كلمة العدد

الوضع لا ينذر بالتشاؤم... و الحذر مطلوب

سعيد بن عياد
28 نوفمبر 2015

تفرض مؤشرات الظرف الاقتصادي والمالي الراهن وضعا صعبا يتطلب التوجه إلى إرساء حلول قد تكون أحيانا “مؤلمة” من أجل تجاوز تداعيات أزمة أسعار البترول خاصة تراجع إيرادات الدولة والانخراط في بناء اقتصاد متنوع وإنتاجي تكون الفلاحة قاطرته الأولى التي يراهن عليها لتجاوز المنعطف الخطير وبلوغ بر الأمان بأقل الأضرار على صعيد الجبهة الاجتماعية.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه حدة الجدل على مختلف المستويات بخصوص ما يجب القيام به لحماية المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت، طيلة المرحلة السابقة، تتجه الأنظار إلى المؤسسة الجزائرية والمستثمر الوطني من حيث المدى والقدرة على تعويض العجز المسجل في الميزان التجاري، من خلال الارتقاء إلى درجة أداء عالية النجاعة، تؤثر بشكل مباشر على وتيرة النمو التي يراهن على أن لا تقل عن 4 بالمائة.
بالتأكيد ليس من اليسير انجاز نسبة نمو بمعدل مرتفع بالنظر إلى معطيات الاقتصاد المحلي الذي يتحمل انعكاسات انهيار سعر برميل النفط، من جانب، وتباطؤ الاقتصاد العالمي الذي لا يزال تحت وطأة ركود مزمن زادته تعقيدا الأزمة الأمنية وبؤر التوترات التي أدخلت الأسواق وبورصات المواد الأولية في فوضى، مما أدى إلى صعوبة ضبط مؤشراتها في المديين القريب والمتوسط. غير أنه لا يوجد من خيار سوى الشروع في شق الطريق للاقتصاد البديل الذي يجمع الخبراء على إمكانية إرسائه باعتماد الواقعية والتزام معايير النجاعة في الأداء والشفافية في التمويل في ظل قناعة مشتركة تتعلق بتوّخي سبيل مواصلة الاستثمار مع الحذر وفقا لمعادلة ترشيد النفقات التي تمثل ميزان الحسم في المشاريع ذات الأولوية.
بالفعل، فإن مسار ترشيد النفقات بعيدا عن السقوط في مخالب التقشف القاتل للنمو يقتضي انخراط كافة الأطراف في ديناميكية إنتاج الثروة بكل أشكالها وفي جميع القطاعات بما في ذلك الابتكار، وبالموازاة العمل بروح المبادرة على مستوى المؤسسة بالتحكم في كلفة الإنتاج وتقليصها والتوجه إلى التصدير، والورشة بتوظيف كل الإمكانيات المحلية والتقليص من الاستيراد وكذا الأسرة بالتزام قاعدة اقتصاد الموارد المالية بعقلنة الاستهلاك وتحسين الادّخار، الذي يمثل بالنسبة للمؤسسة أو الفرد جسر عبور إلى وضع أكثر توازن في مواجهة شحّ السيولة وتآكلها تحت ضغط الوضع الراهن.
حقيقة وفي المنظور القريب، البلاد ليست في وضع ينذر بالتشاؤم بما يثبط العزائم ويقلص من الطموحات بالنظر لما تتوفر عليه من أوراق قوية مثل مستوى جيد من احتياطي الصرف ومديوينة خارجية ضعيفة وبرنامج استثماري طموح، إضافة إلى سوق جذابة وتنافسية، غير أن هذا الاطمئنان الذي يمكن تغطيته لمدة سنتين على الأكثر يستوجب تدارك الوضعية بانجاز أهداف النمو بالاعتماد على موارد خارج النفط، على غرار السياحة التي يراهن عليها في تحقيق موارد قوية من شأنها أن تعدّل من التوازنات الكبرى وتقلّل من حدة الصدمة الخارجية.
وفي ضوء هذا المسار الذي يستلزم حشد الطاقات وتجنيد الإمكانيات الوطنية والمحلية ينبغي مرافقته بتوسيع دائرة الحوكمة ومكافحة الغش والتهرب الضريبي والأشكال المختلفة للفساد بما فيها السوق الموازية والنشاطات الطفيلية التي نمت في ظل البحبوحة المالية وتغذّت من شريان الريع البترولي والاخطبوط البيروقراطي الذي شرعت الدولة في قطع أذرعه عن طريق إدخال وتفعيل أنظمة المعلوماتية التي يمكنها أن تساهم في تنمية إدارة المشاريع وإضفاء الشفافية على كافة جوانب مناخ الاستثمار خاصة ما يتعلق بالتمويلات البنكية التي تقتضي في آن واحد المرونة والصرامة تفاديا لوقوعها في متناول متعاملين وهميين أو انتهازيين حان الوقت لإبعادهم عن المشهد الاقتصادي.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024