لعل أول ما يستوقفنا عند الحديث عن القامة الأدبية آسيا جبار، هو تعالي أصوات من هنا وهناك، تتحدث بعضها عن هذه الأديبة وهي لم تقرأ لها قط، فيما تتسم أصوات أخرى بشجاعة أكبر، فتعترف بأنها تنتمي إلى جيل لم يقرأ لها كثيرا، أو البتة، لأنها لم تكن كثيرة الظهور الإعلامي، ولم تكن أعمالها مترجمة إلى العربية، وما إلى ذلك من المسببات.
إن اختزال أديبة مثل آسيا جبار في مجرّد لغة وظفتها، أو جغرافية عاشت بها، هو إجحاف ليس في حقها فقط، بل في حق الأدب الجزائري الذي لطالما انفتح على العالم، ففتح له العالم ذراعيه.
وهنا يحضرني ما قاله حمدان بن عثمان خوجة، في كتابه “المرآة” الذي ألفه سنة 1833، لما تطرق إلى اللغات التي كان الجزائري يتقنها، حيث نجد الواحد من سكان العاصمة يتكلم بما قد يصل السبع لغات، ولم يؤثر ذلك قط على مكونات الهوية حينذاك، بل على العكس من ذلك، عززها ولقحها ومكنها من الإسهام في رقيّ المحروسة حينذاك.
إننا حينما نتحدث عن إسهامات آسيا جبار، فإننا نستذكر من خلالها نضالات طاوس عمروش، ومالك حداد، ومولود فرعون، وكاتب ياسين... وحينما نترحم على آسيا جبار، فإننا نترحم فيها على أرواح مولود معمري، ومحمد ديب، وعبد الحميد بن هدوقة، ورضا حوحو، ومفدي زكريا، والطاهر وطار، وغيرهم ممّن عشقوا الجزائر وكتبوها فأبدعوا كتابتها، ووصفوها فخلدوا صورتها، وإن اختلفت مشاربهم ولغاتهم وحتى أفكارهم النضالية والإيديولوجية، فإنهم اجتمعوا كلهم في نقطة لقاء واحدة عنوانها “حبّ الجزائر”...
لا يهمّ أين عاشت آسيا جبار، المهم أين عاش قلبها... ولا يهمّ بأي لغة كتبت، بل الأهمّ ماذا كانت الأفكار التي كتبتها... ولا يهمّ إن لم يقرأها البعض، فالأهمّ إن كانوا سيتداركون هذا التأخر أم لا...
لقد تركت آسيا جبار تركة وراءها، ليست مالاً ولا قصوراً، وإنما أعمال وإبداعات في النثر والشعر والسينما والمسرح؛ تركة إمّا أن نتصرف فيها فنحسن التصرف، وإما أن نضيّعها فيتصرف فيها غيرنا... نحن أحقّ بهذه التركة الثمينة، فلنعمل إذن على الحفاظ عليها...
تركة آسيا...
أسامة إفراح
07
فيفري
2015
شوهد:426 مرة