يلتقي، اليوم، قادة وزعماء العالم في العاصمة الفرنسية باريس، لمناقشة ما آلت إليه الأوضاع المناخية في الكوكب الأزرق الذي أصبح يعاني من معضلات بيئية معقدة أصبحت تشكل تهديدا على الحياة البشرية، النباتية والحيوانية، سواء كان ذلك على اليابسة وفي البحار والمحيطات ومختلف المسطحات المائية، أو حتى في الغلاف الجوي الذي لم يسلم بدوره مما اقترفته أيادي الإنسان من مآس ودمار في كوكب الأرض بسبب طموحاته التي لا تنتهي من أجل الرفاه وحياة الرغد والراحة، دون أن يعير أي اهتمام للنتائج المترتبة عن ذلك.
إن الثورة الصناعية التي كانت في بدايتها نعمة على الإنسانية جمعاء، لازلنا نتمتع بمزاياها إلى غاية اليوم، تحوّلت بمرور الوقت إلى نقمة أصبحنا نكتوي بنارها كل يوم. وما نشهده من اختلالات بيئية ومناخية هي في الحقيقة ردة فعل طبيعية من هذا الكوكب الذي ينتفض في كل مرة عبر تقديم رسائل قاسية تأتي في شكل زلازل، فيضانات وبراكين... تهلك الآلاف بل الملايين من البشر لأنهم المتسببون الرئيسيون في هذه المأساة المتمثلة في اختلال التوازن البيئي الذي أوجده خالق هذا الكون ليعيش هذا الإنسان في انسجام وسلام مع محيطه.
لا شك أن هذا المأزق البيئي الذي نعيشه والذي تعقد له الاجتماعات والقمم العالمية - كالتي تحتضنها باريس اليوم - سببه المباشر هي الدول الصناعية التي تقف وراء حالة هذا التلّوث الذي المولّد لظاهرة الاحتباس الحراري.
إن قمة باريس يجب أن تكون قمة تحديد المسؤوليات ليتحمل كل طرف نصيبه تجاه كوكب الأرض، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نضع الدول في سلة واحدة، في حين أن هناك ثلة قليلة منها فقط تقف وراء هذه المأساة البشرية وتحتكر في الوقت نفسه الكثير من مزايا التطور الصناعي والتكنولوجي ولا تتوانى في توظيف ورقة البيئة لإيقاف مسيرة الدول النامية والناشئة، بينما هناك دول أخرى تعيش نمطَ عيش بدائياً وتدفع نفس الفاتورة رغما عنها، لأنها تتقاسم في الوقت نفسه مع هذا العالم المتطور مآسي تلوث الهواء والماء والأكل... إلخ، وهي في آخر المطاف ضحية وضع لم تشارك في قيامه لا من بعيد ولا من قريب.
الأكيد أن مواجهة التغيرات المناخية يحتاج إلى نوايا صادقة وإرادة قوية لمواجهة هذه المعضلة وذلك من خلال الابتعاد عن تسييس هذا الملف وتوظيفه ليكون سيفا مشهرا في وجه بعض الدول لمنعها من مواصلة مسار التصنيع لاعتبارات بيئية، في حين لم تراع هي أدنى هذه الاعتبارات من قبل. ومن ناحية أخرى، يجب العمل الجاد على تفضيل توجه عالمي نحو استعمال الطاقات النظيفة أو الأقل تلويثا، كالغاز الطبيعي والطاقات المتجددة الأخرى، وهذا أكثر من ضروري، خاصة وأننا نعيش وضعا لايزال الغاز الطبيعي يأتي في المرتبة الثالثة بعد كل من الفحم والبترول!!.