«صهيـب»... «العيشـة الضنك»

نورالدين لعراجي
16 جانفي 2015

استحسن الإرهابي علي إسماعيل المدعو «صهيب» خلال عملية إلقاء القبض عليه، أمس الأول الجمعة، من طرف وحدات الجيش الوطني الشعبي، المعاملة التي حظي بها والسلوك المثالي لأفراد أسلاكنا الأمنية، وباعترافه لم يكن يخطر بباله أبدا، أن تكون المعاملة بهذا الشكل، عكس كل التصورات التي يحملها في مخيلته، ما عدا تلك الصورة السوداوية التي كانت مخزنة في ذاكرته بشكلها الانتقامي.
الإرهابي صهيب، الذي انخرط في صفوف الجماعات الإرهابية المسلحة منذ أواخر شهر نوفمبر 1993، وهي المرحلة التي شهدت فيها الجزائر أوج أعمال العنف والقتل وعرضت الوطن إلى زعزعة استقراره، والزج به في نفق مظلم، هاهو اليوم وفي 2015 يحمل نفس سلاحه الذي حمله منذ صعوده الجبل أو ربما غيره، المهم أنه وفي لحظات البحث عن المؤونة في ذلك المكان الغابي تم القبض عليه واقتياده إلى مكان تواجد عائلته المتكونة من خمسة أفراد كلهم ولدوا بالجبل لا يحملون شهادة ميلاد، ولا يعرفون المدينة أو حياة الريف، ولا يسمعون بضوضاء المدينة ولا بصخبها، وكأنهم وحوش لا يمتثلون لقوانين الأرض ولا لأبجديات العيش، منعزلين عن الحياة الطبيعية بغابة في الأقاصي من الجبال رهائن الجهل والغطرسة والتعصب والأنانية، التي فرضتها تلك العقيدة البالية، التي نخرت عقول أبناء الوطن ورمت بهم في سراديب الجاهلية الأولى.
هل هناك فرق بين الموؤودة التي وئدت في القرون الأولى وبين هؤلاء الأطفال الذين تم وأدهم في زمن صار العالم فيه قرية صغيرة اركع الجغرافيا وقرب التاريخ؟
قد لا أتحدث في هذه الإطلالة عن الأسباب التي لم تسمح له بالانخراط في مسعى قانون الرحمة أو الوئام المدني، اللذين ساهما فيما بعد بمشروع المصالحة الوطنية ومن خلاله استجابة التائبين لجادة الصواب، ونزولهم من الجبال وتسليم أنفسهم، بقدر ما نتحدث عن الدوافع التي جعلته يعيش مدة عشرين سنة في عزلة عن العالم الآخر، يقاوم البرد والجوع وقساوة الطبيعة لوحده، محملا عائلته نفس المصير، عبر جبال العوانة بجيجل.
ومثل صهيب كانوا بالمئات في الجبال مثلما شهدته عملية جبال البابور، أين نزلت عائلات بأكملها رفقة أولادهم تاركين حياة البؤس والعار ولكن أي جاهلية اعتمدها هذا الإرهابي في بناء عالمه بمنطق السلاح؟، الذي أودى برفاقه حتما، وجعل بعضهم يسلمون أنفسهم، ومنهم من لا يعرف لهم مكانا.
حياة صهيب هي صورة أخرى للمعيشة الضنكا وجهنم الإرهاب الذي لا لون ولا دين له.
فهل تسمح ابنته البالغة من العمر 18 سنة، أو الصغرى البالغة سنة واحدة وهما تريان لأول مرة عالما غير ذلك الذي ألفتاه؛ عالم فيه الخير والشر متقاربان، الفرح والقرح متلاصقان، هل تغفر خطايا وذنوب صهيب لحظة فرح واحدة حرمت منها هذه البراءة؟
في أي شهادة ميلاد سيكون مولدهم؟، وأي عقد زواج يبرر هذه العشرة؟ وأي مدرسة تحتضن أنفاسهم؟ كل هذه الأسئلة قد تبدو سهلة للوهلة الأولى، لكنها في الحقيقة تحتاج إلى دراسات أساتذة علم الاجتماع ونفسانيين لعلاج كل المخلفات السوسيولوجية التي ربما من شأنها أن تعيق إدماجهم في المجتمع، هم في الواقع يجهلونه إطلاقا.
فهل تتحقق أمنية الفتاة في الجلوس على مقاعد المدرسة؟ أم أنها أيضا تتحمل نظرة المجتمع ووزر أبيها الإرهابي؟

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024