لا للتّطـاول على الثّـورة

جمال أوكيلي
19 ديسمبر 2014

التّطاول على الثّورة ليس من شيم الجزائريين أبدا، ولم نقف في يوم من الأيام على آراء مسيئة للشّهداء والمجاهدين، وكل من عاش تلك الأحداث عن قرب، لا لشيء سوى لأن ّأول نوفمبر راسخ في وجدان هذا الشعب لا يمكن لأحد أن يمحوه أو يزيله.
لا يحقّ لأيّ كان أن يصنع الإثارة الإعلامية بالثّورة، بالسّعي للخلط في أذهان النّاس وإدخال البعض من الشك الذي نحن في غنى عنه عندما يتعلّق الأمر بكفاح الشّعب الجزائري.
هذا التوجه خطير جدا، لا يمكن القبول به أبدا أو يسمح بالطّعن في قيم نبيلة لثورة عظيمة طردت أعتى قوى إستعمارية، ولقّنتها دروسا لا تنسى في التّضحية من أجل استعادة السيادة الوطنية، وكم كان الثّمن باهضا!
قد تكون البعض من المواضيع محل تجاذبات وأخذ وردّ، لكن ليس بالشّكل الذي سمعناه الأسبوع الماضي في قناة من القنوات الخاصة، والذي ذهب فيه صاحبه إلى التفوه بكلام فيه الكثير من الظلم تجاه هذه الثّورة المباركة، ويحمل عناصر حديث غير مسؤول ينمّ عن حقد دفين تجاه رموز الثّورة.
ما سمعناه ليس بنقاش أراد صاحبه تنوير الرّأي العام بقدر ما هو تطاول وتجني على حقائق الثّورة، ولا يعقل أن نسكت عليه، بل يتطلّب الأمر إدانة كل مساس بمن صنعوا تاريخ الجزائر وأتوا بالإستقلال الوطني، والذين عانوا الأمرين في الجبال والوديان والشّعاب والصّحاري ما تزال آثار همجية الإستعمار بادية على أجسامهم جراء التّعذيب والتّنكيل، ناهيك عن الإعدامات والنفي القسري، وغيرها من الأساليب الجهنّمية التي تعرّض لها الجزائريون.
إنّنا نعتصر ألما عندما تقال مثل هذه الأشياء على الثورة الجزائرية، كنّا نعتقد بأنّ الاستعمار هو أولى بالانتقاد الشرس، كونه ارتكب جرائم ضد الشّعب الجزائري طيلة ١٣٠ سنة. وليس الثوار الجزائريّين.
كما أنّ التّشخيص في مسائل التّاريخ بتلك الطّريقة لا تليق أبدا، لأنّه مساس مباشر بالأفراد وهم لا يقبلون بذلك أبدا.
بالأمس احتفلنا بالذّكرى الستين لاندلاع ثورة نوفمبر والذّكرى الـ ٥٤ لمظاهرات ١١ ديسمبر، ونستغرب بعد المناسبة أن يطل عليها أناس يريدون إلحاق الضرر المعنوي بكل من عمل على طرد فرنسا من هذه الأرض، وهذا باعتماد شهادات وأقوال معيّنة.
وعليه فمن الخطأ الفادح الدّخول في متاهات ممّا يعرف بتسييس التّاريخ، وهذا بإخراجه من قالبه الأصلي وتحويله إلى سجل تجاري، والأكثر من هذا المتاجرة به، وهذا للأسف ما يحصل اليوم. ومثل هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا، لأنّه يفتح الباب لكل من هبّ ودبّ للخوض في موضوع ليس بالطّريقة التي يتناوله البعض في الوقت الرّاهن، وما يسجّل من لوم على كل هؤلاء هو أنّهم لم يعيشوا الثورة، وما كتبوه مجرّد شهادات جمعوها من عند فلان وعلان، وليست بالضّرورة وثائق صحيحة جاءت في كتاب، ويمكن لأي جزائري آخر أن يدوّن مخطوطا قد يدحض ما قاله الآخر، لكن الكثير من المجاهدين ورفقاء السّلاح يرفضون صبّ الزيت على النار حتى لا تتحوّل الأشياء إلى مسائل لسنا في حاجة إليها. وفي هذه الحالة لا نكون بصدد مفاتحة التاريخ بقدر ما هي تصفية حسابات أو شيء من هذا القبيل، وهذا ليس من شيم الجزائريّين الذين يحبّون الشّهداء ويحترمون المجاهدين وكل من لاحق الإستعمار في المدن والأرياف، علينا أن لا نترك هذا المسلك المسيء للثّورة يشوّش على ذاكرة الجزائريّين.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024