التحليل الاسبوعي

من تبعية سلبية للمحروقات إلى إرساء اقتصاد متنوع

سعيد بن عياد
12 ديسمبر 2015

توفر الوضعية الراهنة المثقلة بتداعيات الصدمة المالية الناجمة عن انهيار أسعار البترول والتي يتوقع الخبراء استمرار مؤشراتها السلبية خلال السنة القادمة “الفرصة” للمؤسسة الاقتصادية الجزائرية بكل أصنافها لمواجهة السوق وقياس مدى القدرة على التعامل بفعالية مع المعطيات المتغيرة خاصة في ضوء المنافسة الخارجية.
وتمنح الدولة مرة أخرى فرصة ثمينة للمؤسسة الجزائرية والمقاول المحلي للحصول على مكانة متقدمة في سوق الاستثمار من خلال تخصيص أولوية لهم في الحصول على المشاريع وإبرام الصفقات العمومية ضمن تفعيل خيار تدعيم المنتوج الجزائري ومرافقته في السوق تحقيقا لمجموعة أهداف اقتصادية واجتماعية أبرزها إنتاج الثروة الوطنية وتنميتها وحماية مناصب الشغل وتوسيع مساحة فرصها.
حقيقة يمثل قرار الدولة بمنح أفضلية للمتعامل الجزائري ضمانة إضافية لتمكين النسيج المؤسساتي الوطني من مواكبة المرحلة واكتساب مناعة في مواجهة إفرازات الوضعية الاقتصادية الحالية; وخاصة منها شحّ إيرادات المحروقات واحتدام الصراع على الأسواق الإقليمية والعالمية بسبب حدة الأزمة الاقتصادية العالمية التي أطلقت العنان للشركات متعددة الجنسيات وأصحاب النفوذ في البورصات العالمية في هجمتها على اقتصادات البلدان الناشئة مستغلة الصدمة البترولية.
غير أن مسؤولية المؤسسة الجزائرية دون تمييز بين العمومية منها والخاصة أو القائمة بالشراكة تعد كبيرة جدا بعد أن وضعتها مثل هذه الإجراءات التحفيزية في مقدمة المشهد الاقتصادي لتكون أمام امتحان عسير يتطلب منها الإرتقاء بالأداء وتنمية روح المبادرة والإلتزام بمعايير الجودة واحترام آجال انجاز المشاريع وإتقانها والحرص على نوعية الإنتاج وبالدرجة الأولى متابعة مؤشرات الأسواق ودراستها بروح احترافية مع تفادي كافة الممارسات التجارية غير النزيهة وخاصة تضخيم الفواتير وتهريب الأموال والغش في التصاريح المختلفة والتهرب الجبائي.
وتتوفر الساحة الاقتصادية الوطنية على قدرات هائلة من المؤسسات المختلفة التي يمكنها أن تكسب الرهان وترفع التحدي بالانتقال من مستوى التشخيص والانغلاق على الذات إلى مستوى المبادرة بطرح البدائل من خلال التواجد في السوق الاستثمارية المحلية بالوجه إلى قطاعات جديدة ترتبط بالحاجيات الراهنة على غرار الاستثمار الفلاحي بالبعد الصناعي التحويلي والمناجم والغابات والسياحة في الهضاب العليا والجنوب وتربية المائيات التي تحتاج إلى مزيد من الدعم لإرساء منظومة إنتاج حقيقة تؤثر على الأسواق محليا ولكن بالخصوص إقليميا عن طريق التصدير.
ويمثل التصدير خارج المحروقات التحدي الأكبر أمام المؤسسة الاقتصادية الجزائرية التي تتوفر اليوم على محيط أعمال يحقق لها جانبا كبيرا من المرافقة والدعم والتحفيز مثلما تؤكده أحكام مشروع قانون المالية لسنة 2016، الذي يناقشه مجلس الأمة بدءا من يوم غدا قبل أن يصادق عليه يوم الأربعاء القادم. وقد تضمّن المشروع إجراءات ذات أبعاد تعكس مدى التركيز على المؤسسة الجزائرية باعتبارها المساحة الأمثل لتجسيد التطلعات التي تشغل عالم الاقتصاد والاستثمار والإطار العملي لإنتاج الثروة وتجسيد الروح التنافسية.
ويمكن اعتبار مطلع السنة القادمة الموعد الأخير لإطلاق مسار التحول الاقتصادي من تبعية سلبية للمحروقات إلى إرساء اقتصاد متنوع وإنتاجي يقوم على إنتاج القيمة المضافة التي تمثل الحلقة الجوهرية في معادلة التنافسية المفتوحة، ومن ثمة لم يعد من خيار أمام المؤسسة الجزائرية سوى الانتقال إلى درجة متقدمة على مسار الاحترافية وقبول لعبة ركوب قطار “المخاطرة الاستثمارية” الذي يقتحم المشهد بكل ضبابيته وأنفاقه والتهديدات المحيطة، به لكنه يتجه بثبات إلى الهدف ألا وهو النمو.
ويعتبر النمو القاسم المشترك لكافة الفاعلين والشركاء وضمانة ديمومة المؤسسة وقد أكدته الثلاثية التي انعقدت في منتصف أكتوبر الماضي ببسكرة فأرست خيارات بديلة تمثل جسر عبور إلى برّ الأمان على ما فيها من صعوبات، ويتعلّق الأمر بالتركيز على الرفع من طاقة وقدرات الاستثمار الفلاحي وإدراجه في الديناميكية الصناعية التحويلية من جهة، وتنمية القطاع السياحي النوعي بأقل كلفة خاصة وأن سوق السياحة العالمية تعرف إعادة صياغة للوجهات السياحية بعد التوترات التي عرفتها أكثر من منطقة من العالم، مما يجعل الجزائر إحدى الوجهات القليلة التي يمكنها استيعاب الطلب العالمي شريطة أن تجيد الوكالات والدواوين المعنية قواعد اللعبة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024