ربيع دمويّ

فضيلة دفوس
15 ديسمبر 2014

الأمر كلّه بدأ في مثل هذا اليوم قبل أربعة أعوام، عندما أحرق بائع الخضار المتجوّل التّونسي محمد البوعزيزي نفسه  في ردة فعل يائسة وساخطة على وضعه الاجتماعي، فتحوّل جسده الملتهب إلى شعلة لما يسمى بـ “ثورات الرّبيع العربي”.
لقد تحوّلت ردّة فعل البوعزيزي الدموية إلى شعلة ألهبت معظم المنطقة العربية،وهزّت شوارعها التي انتفضت مطالبة بالتغيير، وبدأت رؤوس القيادات  تتهاوى، ففرّ من فر وتنحّى من تنحّى،
وُصفّي بأبشع طريقة من حاول السّباحة ضد التيار، وزجّ بمن قاوم ورفض أن تسحقه عجلات المتآمرين ــ الذين رتّبوا لزعزعة استقرار بلدان عربية بعينها  باسم “إسقاط الديكتاتورية” ــ في محرقة الحرب الأهلية.
لقد هلّل العالم لانتفاضة الشوارع في تونس ومصر وليبيا واليمن ثم سوريا ووصفها “بالربيع”، الذي سيزهر أنظمة يختارها الشعب وفق دساتير تلبّي تطلّعاته، لكن الفرحة لم تدم والذين خرجوا رجلا واحدا إلى الشوارع للمطالبة بتنحية قياداتهم، سرعان ما دخلوا في متاهة الصّراع والاقتتال الدموي قصد بلوغ القصور الرئاسية الشّاغرة .
ودخلت الأطراف الخارجية الغربية والعربية المؤجّجة على الخط تصبّ الزّيت على النّار، تؤلّب هذه المجموعة على الأخرى وتعبئ الارهابيين من مختلف ربوع العالم لترسلهم إلى حيث خطّطت لإلهاب النار.
لن نضيف جديدا بكل تأكيد لو جزمنا بأن الذي حصل في بعض البلدان العربية قبل أربع سنوات، كان حقا أراد به المتآمرون باطلا وحوّلوه عن هدفه ومغزاه، وأصبح الرّبيع شتاءً قاسيا يضرب بأعاصير أمن واستقرار البلدان، ولم تسلم من هزّاته سوى تونس التي تستعد لتتويج “ثورتها” بالدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي تطوي بها مرحلتها الانتقالية.
أما باقي الدول فمازالت بدرجات متفاوتة تعاني مخاض التغيير بالفوضى وسفك الدماء هنا وما يشبه الحروب الأهلية هناك، في حين تتعثّر كل جهود الحل السياسي ليبقى التأكيد بأنّ ما اعتقد خطأ بأنه ربيع عربي، ما هو في واقع الأمر إلاّ كارثة حقيقية حلّت ببعض البلدان العربية، فسرقت استقرارها وأمنها، وعصفت بوحدتها واقتصادها وزجّت بها في حروب مدمّرة، كما ألقت بظلالها القاتمة على باقي الدول العربية التي وجدت نفسها تحترق بحمم البراكين المتفجّرة في الجوار.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024