تحمل الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية لسنة 2014 مكاسب ذات دلالات وإن كانت معرّضة لمواجهة تداعيات سلبية لأزمة أسواق المحروقات التي تعرف أسعارها تراجعا منتظما منذ منتصف السنة بما يستدعي، وهو أمر طبيعي، اتخاذ التدابير اللازمة لضمان مواصلة التنمية وديمومة النمو دون المساس بأسس الاستقرار أو يستهدف بعناصر الأمل في تجاوز الظرف، وهو ما بادرت الدولة تجاهه بتسطير جملة إجراءات احترازية إلى حين اتضاح المؤشرات في المديين القصير والمتوسط.
وبالفعل، سجلت هذه السنة، التي تلفظ أيامها الأخيرة، إنجاز جملة من المشاريع الحقيقية في قطاعات الصناعة والمنشآت القاعدية والخدمات، مثل السياحة التي حافظت على وتيرة نشاط يمكن أن تزداد سرعته وكثافته من حيث تحصيل الموارد بالعملة الصعبة، إذا انتقل المتعاملون إلى مستوى الفعل الاقتصادي، من منظور الرغبة في المساهمة الملموسة في جلب العملة الصعبة من خلال استقدام السياح طيلة العام. ويتطلب هذا إخضاع معادلة الحركية السياحية إلى توازن، بالضغط على تصدير السياح الجزائريين إلى الخارج تحت عناوين مختلفة وتنمية إدراجهم في مسالك للسياحة الداخلية بمعايير منافسة وكذا التركيز على تطوير أساليب استقدام السياح الأجانب بكل ما يترتب عن ذلك من تحصيل للعملة الصعبة. ويقع هذا الجهد على المتعاملين المسجلين في القطاع العام ونظيره الخاص، من حيث انخراطهم في ديناميكية واقعية لإعادة بناء سوق السياحة التي ترتكز على معطيات وعناصر تؤهلها لتدارك التأخر وتحقيق نسبة نمو أعلى ضمن النسيج الاقتصادي للبلاد. وفي هذا الإطار، يمكن للوكالات السياحية أن تعيد ضبط حساباتها من أجل أن تصبح مصدر جلب للسياح وليست مجرد وسيط أو مضارب في خدمة مراكز صناع القرار السياحي ومقاصده عبر العالم، فتقوم بتصدير السياح الوطنيين إلى جهات معروفة، وهو أمر طبيعي لولا الصدمة التي تطلقها تقلبات أسعار البترول، وتلزم كافة الشركاء بالانخراط في بذل كل طاقتهم وتسخير خبراتهم لتعويض الخسارة المالية المتوقعة من ذلك.
وتكتنز الجزائر موارد ولديها إمكانات معتبرة لتحقيق هذا الهدف، شريطة أن تنجز الوثبة باحترافية وفق رؤية واضحة المعالم ترتقي بالسياحة إلى صدارة المشهد الاقتصادي الوطني. فإلى جانب مناخ الاستقرار الذي يتعمق بشكل مستدام، في ظل انتعاش للاستثمارات بما فيها البرامج الموجهة للنهوض بالسياحة وعصرنة مرافقها وتأهيل مواردها البشرية عن طريق التكوين وفقا لمعايير دولية، تتميز سوق السياحة المحلية في الصحراء، الهضاب العليا والساحل بخصوصيات تضمن لها تسويقا في الداخل وفي العالم، لو تبادر المؤسسات والوكالات بإعادة ضبط أسعار الخدمات وترقيتها وتحسين جودة تسويقها. كما للجماعات المحلية دور في إبراز رصيدها السياحي وتوجيه اليد العاملة المهتمة والمؤهلة فيها للعمل في السياحة المحلية، بالتنسيق مع ما لديها من أوراق قوية أخرى، كالصناعة التقليدية والتراث الثقافي، على اعتبار أن الإنسان يمثل جوهر المعادلة كمنتج للخدمات السياحية ومستهلك لها وحولها تنتعش كثير من الحرف والمهن الصغيرة فتعود النتيجة على المجتمع المحلي بالدرجة الأولى. ولا يتطلب الأمر تقديم مشاريع ضخمة وذات كلفة عالية، بقدر ما يحتاج أساسا إلى روح المبادرة بإقامة مسالك نحو وجهات ومواقع ومحطات تاريخية ودينية واستجمامية بأسعار في المتناول ليتحقق الفعل الاقتصادي بالتدريج. بل السؤال الأكبر، متى تستغل تكنولوجيات الاتصال الجديدة في تنشيط دواليب هذا القطاع وغيره على المستوى الوطني والمحلي كبداية لاستهداف أسواق جهوية وإقليمية.
ديمومة النمو
سعيد بن عياد
26
ديسمبر
2014
شوهد:583 مرة