يرتقب أن يعطي التقسيم الإداري الجديد الذي يجسد ترقية عدد من الدوائر الإدارية ذات المؤهلات الاقتصادية والجغرافية والسكانية إلى ولايات منتدبة خلال السنة الجارية وتحضريها لتصبح ولايات كاملة في المدى المتوسط تماشيا مع التطور الشامل الذي تحققه البلاد. ومن الطبيعي أن هذا التوجه -الذي تمليه مقتضيات تنموية من أجل تعزيز انسجام وتيرتها على امتداد التراب الوطني، ومن ثمة إدماج كافة العناصر الطبيعية والبشرية في تلك الديناميكية- يكتسي خصوصية تميزه عن الترتيبات التقليدية لانتشار المؤسسات الإدارية بحيث تكون له هوية اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى.
ويستوجب هذا التوجه القائم على أبعاد حيوية مرافقة التقسيم الإداري الجديد بإطار قانوني واضح يحفظ للولايات المنتدبة الجديدة طابعها الفلاحي والسياحي بما يمنع إعادة إنتاج دواليب إدارية جافة تشكل عبئا على الميزانية بكل ما يمثله الأمر من بيروقراطية وبطء في مواكبة التحولات التنموية. ولذلك من المفيد أن تكون للأطر الإدارية المرتقبة وظيفة تنموية بكل ما تعنيه المهمة من امتلاك إرادة المبادرة الاستثمارية وحشد الطاقات المحلية للمساهمة في النمو الذي تحاصره مؤشرات تراجع أسعار المحروقات حاليا، فتكون فعلا أقطابا إدارية استثمارية، تنشط المشهد التنموي المحلي.
وعلاوة على كونها تقرّب بلا شك الإدارة من المواطن والمتعامل والحرفي، وهو أمر ايجابي ومحفّز، ينتظر أن تكون لتلك المرافق العمومية المستحدثة نزعة للمبادرة الاقتصادية من خلال تنشيطها بموارد بشرية تدرك أهمية التحديات ولديها قناعة راسخة بأن الجهاز الإداري الحديث يمثل رأس جسر نحو الاستثمار الاقتصادي المحلي والجهوي من خلال التواجد في الميدان والإصغاء للمتعاملين والقدرة على استكشاف الموارد التي تنشّط التنمية المستدامة، التي توليها الدولة عناية وترصد لها الموارد اللازمة، من أجل بلوغ الأهداف المسطرة وأبرزها تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية تقوم على إنتاج الثروة والقيمة المضافة دون الارتباط المباشر والمستمر بالمحروقات.
في هذا الإطار، من المهم جدا التأسيس لأقطاب استثمارية في المناطق الجنوبية والهضاب العليا المرشحة لإنشاء ولايات منتدبة تستجيب للمميّزات الاقتصادية المحلية، بما يساعد على ادماج كافة الموارد في الديناميكية التنموية وتجنيدها، طبيعية كانت أو بشرية، في ضخ طاقة إنتاجية كفيلة بأن تساهم في تغيير الوضع على الأرض ومساهمة كل الطاقات المحلية في دفع عجلة البناء الوطني. ومن هذا المنظور، ينبغي رسم ورقة طريق للاستثمار في تلك الفضاءات وفقا لإمكانيات كل منطقة كأن تكون واحدة فلاحية وأخرى سياحية وثالثة تصلح للصناعة الغذائية أو القطاعات الثلاثة معا ضمن رؤية بناء اقتصاد محلي صديق للبيئة يستوعب حجم الطلب والاحتياجات، بما يضع الإنسان بالدرجة الأولى على سكة النمو والرفاهية.