفسها بنفسها دون العودة إلى الدولة.. مما يؤدي إلى التحكم في النفقات، وترشيد المصاريف بشكل صحيح.
وأولى الملاحظات المسجلة منذ حوالي سنة عن اجتماع الحكومة ـ الولاة بخصوص الاستثمار تبدو إيجابية ومشجعة من حيث الملفات المودعة.