كلمة العدد

”سد أخضر”.. مكرر

19 أفريل 2015

حملات التشجير الواسعة التي تنجز عبر كامل التراب قد لا ننتبه لأهميتها القصوى نظرا لإدراجها في ذيل الأولويات، زيادة على غياب العمل التحسيسي الذي يعتمد على استراتيجية اتصال طويلة النفس بإمكانها التأثير في الفئات المتوجهة إليها ونعني بذلك دعوتهم إلى الانخراط في هذا المسعى الشامل المتجاوز للفعل الظرفي.
ونعتقد بأن هذه الحلقة مفقودة في سلسلة الحلقات المشكلة لبرنامج التشجير في الجزائر، ما جعل هذا النشاط يقتصر على المناسبات فقط، حتى وإن كان أحيانا موجودا، إلا أنه بعيد كل البعد عن الأعين، يقام في إطار ضيق لا يرتقي إلى المستوى الذي نأمله.
وعليه، لابد من التأكد هنا بأننا نسجل تأخرا مقلقا في هذا الشأن قد يعود لانعدام النظرة المتكاملة عن إنجاز المشاريع الكبرى وهذا بعدم إلزام وإجبار الآخر على التشجير في محيطه، سواء بجانب السدود أو السكنات أو المصانع وغيرها، كلها للأسف حوافي قاحلة بدءا بالطريق السريع ناهيك عن أماكن القريبة من المدن الكبرى.
منذ “السد الأخضر” أي في منتصف السبعينات لم نقف عند مشروع في حجم ما ذكرناه، في فترة الثمانينات والتسعينات.. سارت الأمور وفق أولويات أخرى بالرغم من وجود ما كان يعرف بمحافظة الغابات الذي كان يشرف مباشرة على هذا القطاع عمل على حماية هذه الثروة، لذلك لم يستكمل “الحزام الأخضر” وتمّ التخلي عنه، وكان الهدف من ذلك هو وضع حد لزحف الرمال على المناطق الفلاحية، والاستفادة من الخشب، للأسف لم يحدث ذلك. كما كان الاهتمام منصبا على فرز قيم جديدة لدى المواطن الجزائري من خلال تعويده على تربية مفادها مرافقة المحيط الذي يعيش فيه.

هذه “الثقافة” غير موجودة عندنا، ومن الصعوبة بإمكان إقناع زميل أو إنسان آخر بالذهاب إلى غرس شجرة في يوم عطلة، للأسف بفضل عدم التحرك .. أما أنه يذهب إلى الأسواق أم يبقى أمام جهاز التلفزيون والقلة القليلة من يتشجّع على الخروج إلى مثل هذا النشاط التطوعي الذي لا ينتظر من ورائه مقابل مادي، وهذا في غالب الأحيان تحت ضغط الأطفال الذين فعلا يحملون هذه السلوكات الحضارية العالية في كل مرة يطالبون من آبائهم الذهاب للمشاركة في حملة تشجيرية معيّنة ليقفوا رفقته على مثل هذا العمل الخيري الذي لا يمكننا وصفه مهما اجتهدنا في ذلك.
اليوم لا نبكي على الأطلال يقدر ما نريد شحن لهم وإزكاء روح حب هذا النشاط الاستراتيجي الهام، الذي قد يظهر للبعض بأنه مجرّد “ترف وترفيه وتسلية” هذا غير صحيح بتاتا إنه وثبة لا يمكن تصورها أبدا في ترك للأجيال القادمة بلدا أخضرا من أقصاه إلى أقصاه بتعويض كل ما أتلفه الدهر بحكم أحداث التسعينات إلى أقصاه، بتعويض كل ذلك التراث الغابي. ولا يتأتى ذلك إلا بفضل تصور جديد يختلف عما يعمل به الآن، خاصة في المناطق المتاخمة ما بين التل والصحراء، وهذا عن طريق مشروع وطني واسع النطاق يشبه “السد الأخضر” لتدخل مرحلة أخرىِ في مسيرة البناء تعتمد على مقاربة التكامل ما بين المشروع ومحيطه، فمثلما يطالب البعض بفتح مدارس ومحلات وملحقات إدارية في الأحياء الجديدة وغيرها.. الأحرى أن يشترط هؤلاء كذلك أن تكون الفضاءات الأخرى خضراء أي غرس الأشجار في كامل تلك الأحياء وهذه النظرة يجب أن تتحوّل إلى شرط من شروط يطالب بها هؤلاء أو يفرضونها في دفتر شروط أصحاب المشاريع.
هذا هو التوجه الذي يجب أن نتبعه في المستقبل بمعنى التفكير في استراتيجيات التشجير وإدماجها في العملية الاقتصادية بمفهومها الواسع الذي يعود على اختيارها بالقيمة المضافة، ناهيك عن وقف زحف الرمال.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024