إنصاف الرّجال

جمال أوكيلي
09 جانفي 2015

 إستاء الجزائريون للأقوال المغرضة التي أساءت لشخصيات تاريخية، بشكل لم نتعوّد عليه أبدا في أدبيات نقاشاتنا وحوليات حواراتنا وحتى في جدالتنا، هناك سقف نتوقف عنده، وحدّ لا يمكننا تجاوزه بحكم احترامنا الكبير للشهداء والمجاهدين، وكل من أحبّ هذه الثّورة العظيمة.
منذ الثمانينات وخلال المحاضرات التي كانت تلقى بقاعة «كابري»، وهو مدرّج تابع للجامعة المركزية الكائن بشارع «شراز»، وصل النّقاش الساخن بين بن طوبال ودحلب والحضور من طلبة وأساتذة ومدعوين درجة من التشنج نظرا لحساسية المسائل المطروحة، بخصوص اتفاقيات إيفيان والمشاركة في مؤتمر الصومام، أو عندما جرى الحديث عن زعماء تاريخيين لكن لم يذهب أي أحد من هؤلاء إلى وصف الآخرين بأوصاف لا تليق، وإنما اكتفوا بإعطاء آرائهم لا تلزم غيرهم بخصوص وقائع معينة.
ولم نقف فيما بعد أي خلال فترات التسعينات والألفية على محاولة إلحاق الضرر بالقادة سواء في الحركة الوطنية، أو خلال الثورة لأن الذاكرة الجماعية للجزائريين تكنّ احتراما كبيرا لهم لأن هناك تواصل دائم مع البطولات التي شهدتها الثورة من خلال إحياء المعارك الكبرى، والسيرة الذاتية لكل من شارك في صنع الإنتصار، ناهيك عن التذكير بتضحياتهم ونكرانهم للذات من أجل استرجاع السيادة الوطنية، وتحقيق الإستقلال حتى عند مطالعتنا لمذكرات البعض ممن كتبوا عن مسارهم الثوري لم يضروا بالآخر أبدا، بل ذكروا مواقف الرجال في ظروف صعبة جدا آنذاك حتى عندما يقرأ مجاهد ما قا له رفيق دربه، لا يضخّم الأشياء إلى مستوى غير لائق، وإنما يدعو إلى المزيد من كتابة تاريخ الثّورة المجيدة.
هذه الثقافة النضالية هي التي تركت العلاقة بين المجاهدين تتّسم بالتّقدير، حتى وإن كانت هناك أحيانا تجاذبات معينة بخصوص نقاط كل واحد يراها من زاويته، أو قل أنه لا يحرج مما قيل عنه من قبل الآخرين، وتعوّد على التحلي بالصمت وعدم التسرع في إصدار الأحكام تجاه الآخر.
هذه هي نفسية المجاهد الجزائري، ونعني بذلك أنه يرفض الإساءة للآخر مهما يكن الأمر، غير أننا نلاحظ منذ فترة ليست ببعيدة أن البعض من السياسيين تحوّلوا بقدرة قادر إلى «مؤرخين»، وليتهم التزموا بالقواعد العلمية المتعارف عليها في الكتابة، ونقصد التجرد من الذاتية التي تعد من مثبطات الخوض في مثل هذه التجربة المعقّدة، وهذا ما وقع فيه هؤلاء في كتاباتهم الأخيرة عندما أطلقوا العنان لآراء مبنية على كراهية الغير والحقد عليه، وهذا ما يتناقض مع القيم النبيلة للتاريخ الذي يطلب صانعوه بإنصاف الرجال.
والإنصاف لا يأتي من التنكر للآخر، وإنما الإعتراف بنضاله مهما كان الأمر، وشخصية مصالي هي من اختصاص المؤرخين وليس السياسيين، ولا يحق إصدار وصف تجاه أي كان ولكن الحديث عن مساره منذ تأسيس نجم شمال إفريقيا في ١٩٢٦، ومطالبته آنذاك بالإستقلال. أما الرئيس بن بلة فلم يكن في يوم من الأيام تابعا لأحد، في حين أن علي كافي تاريخه يتحدث عنه.
هؤلاء أخلصوا للجزائر وأعطوا كل ما لديهم من أجل خدمة وطنهم بالنّفس والنّفيس، وفي وقت لا يحق لنا الحكم على الرجال بتلك الطّريقة الفضة والمجحفة، لذلك لا يمكن القبول بها نظرا لما تضمّنته من أحكام قاسية جدا، لم ترحم هؤلاء للأسف لا يكفي اليوم أن تحال مثل هذه القضايا على العدالة لأنّ أصحابها اعتادوا على ذلك، وإنما علينا التفكير في حماية رموز الثورة من الآن فصاعدا، بواسطة عمل تاريخي واضح لوزارة المجاهدين لأن هذه الشخصيات ملك للشعب الجزائري، وعلينا حمايتهم من كل تشويه لنضالهم وتضحياتهم، وهذا بفضل ندوات وملتقيات وأيام دراسية لشهداء ومجاهدي الثورة، وبهذا يكون الرد ردّين، لأن ما نشرته ابنة مصالي على موقع «كل شيء عن الجزائر» لم يطلع عليه الرأي العام، بالرّغم ما تضمّنه من قوة في مضمونه، كما بقيت الرّدود الأخرى حبيسة ركائز إعلامية معيّنة، فمن الضّروري تغيير استراتيجية العمل مستقبلا، وهذا بتبنّي كل ما هو تاريخ وطني.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024