فقدت جريدة «لوموند» الفرنسية آخر أوراق حرية التعبير التي لطالما تبجحت بها، بتعمدها الخلط وترويج معلومات مغالطة في تناولها لموضوع يخص الجزائر قصد الإساءة والتشويش على مسار الاستثمار والنمو الذي تشقه بلادنا وسط وضع اقتصادي معقد وظرف مالي صعب، تتم مواجهته بخيارات هادئة في وقت تغرق فيه فرنسا وسط موجة احتجاجات تعكس مدى الصعوبات التي يواجهها شريك وجدت مؤسساته في السوق الجزائرية ملاذا للنجاة من عاصفة الأزمة المالية العالمية، التي كادت إلى درجة كبيرة أن تسقط الاتحاد الأوروبي المثقل بإفرازات عولمة سقطت تحت وطأتها منظومة القيم الإنسانية التي يفترض أن يحملها الإعلام بتوخي الاحترافية ونبذ المضاربة والابتزاز.
لا يمكن تفسير الاهتمام الزائد عن اللزوم بالأوضاع الجزائرية تحت غطاء حرية الصحافة وادعاء احترافية الأداء سوى بأن بعض الأوساط من وراء البحر يزعجها صمود الاقتصاد الجزائري في مواجهة الأزمة البترولية والتعامل مع تداعيات الصدمة المالية الخارجية بجرأة بالارتكاز على خيارات وطنية تقود إلى تجاوز الظرف مع السيطرة على ما يفرزه من صعوبات عن طريق تأكيد الرهان على حرية المبادرة الاقتصادية وجعل المؤسسة الإنتاجية القاطرة المولدة للنمو وبناء شراكات مع متعاملين أجانب لديهم القناعة بالاستثمار في السوق الجزائرية التي تستفيد من عناصر إيجابية تنافس بها أسواقا إقليمية وعالمية تعاني من ركود وتطاردها فضائح تؤكد أن عديد البلدان التي تصنف في «خانة الأكثر شفافية» تشوبها الكثير من القضايا المثيرة للجدل بشأن مدى التزام صناع الرأي العام فيها بمعايير الموضوعية والنزاهة الفكرية والاحترافية الإعلامية.
في هذا الإطار لا يتوانى جانب من منظومة إعلامها الذي يتذرع بسقف حرية التعبير المرتفع في ارتكاب جرائم تسجل في خانة القذف من خلال فبركة مقالات مغرضة وتوجيهها لأهداف يعرف بعضها ولا يزال بعضها «غامضا»، دون مراعاة أصول وقواعد الشراكة المتوازنة التي لم تضع لها الجزائر حدودا خارج الالتزام بمقتضيات الخيارات الاستثمارية الوطنية ومن أبرزها بناء مشاريع إنتاجية في كافة القطاعات، تندرج في سياق التوجه لإرساء اقتصاد إنتاجي خارج المحروقات مع الخضوع للقواعد والإجراءات الوطنية التي تهدف إلى مكافحة تهريب الأموال والتهرب الضريبي وضبط الاستيراد والتطلع بشكل قوي إلى انتزاع مواقع في الأسواق الخارجية عن طريق الدفع بمسار التصدير.
إن مثل هذه الرؤية مدعومة بقناعة راسخة بعدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية وسط أفق دولي أكثر ضبابية وأغلبه مصطنع من أوساط لا تريد اقتسام الأسواق وتتصدى للاقتصاديات الناشئة ذات التنافسية، تؤكد مدى الإزعاج الذي يحمله التوجه الجزائري المكرس في أحكام الدستور تحت عنوان تحصين الأمن المالي والاقتصادي باعتباره الحلقة المتينة للاستقرار والنمو في ظل الحرية في الاستثمار والانفتاح الإيجابي. وبالفعل يحمل هذا التوجه القائم على حشد الطاقات الوطنية وتجنيد الموارد المتاحة مع نجاعة في توظيف الأوراق التي لا زالت قوية من ضعف للمديونية الخارجية وترشيد استعمال احتياطي الصرف مؤشرات لا يستسيغها من يشعرون بمدى قدرة الجزائر على تجاوز الظرف الراهن إقليميا ودوليا دون الوقوع في شراك مخططاتهم الهدامة التي انكشفت بعض خيوطها ولا تزال أخرى تنكشف حتما أمام فطنة الشعوب التي عانت طويلا في الماضي من ظاهرة الاحتلال وتحملت الكثير من ظلم العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية غير المتكافئة وإدراكها لمدى الأخطار الفتاكة التي تتربص بدولها الوطنية الناشئة من خلال ترويج مغالطات مفضوحة وتسويق سيناريوهات منمقة بأضواء مخادعة تخفي سموما قاتلة.
أمام مشهد عالمي لا تزال تتحكم في جانب من دواليبه قوى الهيمنة التي توارثت ثقافة استعمار جديد وتتجاذبه أذنابها من لوبيات البورصات والأسواق والنافذين في منظومة صناعة الرأي العام العالمي وتوجيهه، تصر الجزائر على مواصلة مسيرتها بثبات مرتكزة على قوة شعبها المنطلق من إيمانه الراسخ بمكاسبه الوطنية التي أنجزها بالتضحيات على مدى تعاقب الأجيال وإدراك الفاعلين الاقتصاديين لأهمية المرحلة وضرورة التعاطي معها بكثير من الفعالية والجدية. ومثلما لم تنطل عليه مخططات في السابق فإنه لن يهضم ما تطل عليه به وسائل إعلام مهما كانت سمعتها ومواقع تواصل موجّهة على اعتبار أنه ومنذ الأزل يدرك أن بلاده تملك الموارد والقدرات وأولها الرأسمال البشري لإحباط وبكل هدوء أي مخطط يستهدفها بما في ذلك الدفع بتلك المنابر تحت تأثير قيمة الشفافية للعودة عن بهتانها مثلما فعلته «لوموند» نفسها.