الإرث الناجم عن التسيير بالبلديات، يتسبب في متاعب لا حصر لها بمجرد أن يستلم رئيس مجلس شعبي مهامه حتى يجد نفسه محاصرا بملفات ثقيلة على أكثر من صعيد نتاج أسلوب عمل تجاوزه الزمن لا يخضع لأي منطق يستند إلى المرجعيات القانونية ومن هنا تبدأ “ مسيرة “ نشاط تعترضه الكثير من التحفظات، لتجاوز وضع متداخل إلى حد لا يوصف.
ووقائع هذه الحالة، تندرج ضمن ما يعرف بالمنازعات وهو ملف الذي توليه وزارة الداخلية والجماعات المحلية أهمية قصوى إلى جانب التنظيم والموارد البشرية والصفقات العمومية والمالية المحلية بتعزيزها بما يعرف بالتكوين المتواصل، الذي يسمح للمنتخبين والإداريين بالتحكم في كل حيثيات هذا الأمر.
وبحكم تعاملها اليومي مع المحيط، تجد البلدية نفسها ضحية إرتكاب أخطاء عديدة ناجمة عن سوء التقدير أو التسرع في أخذ مشروع دون قراءة عواقبه المستقبلية بالإضافة إلى اصطدامها بقرارات أتخذت فيما سبق ماتزال أثارها تكبل أي هامش مناورة كوجود العقار والمحلات وأملاك أخرى تحت طائلة أناس غرباء ومشاكل معقدة جدا مع المقاولين الذين كلفوا بمشاريع لكنهم توقفوا ثم يطالبون بمستحقاتهم ،،، ناهيك عن منازعات أخرى توجد حتى على مستوى المحاكم.
هذه الصورة الخفية للبلدية عندنا، الكثير من رؤساء البلديات يتعاملون بأثر رجعي مع المسائل التي وقفوا عليها في مكاتبهم، وفي كثير من الآحيان يسعون أو يحاولون القفز عليها والهروب إلى الأمام، في حين تبقى تلك القضايا عالقة تتطلب إن آجلا أو عاجلا حلا وفوريا، حتى لا نزيد في حجم تأثيرها على العمل.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن المبدأ أو القاعدة التي يسير عليها رؤساء البلدية هي “ أن عملي يبدأ من حيث انتهى عمل من سبقني” وهذا ضمنيا عدم تحمل مسؤولية الآخر وكل الملفات التي تطرح على رئيس مجلس شعبي جديد يحيلها على الارشيف، تماشيا مع الشعار المذكور سالفا أي أنه غير معني بما قام به الأخرون، لكن عمليا فإن تللك النزاعات تعود في كل مرة فارضة نفسها بقوة ،،، يصعب التهرب منها أو رميها في الأدراج أو الإغلاق عليها في الخزانات،، كونها جزء لا يتجزأ من كل هذا الزخم والضغط اليومي، سيعقد أكثر فأكثر إن لم يسارع باتجاه الحلول المرجوة، حتى وإن كانت أحيانا مؤلمة جراء المصاريف المالية الباهضة الناجمة عن استدراك التأخر.
وضمن هذا التوجه العام يندرج مسعى وزارة الداخلية والجماعات المحلية الرامي باتجاه ضرورة مرافقة هذه المسائل كونها تحمل عناصر حساسة يستدعي الأمر التعامل معها، مهما يكن الأمر .
وليس من قبيل الصدف أن يطرح هذا الإشكال ضمن مسار التكوين الذي تقترحه الوزارة، لذلك فإن مثل هذا العمل يتطلب الكثير من الشروط الصارمة كالاختيار الصارم للتركيبة البشرية للمصالح المكلفة بالمنازعات، وتمتعهم بالكفاءة العالية في تسيير مثل هذه القضايا
والمتابعة للملفات المطروحة من إحصاء النزاعات وتحديد طبيعتها من خلال إعداد بطاقية محلية بإمكانها أن تكون مرجعية في أي عمل في المستقبل.
هذه المقترحات تفتح آفاقا واعدة على الاقل من أجل وضع كل تلك القضايا علي بساط البحث والدراسة وهذا كله لتطهير البلديات من كل تللك الأشكال من المنازعات التي تحولت إلى إرث يثقل كهل المجالس المنتخبة.
الخيار الصارم
جمال اوكيلي
04
جانفي
2015
شوهد:498 مرة