تعرف العلاقات بين الجزائر ومالي حركية كبيرة منذ توقيع اتفاق السلم والمصالحة. وهي حركية زادتها قوة زيارات مسؤولي البلدين اللذين تربطهما علاقات أخوة وصداقة تعود إلى حقبة طويلة من الزمن. وتأتي في هذا الإطار زيارة الرئيس ابراهيم بوبكر كايتا إلى بلادنا بدءا من اليوم وإلى غاية فاتح سبتمبر بدعوة من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة.
وتندرج هذه الزيارة في إطار مواصلة المشاورات السياسية بين بلدين يتقاسمان المبادئ والقيم التي اعتمد عليها الاتحاد الافريقي ويتطلعان إلى الاستقرار والأمن في المنطقة الساحلية وباقي أجزاء القارة السمراء. كما تحسب للبلدين مواقفهما الثابتة تجاه قضايا الساعة في صدارتها محاربة التطرف والإرهاب والجريمة العابرة للأوطان. وهي جريمة استفحلت في منطقة الساحل متخذة من هشاشة بعض الدول واللااستقرار في ليبيا فجوات للانتشار والتكاثر مكونة جماعات إرهابية تتاجر بالبشر، الأسلحة والمخدرات.
وقد حسم البلدان موقفهما من هذه الشبكات التي تتمادى في زرع الرعب ونشر الفكر التكفيري والتطرف باسم الإسلام وهو غريب عنها باعتباره دين تسامح وتعايش. وأكدا أن محاربة التطرف والإرهاب يمر بالتنسيق بين الدول الإفريقية وغير الإفريقية وتجاوز الانتقائية في التعامل مع الجريمة المنظمة وعصاباتها حسب ما تمليه المصلحة وما تتطلبه حسابات النفوذ واعتلاء المواقع.
وكان موقف البلدين واضحا في هذه المسألة عبر المرافعة من خلال منابر الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية الأخرى بتجريم دفع الفدية للإرهابيين باعتبارها أفضل وسيلة لتجفيف منابع تمويل جماعات الموت والتطرف.
كما كان موقف البلدين واضحا تجاه محاصرة دعاة التطرف وعزلهم من خلال تحريك مسارات الحوار والمفاوضات مع الذين يضعون الوطن فوق كل اعتبار ويتجندون في سبيل إعلاء شأنه وقيمته. وتحاشي النظرة التقليدية في محاربة التطرف المعتمدة على الحلول الأمنية فقط دون إرفاقها بتدابير سياسية واقتصادية تعيد الثقة المهتزة للمترددين في الانخراط في مسعى التجديد والبناء الوطنيين.
حصل هذا مع الجزائر التي اعتمدت المصالحة خيارا لها في استتباب الأمن والسلم وعلاج أزمة معقدة خلفت ضحايا وخسائر مادية طيلة أزيد من عشرية. وهي مصالحة وضعها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في صدارة الأولويات بقوله الشهير عام 1999 مخاطبا عامة الجزائريين: «جئت لوضع حد لنزيف الدم والدمع».
وكانت هذه التجربة مرجعية لدولة مالي التي خاض أطرافها جولات الحوار السياسي تحت راية الأمم المتحدة وبوساطة جزائرية لا زالت محل الإشادة والتنويه من عواصم العالم. لم تكن جولات الحوار سهلة في بداية الطريق لكن الإرادة تغلبت على الصعاب واللقاءات التي أدارتها الجزائر بدبلوماسية هادئة أعطت ثمارها.
وكلنا شاهدنا مراسيم حفل التوقيع على اتفاق السلام ببماكو الذي رسمت معالمه في الجزائر، وكيف برهنت من خلاله الأطراف المالية أنها جادة في مسعى البناء الوطني وتصالحه من خلال خارطة طريق تفتح حقبة جديد من الأمن والاستقرار في ربوع الجمهورية.
نتذكر ما قاله الرئيس كايتا وهو يشيد بدور الجزائر والتزاماته وتعهداته في الذهاب إلى الأبعد في تجسيد اتفاق السلم والمصالحة بصفته أقوى الخيارات وأكثرها قيمة واعتبارا في ترسيخ الثقة بين أبناء البلد الواحد. نتذكر ما قاله بالحرف الواحد غداة التوقيع على اتفاق السلم والعالم قاطب يترقب: «سألتزم ببذل كامل جهودي من أجل إحلال السلم والاستقرار و حتى يشهد العالم أن جهود الجزائر لم تذهب سدى».
من هذا المنطلق زادت الجزائر ومالي من وتيرة العلاقات الثنائية وتقرر وضع آليات تعزيز التعاون الثنائي واستحداث لجنة متابعة تنفيذ القرارات المرتبطة بالتسوية السلمية للنزاع بشمال مالي. وهناك آليات أخرى اعتمدت تخص الترتيبات الأمنية وما تشمله من إجراءات محاربة الإرهاب والتهريب الوجه الآخر للجريمة العابرة للأوطان.